المرأة الصحراوية: الضفيرة، رموز وجماليات(دراسة يتبع)


Resultado de imagen de ‫المراة ضفيرة صحراوية‬‎في الثقافة الشعبية الصحراوية، وحصرا في المعتقدات، يُمثل الشعر، خاصة الضفيرة، الكثير في حياة المرأة او حتى في حياة المجتمع بصفة عامة.
مثلا، إذا حدث خلاف بين عائلات أو أفراد ورفضوا التصالح تتدخل إحدى النساء وتهددهم انه في حالة رفض إنهاء الخصام فإنها ستقص إحدى ذوائب ضفيرتها أو ستحلب ثديها على الأرض. في العادة يتوقف أي خصام حينما تهدد امرأة ما بقص جديلتها أو جزءا من شعرها؛ أي إن ذلك التهديد لا يتم اللجوء إليه إلا بعد أن تُستنفذ كل وسائل الصلح الأخرى. وحتى ترغم امرأة ما متخاصمين – أفرادا أو مجموعات- على الصلح وإنهاء الخلاف، تذهب إلى خيمة أو خيم بعضهم وتقول لهم:" إذا لم تنهوا الخلاف سأقص إحدى جدائلي الآن." حين تحصل على جواب إيجابي تذهب إلى خيمة أو خيام المجموعة الأخرى وتقول لهم نفس الشيء: " إذا لم تتصالحوا سأقص جديلة من شعري".
من جهة أخرى حين تفقد امرأة أعصابها بسبب خبر حزين أو بسب مصيبة ما فإن أول ما تفعله هو كشف رأسها ونزع الملحة عنه وفك جدائلها ونتف شعرها.
حينما تنجب امرأة أربع بنات متتاليات وتحمل من جديد فإنها، تيمناً منها بإنجاب مولود ذكر، تبدأ تحلق رأس أصغر بناتها؛ كل مرة نصف حتى يزداد مولودها المنتظر.
قديما كان يمكن بسهولة تمييز المرأة التي تنجب البنات فقط والتي تنجب بنيين فقط: فالتي عندها البنات تعلق على جدائلها وضفائرها ما يُسمى أمجون الأبيض( نوع من الأحجار الكريمة يشبه القواقع)، أما التي تنجب البنيين فقط فتعلق على جدائلها الاخراب الحمراء (نوع آخر من الأحجار الكريمة ذات لون أحمر).

إنه من الصعب جدا تصور كيف تحب المرأة الصحراوية شعرها، كيف كانت تحافظ عليه وترعاه، والجهد الذي تبذله كي تضفره وتنظفه. إن العناية بالشعر عند المرأة هي شيء يمكن أن نقول أن له ارتباط بالأساطير. فحين تسقط خصلة شعر من رأس امرأة أو تسقط نتيجة للمشط تقوم صاحبتها بدفنها في التراب في مكان لا يمر من فوقه أحد. وتفسير ذلك يرجع، حسب المعتقد الصحراوي، إلى أن الشيطان يسكن في شعر المرأة المرمي على الأرض. فإذا مر شخص فوق مكان ما فيه شعر امرأة فإنه قد يصاب بمس من الجن. ولا يسمح المجتمع النسائي الصحراوي بحلق شعر المرأة أو قصه أو حتى تقصيره. ولا يمكن قص شعر امرأة إلا بعد أن ترتكب جريمة من المحرمات كأن تقتل أو مثلا أو تأتي بفاحشة. فحين يدعون لأمرأة أن ترتكب جريمة يقولون لها: "الله يطرح ظفيرتك" ( يُقص شعرها).                

تقوم المرأة بضفر شعرها وفقا لعادات تشبه الطقوس. ويتم ضفر الشعر وفقا للحالة التي توجد فيها المرأة: إذا كانت عروسا تضفره بطريقة، إذا كانت في حداد تضفره بطريقة، إذا كان زوجها مسافر تضفره بطريقة إلخ... ففي حالة الحزن مثلا تترك المرأة شعرها دون ضفر تحت الملحفة؛ فإذا شاهدها الناس على تلك الحالة يعرفون أنه ألمَّ بها ما يحزن فلا يجرحون مشاعرها ولا يقيمون قربها أي مظهر من مظاهر الفرح.
كانت حين تزداد بنت عند عائلة، تقوم أمها بحلاقة شعرها عند الأربعين يوما الأولى من ميلادها، ثم تترك شعرها ينمو حتى تكمل سنتها الأولى ثم تحلقه للمرة الأخيرة. بعد ذلك تترك الشعر حتى يحين موعد ضفره. حسب ما لا زالت تتذكره بعض الصحروايات المسنات، كان حدث ضفر شعر بنت للمرة الأولى شيئا مهما في حياتها. لمَّا تكمل البنت سنتها الخامسة أو السادسة تضفر لها أمها شعرها في جو مبهج تدعو له صديقاتها. ويتم ضفر الشعر وفقا للكثير من الطقوس والمراحل: يُغسل، يُغمس في محلول من القرنفل والأعشاب، يُدهن ثم يُضفر على شكل جدائل أو قرون. حين تنتهي عملية ضفره تعلق عليه الأم أو الضافرة الكثير من الآلي والحجارة الكريمة الصغيرة. تسمى الضفيرة الأولى في حياة البنت بضفيرة "سانا مانا" وهو اسم ذو أصول إفريقية بحتة. تلبس البنت ملابسها وتخرج إلى الخارج لتلعب مع صديقاتها، وخاصة، ترقص معهن الرقصة المشهورة برقصة " سانا مانا"، وهي رقصة مشهورة تحدث مرافقة لإيقاع الطبل، تقوم فيها البنت بهز رأسها وتحريك جدائلها يمنة ويسرة حتى تتعب. وتحس البنت بعد ضفر شعرها للمرة الأولى ببعض الخجل اتجاه الرجال مثل والدها وإخوتها؛ تختفي عنهم ولا تلتقي بهم إلا بعد أن يستدعونها ويقولون لها انه لا داعي لأن تختفي. وإلى جانب الخجل تبدأ البنت بعد عملية ضفر شعرها للمرة الأولى المساعَدة في بعض الشؤون المنزلية البسيطة، وتبدأ والدتها تعلمها شيئا فشيئا- دون تعنيف- انه عليها أن لا تقوم من الآن فصاعدا بأي عمل صبياني أو طفولي. إن الضفيرة الأولى في حياة البنت يمكن أن نقول عنها أنها هي نقطة البداية التي تبدأ منها البنت تعلم مبادئ التربية النسوية الأولى.

من جانب آخر لا يقول الصحراويون أن بنتا أصبحت بالغة، لكن يقولون في بعض الأحيان " إبنة فلانة أصبحت مغطية"، ورغم أن معنى مغطية يُقصد به تغطية الجسد كله بالملحفة، إلا أن بعضهم يقول أيضا بتعبير آخر أن فلانة " غطات رأسها"؛ أي غطت شعرها، وهي علامة للبلوغ
وحتى بعد أن تبلغ المرأة وتتزوج يبقى الاهتمام بالشعر من الأولويات. حين تريد امرأة ضفر شعرها تقوم بالكثير من التحضيرات التي تشبه الطقوس والتي تدوم لمدة قد تصل ليوم كامل: تمشطه لمدة ساعتين أو أكثر، تغسله ثم تنشفه، تغمسه في مساحيق ومحاليل من القرنفل والحناء ثم تبدأ عملية ضفره المعقدة والتي تدوم هي الأخرى طويلا.                    
والمشكلة أنه- بالإضافة إلى تعقيدات الضفيرة وصعوبتها- فإن كل النساء لا يستطعن ضفر الشعر. ففي المجتمع الصحراوي القديم كانت هناك نساء، في كل منطقة، مشهود لهن بالمهارة في ضفر الشعر ومعرفة كل أنواع الضفيرات والتسريحات، وتقصدهن النساء الأخريات من بعيد. في بعض الأحيان تسافر امرأة لمدة ساعات على الجمل قاصدة امرأة أخرى لتضفر عندها شعرها. إذا كانت المرأة ذات مكانة في مجتمعها تجلب لها أسرتها الضافرات بدل أن تذهب هي إليهن. وتسمح العادات للمرأة أن تقضي ليلة أو يوما كاملا عند عائلة أخرى لتضفر شعرها أو لتضع حنتها أو تسافر بحثا عن ضافرة في منقطة أخرى. ولا تقتصر عملية الضفر على تحويله إلى جدائل فقط، لكن يتم تعليق عليه، أيضا، الكثير من الحجارة الكريمة والجواهر والعقيق.
إن شعر المرأة هو رمز جمال لا غنى عنه؛ فحين يتحدث الناس عن جمال امرأة لا بد أن يأتون على ذِكر شعرها؛ فيقولون "فلانة شعرها يصل إلى قدميها"، أو يمكن أن " تتحزم بشعرها" أو" توطا على شعرها"؛ أي انه طويل ويصل إلى الأرض.
حين يكون شعر المرأة قصيرا أو قليلا فإن ذلك قد يسئ إلى باقي عناصر الجمال الأخرى. ولتعويض نقص الشعر تعمد النساء إلى وضع شعر اصطناعي مضفور اسود مع شعورهن يسمى " أكافا" أو " أباحام" ليعوض النقص في قلة الشعر.
ومن بين الضفائر المعروفة عند المرأة الصحراوية نجد ضفيرة " سانا مانا" التي تستطيع أن ترقص بها البنات في الأعراس. إن هذه الرقصة هي محصورة على البنات غير البالغات فقط، ولا تستطيع المرأة البالغة أن ترقص أمام الرجال بتحريك ضفائرها مثل البنات لإن الشعر هو من المفاتن في الإسلام ولا يجوز كشفه أمام الرجال غير المحارم.       
ومن الضفائر الشائعة أيضا ضفيرة العروس. حين تتم خطبة فتاة بصفة رسمية تقوم أمها أو صديقاتها بضفر شعرها وتعليق على مقدمته فشة وهي حجرة كريمة بلون اصفر. أثناء الزفاف تضفر العروس ضفرة " القران" وتقضي بها الليالي السبعة المخصصة قديما للعرس. إن ضفرة العروس التي تتميز بتعليق خرزة كبيرة صفراء ظاهرة في مقدمة رأس هدفها هو صرف نظر الرجال عن تلك المرأة والتأكيد أنها مخطوبة وستتزوج. في حالة ما تضفر امرأة غير مخطوبة وليست عروسا ضفرة العروس تسمى غايرة( غيورة) أو مجنونة. 
من الضفائر الشائعة أيضا ضفرة لي أو طي الشعر وضفرة ثلاثة، وهي كلها ضفرات لها معنى عند النساء. فحين يغيب زوج مثلا تضفر زوجته ضفرة معينة تعرف بها ولا تفكها إلا بعد أن يعود. أيضا حين تنقطع أخبار رجل عن زوجته تضفر شعرها بطريقة أخرى لها مواصفات خاصة. إن تقدم الزمن إلى الأمام أنسى النساء الصحراويات تسميات الكثير من تلك الضفرات التي كانت جداتهن يضفرنها. فالآن يمكن أن تسمع العجائز يقلن أنهن فتحن أعينهن على أمهاتهن وجداتهن يضفرن ضفرة العروس وضفرة الغايرة وضفرة من تغيَّب زوجها وضفرة الخوف على الغائب، لكن حين تسأل كيف كانت تضفر تلك الضفرات لا تجد جوابا.    

                                                     

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء