أربعون عاما على تقرير بعثة تقصي الحقائق: الصحراويون يرفعون علم البوليساريو ويطالبون بالاستقلال التام.


يوم 15 اكتوبر 2015م تكون مرت 40 سنة على زيارة بعثة تقصي الحقائق التي زارت الصحراء الغربية.. جاءت البعثة في سياق محاولة تخفيف من صدمة القرار 3292 القاضي بتاجيل الاستفتاء ورفع القضية الى المحكمة. قررت الامم المتحدة أخيرا إرسال بعثة أممية الى الصحراء الغربية لمعاينة الوضع العام عن قرب، وبفعلها ذاك حاولت الأمم المتحدة إرضاء الاطراف كلها في ان واحد: إرضاء المغرب برفع القضية الى المحكمة وتأجيل الاستفتاء، وإرضاء أسبانيا ببعثة اممية الى الاقليم.
 في الحقيقة كان يجب ارسال البعثة في سنة 1967م تطبيقا للقرار الاممي الشهير 2229 للجمعية العامة حول الصحراء الغربية، لكن اسبانيا انذاك كانت هي التي لها حق استقبالها او رفضها، وبقيت تناور الى ان وصلت المناورة الى اخر دقيقة من عمرها. اخيرا أُعطي لها الضؤ الاخضر.تشكلت يوم 13افريل 1975م من ثلاث شخصيلت رئيسية ومجموعة من الموظفين الصغار. اسندت رئاستها الى السيد سيمون اكي من ساحل العاج، وكان نظام دولته انذاك من الدول الصديقة للمغرب، يساعده في هذه المهمة السيدة مارتا خيمينار مارتينيزا من كوبا، والسيد مانو سهار من ايران التي كانت تحت حكم الشاه الصديق للمغرب انذاك أيضا. بدأ كل شيء قابل لطرح الاسئلة في تصرفات الامم المتحدة منذ سنة 1973م: التقرير، تاجيل الاستفتاء، رفع القضية الى المحكمة، ارسال بعثة تقصي الحقائق رغم المعرفة المسبقة ان تقريرها لن يفيد مادامت المحكمة لم تقدم رأيها الاستشاري الذي أُجل الاستفتاء في انتظاره، والذي يعتبر هو كل ما ينتظره الجميع، أما ماعاداه فهو إضافات لن تفيد في أي شيء أصلا . يوم 8ماي تقررَ سفر البعثة الى الصحراء ومعها تعليمات بعيدة في مجملها عن المرجو منها مستقبلا، والمطلوب منها حسب الرسالة التي وضعت بين ايديها قبل سفرها هو" الاتيان بمعلومات اكيدة عن الوضع السائد في الاقليم، بما في ذلك معلومات عن الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وإيضاحات عن مطالب وتطلعات الشعب، وان تجري اتصالات مع اكبر عدد من السكان الاصليين سواء الذين يعيشون في الاقليم او خارجه من اجل التأكد من مطامح كل هؤلاء."
وحتى في الرسالة التي تسير البعثة على ضوئها هناك اشارة واضحة الى تاثير المغرب عليها المتمثل في استشارة السكان خارج الاقليم.
حضرت البوليساريو جيدا لاستقبال البعثة سياسيا وعسكريا. في يومي 11و12ماي قام الجناح العسكري للجبهة بتخطيط عمليتين عسكريتين ضد الوحدات العسكرية الاسبانية المتنقلة، وجاء امر الى كل المجندين الصحراويين في الجيش الاسباني بالالتحاق بالجبل كمقاتلين في صفوف البوليساريو.
يوم 12ماي كانت البعثة في العيون، العاصمة السياسية للاقليم وهنا حدثت المفأجأة.
خرجت البوليساريو من خلف الستائر السرية والصمت، ورفعت علمها عاليا.جاءتها الفرصة في عقر دارها لتظهر للعالم والامم المتحدة خاصة، انها هي القوة المسيطرة في الاقليم، وأنها سحبت البساط من تحت اقدام اسبانيا. كان خروجها بمثابة الاحتجاج القوي على تغييب الصحراويين عن محكمة العدل الدولية، وكذا على القرار الاممي القاسي القاضي بتأجيل الاستفتاء، وردا على المطالبة المغربية والموريتانية بالاقليم. ارتفعت غابة من الاعلام الصحراوية الملونة امام عيني البعثة. يقول احد منضلي الجبهة الاوائل:" لم نكن نتصور ان ترتفع اعلامنا بهذا العدد الهائل ذلك اليوم."
استيقظت العيون في يوم مشهود لم تعرف له مثيلا في تاريخها. خرج الصحراوين يهتفون بشعارات موحدة  يحملون اعلام البوليساريو ويطالبون بالاستقلال التام، ويرفضون الانضمام للمغرب وموريتاينا. كان الاستقبال حارا ومباغتا بالنسبة للبعثة التي ادهشتها كثرة اعلام البوليساريو والشعارات المنادية بالاستقلال المكتوبة في كل مكان وبكل اللغات حتى فوق المباني الحكومية الاسبانية وعلى ارضية الشوارع ومعلقة فوق اسلاك واعمدة الكهرباء. في لقاءاتها مع الفعاليات السياسية في المنطقة اتصلت البعثة بالجبهة كحركة ريئسية ظهرت الى الوجود في الصحراء وبالحزب الاسباني وبجماعة الشيوخ، لكن الجميع انقلب على اسبانيا وطالب بالاستقلال، فحتى الحزب الذي كانت اسبانيا تعلق عليه آمالا كبيرة خذلها امام البعثة وذاب امام البوليساريو، وكان انصاره القليليون يقولون لمناضلي الجبهة:" نحن نعلم انكم ضد الحزب، لكن الصحراويين جميعهم متفقين على الأهم  وهو الاستقلال، وعليه فالواجب ان نظهر امام الاجانب اتحادنا لنطالب بالاستقلال."
حتى مسرحية الحاكم الاسباني في الصحراء افشلها المتظاهرون. لقد جمع الكثير من اعضاء الحزب ووزع عليهم الاعلام الاسبانية امام ادارته وامرهم برفعها اذا راوء أعضاء البعثة، وحين ذهب الى المطار لاستقبال الوفد الاممي، قال لهم ان الكل يطالب بالبقاء تحت علم اسبانيا وسترون ذلك باعينكم، لكن دهشته كانت كبيرة حين اخفى الصحراويوين الاعلام الاسبانية ورفعوا مكانها اعلام البوليساريو.
التقت البعثة مع مسوؤلي البوليساريو وعبروا لها عن موقف الجبهة بصراحة، وقالوا لها ان الجبهة توئيد خروج اسبانيا وتسليم ادارة البلد للصحراويين، وان الاستفتاء اصبح متجاوزا مادام الجميع متفق على الاستقلال، لكن اذا الحًت الامم المتحدة على اجرائه فيجب ان تخرج اسبانيا، وتكون هناك ادارة صحراوية تحت حماية عالمية وبضمانات اممية."
قبل انتهاء مهمتها وصدور تقريرها توصلت البعثة الى ملاحظة وهي انها سلمت بحقيقة ما وقع امام عينيها، وهو تحكم البوليساريو في مفاصل الاقليم وانضواء كل الصحراويين تحت علمها يطالبون بالاستقلال التام؟
بعد الصحراء الغربية انتقلت البعثة الى البلدان المجاورة. في المغرب كان استقبال البعثة فرجة مسرحية مثيرة للضحك. في الرباط اعرب ريئس البعثة لوزير داخلية الملك عن تاثره بما راى في الصحراء الغربية، لكن تم تهديده وفرض عليه ان يتسلم لائحة تضم اسم 30الفا مغربيا بحجة انهم منفيين صحراويين في المغرب،* اما الصحراويين الحقيقيين فقد تم تغييبهم نهايئا حتى لايتصلون بالبعثة خوفا من مطالبتهم بالاستقلال التام وفضح المسرحية المغربية. في الشوارع كان الاستقبال فاترا رغم المسرحية، ولم تظهر سوى مجموعة قليلة من المواطنيين فرض عليهم لبس الزي الصحراوي فلبسوه بطريقة مختلفة." قام المغرب بعملية تزوير كبيرة، قال ان الصحراويين الذين فروا من اسبانيا هم الان في المغرب، والبس المغربيين دراريع مفتوحة من الخلف ووزع عليهم الثمة بيضاء، اما الملك ذاته فقد اتصل بريئس ساحل العاج شخصيا وطلب منه ان يتصل بمسؤول البعثة بصفته من ساحل العاج ليكون مع المطالب المغربية."
كان المغرب متشددا في مطالبه فهو مع ان تتبع الصحراء للمغرب وتشبث برحيل اسبانيا وجيشها وادارتها حتى يتم الاستفتاء ويكون السؤال:" الانضمام للمغرب او الاستقلال."
في الجزائر كانت الامور صافية وواضحة، فالصحراويون المتواجدون هناك عبروا عن تمسكهم بالاستقلال التام.
في موريتانيا كانت كان سيكون هناك مشهد من المسرحية المغربية، وكان الاخراج سيكون اكثر حبكة لتشابه الصحراويين والموريتانيين، لكن الجالية الصحراوية في هذا البلد لم تغب عن الموعد التاريخي، واتصلت بالبعثة وطالبت بالاستقلال التام يؤيدها في ذلك الكثير من الموريتانيين الشرفاء ، اما الموقف السياسي الموريتاني فقد انقسم، فالبعض متحمس لضم الصحراء لموريتانيا والبعض يفكر في مستقبل المنطقة وموريتاينا ويرى ان الاستقلال هو الحل، اما الحكومة فهي مع تقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا.
تقرير البعثة:
 يوم 9جوان 1975م انهت البعثة جولتها في المنطقة بعد شهر كامل، وعادت الى نيورك وبعد اربعة اشهر من نهاية مهمتها قدمت تقريرها وسلمته الى الجمعية العامة يوم 15كتوبر 1975م ونشر في اليوم الموالي. لم تسلمه قبل هذا التاريخ لإن المحكمة كانت في جلساتها المغلقة ولم يصدر عنها اي خبر بعد، وقد يفسد عليها تقرير البعثة الاجواء لو نُشر قبل هذا التاريخ. لو كان التقرير نُشر فور انتهاء البعثة من مهمتها وظهر فيه ان البوليساريو هي التي يعترف الشعب الصحراوي بتمثيلها له، كان سيفرض على الامم المتحدة ان تعترف بها وتشركها في المحكمة ولو في المداخلات الشفهية مثلما فعلت مع الجزائر ودول اخرى شاركت في الجزء الثاني من الجلسات فقط. فلو لم يكن الامر كذالك، هل يتطلب اعداد تقرير بسيط اربعة اشهر كاملة، ام ان هناك امر ان لا يرى النور الاَّ في التاريخ المحدد لصدور الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية؟. ورغم تأخره المتعمد الاً ان التقرير والراي الاستشاري لم يستطيعا ان يقفزا على الحقائق،. كان تقريرا ايجابيا واضحا ومنصفا بدون تحيز. سلم التقرير الى الجمعية العامة في خريف 1975م ومنه نقرأ النقاط التالية الهامة:" في كل مكان زارته البعثة استقبلت بمظاهرات سياسية حاشدة واجرت العديد من التجمعات الخاصة مع ممثلي كل القطاعات في الصحراء وانطلاقا من كل هذا اصبح واضحا للبعثة ان هناك اجماع بين الصحراويين على الاستقلال، وضد الانضمام لاي بلد مجاور، كما لمست البعثة على ضؤ ما شاهدت في الاقليم، خاصة المظاهرات الحاشدة المؤيدة لجبهة البوليزاريو، التي كانت سرية الى غاية مجيء البعثة، ان هذه الحركة استفادت من تايئد معتبر من كل الشرائح الاجتماعية، خاصة النساء والشباب والعمال الذين اظهروا انهم مؤيدين نشطين لها. لقد ظهرت البوليزاريو انها الحركة المسيطرة في الاقليم." . ان ماحدث مع تقرير البعثة كان يطرح الكثير من الاسئلة، فربما يكون التقرير قدم فور انتهاء البعثة من مهمتها لكن لم ينشر لسبب انه يذكر ان البوليزاريو هي الحركة المسيطرة في الاقليم.؟
واشارت البعثة في تقريرها انها اتصلت بحركتين سياسيتين هما البوليزاريو والحزب الاسباني  وعبرا عن تمسكهما بالاستقلال التام، اما عن ما دار بين اعضاء البعثة وجماعة الشيوخ فقد كتبت عنه البعثة مايلي:" لقد خرجت البعثة بانطباع واحد مفاده ان اعضاء الجماعة قد ابدوا رغبتهم في ان يسير البلد نحو تقرير المصير."
- في ختام تقريرها طلبت البعثة من الامين العام ان يعين بعثة جديدة تكلف هذه المرة بتهيئة الظروف تحضيرا لإستشارة شعبية تحت اشراف الامم المتحدة.
واحتج المغرب وموريتانيا على التقرير ووصفاه بالمزور وغير العادل. ورغم ان اثنين من مسوؤلي البعثة من دولتين انظمتهما صديقة للمغرب انذاك (نظام الشاه، وهفووت) ورغم اتصالات الملك المغربي بالريئس الايفواري الا ان الحقيقة كانت اكثر من انحياز اي احد..


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء