المرأة الصحراوية: النساء في مواجهة قسوة الحمادة( دراسة يتبع)




Resultado de imagen de mujer saharauiالحمادة هي منطقة \ صحراء من العدم توجد على حدود الجزائر مع الصحراء الغربية وموريتانيا ومالي، وحين يجتهد أحد ما ليُعرفها لا يستطيع أن يقول أكثر من أنها:" أرض الخلاء". إن أخر من سكن تلك المنطقة من الأحياء كانوا- حسب ما يعتقد الكثيرون- الأسماك حين كانت تلك الصحراء بحرا عظيما ذات يوم. عندما تبخر ماء البحر من تلك المنطقة ترك مكانه بحارا من الرمال والحجارة والجفاف والحر لا تصلح لحياة البشر ولا الشجر ولا حتى للحيوان. فحتى الديناصورات لا يوجد دليل على الصخور يؤكد أنها سكنت ذات يوم تلك المنطقة، أما الحيوانات الأخرى التي جربت العيش في المنطقة المذكورة فلم تطيق البقاء هناك فانقرضت أو هاجرت..
قد يكون الطوارق، أسياد الصحراء الاقحاح الذين قهروا أصعب المناطق، هم الجنس البشري الوحيد الذي حاول ربما العيش في الحمادة لكنه لم يستطيع فذهب إلى صحراء أخرى وتركوا الحمادة لسكانها الحقيقيين: الرياح، الجفاف
 والعطش والعدم.


فعلى بُعد حوالي 40 كلم من اشهر مدينة في الحمادة، التندوف، أقام الصحراويون الفارون من أمام الموت والغزو مخيماتهم التي ستصبح، عشرات السنوات بعد ذلك الوقت، اشهر مخيمات لاجئين في العالم. إن الفرار من أمام الموت لم يترك للصحراويين خيارا أخرا ما عدا الارتماء في مجاهل الحمادة؛ لم يفكروا آنذاك في مكان ملائم للحياة وللبناء والسكن؛ كانوا يبحثون عن مكان آمن حتى لو كان جهنم. العامل الآخر الذي جعلهم يلجئون إلى حضن الحمادة الحار والبارد والقاسي هو انه لا يوجد مكان قريب يمكن إن يلجئوا إليه؛ كانت كل الحدود الأخرى- شمالا وجنوبا- مغلقة بالجنود والموت. كانت النافذة الوحيدة التي فُتحت ليخرج منها اللاجئون إلى مكان آمن هي النافذة الشرقية الصغيرة.
لم تكن الحمادة حتى يتم اللجوء إليها، ومع ذلك كانت لها ميزة لم تكن تتمتع بها أية منطقة أخرى: كانت آمنة، بعيدة عن حقل رماية العدو وطائراته.. الأمن هو أول شيء يفكر فيه الهارب من أمام الموت. فحين تكون الطائرات تقصف والمدفعية ترمى تُختصر الدنيا كلها في شيء واحد هو الأمن؛ يصبح هو الحياة. كانت أيضا لتلك الحمادة ميزة أخرى: كانت هي أقرب مكان للصحراء يمكن أن تنطلق منه معركة تحرير الوطن حين يستعيد الناجون من الموت أنفاسهم ووعيهم. إن اللجوء في مكان آخر بعيد كان قد يجعل الصحراويين يعيشون بعيدا عن أرضهم وعن جيشهم الذي كان يقاتل في عمق الصحراء.
المهم؛ أقام الصحراويون مخيماتهم في فم الحمادة جنبا إلى جنب مع سكانها الحقيقيين: الريح، الحر، البرد والعدم، والآن يمكن أن نقول أن الصحراويين هم ربما كانوا أول بشر في التاريخ يسكن وطن العدم والريح والحر والبرد هذا.. في الحمادة لا يوجد ولو مظهر واحد من مظاهر الحياة: لا وديان خضراء، لا شجر، لا عصافير وحتى العقارب والأفاعي لا توجد فيها. إن الإبل رقم قوتها ومقاومتها لم تستطيع أن تعيش فيها. فالتاريخ يقول أن الكثير من القوافل لقي حتفه في تلك المنطقة. الشيء الوحيد الذي يمكن العثور عليه في تلك المنطقة هو عظام بعض الجمال الميتة التي يبدو أنها مرت من هنا لكن نفقت بفعل العطش والحرارة. في الحمادة يمكن أن تعثر على شجيرات، لكن كانت هي أيضا، للأسف، ميتة ويابسة. فالطلح، أكثر شجر مقاوِم للطبيعة القاسية في الصحراء، يحاول أن ينمو في الحمادة، يقاوم، يغرز جذوره في التربة، لكن حين يصل إلى علو معين، بعد عام أو اثنين، ييبس ويموت. المقابر أيضا لم تكن موجودة في الحمادة. فحتى القبور لا تقاوم طويلا في تلك الأرض؛ تهب الريح الحمراء والبرد فيمحوانها من فوق السطح. في الحمادة يبدو أن الريح والعدم لا يريدان أن يسكن معهما حتى الأموات.
تاريخيا لم يعرف الصحراويون الحمادة، وكل ما يعرفونه عنها هو مجموعة قصص لا تُكذب ولا تُصدق يرويها الشيوخ الذين مروا من تلك المنطقة في قافلة تجارة أو بحثا عن قطيع إبل ضائع. كانت القصة الشائعة بين الصحراويين عن الحمادة هي قصة الريح الحمراء التي تبث الرعب في نفس كل من يراها. هي ريح غبارها أحمر وأصفر وحين تمر تسحق كل ما يأتي في طريقها. وحسب أولئك الشيوخ الذين مروا ذات مرة من تلك المنطقة فإن المخيمات أقيمت في طريق الريح الحمراء. كيف ستقاوم الخيام المصنوعة من القماش والديار المبنية من الطوب الريح الحمراء إذا مرت ذات يوم.؟
الحمادة هي مكان لا يطاق فيه العيش لا في الصيف ولا في الشتاء، وبالمناسبة فهي كمكان لا تعرف إلا هذين الفصلين الذين يحلان كل سنة على تلك المنطقة، ما عدا ذلك لا يوجد أي فصل آخر. في الصيف يحترق كل شيء، فحتى الهواء الذي يتم استنشاقه يتحول إلى ريح حارقة أما ما يدخل منه إلى الرئتين فيدخل ساخنا أيضا. الماء كذالك، مع انه مالح ومر، فإنه يسخن إلى درجة لا يستطيع أن يُلمس بالجلد فما بالك بأن يُشرب. أصعب من كل ذلك هو الشمس التي، حين تشرق، تحرق أي بقعة لا مستها من الجلد. إن تأثير حرارة تلك المنطقة يمكن أن تؤدي إلى توقف المخ أو القلب عن الحركة. وحسب حكايات الناس فإن الشمس تستطيع أن تحرق الهواء في بعض مناطق الحمادة دقيقتين أو ثلاثة وهو وقت كافي لقتل شخص اختناقا.
الحمادة لا تصلح لأي شيء مهما كان بسيطا وتافها. الماء مالح وقليل؛ الزراعة لا تصلح؛ التربة مرة ومالحة وعدوة لكل نبات. فعلى مدى البصر لا يُرى أي منظر أخضر؛ لا تُرى شجرة خضراء ما عدا بعض شجيرات الطلح الميتة. في مكان بهذه الأوصاف سكن الصحراويون أو، بتعبير أدق، هنا سكنت النساء الصحراويات في مخيمات من القماش والطوب.


حين أنجلى غبار معركة المطاردة وصفى الجو من الدخان أخذ الصحراويون ينظرون محيط الحمادة الجغرافي. إنهم في قلب الحمادة والعدم. كان كل ما حولهم يطالبهم أن يكونوا واقعيين؛ لا يوجد خيار آخر ما عدا المقاومة: مقاومة الاحتلال والمقاومة في الحمادة.
أشرقت الشمس حامية، حارقة، حارة؛ هبت الرياح عاتية، مزمجرة، تنفخ في مزاميرها الأبدية. كان البرد قارسا، قاتلا حاملا معه الحمى والرعدة، وكان الحر شديدا.



يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء