لا نتعجل... الموقف الأمريكي غامض


إصرار جون بولتون على وقف دعم بعثة المينورسو في الصحراء الغربية، ومُضيه إلى الأمام في تنفيذ خطة شرط تقييد الأمم المتحدة برزنامة لتنفيذ مهمة البعثة المذكورة، بعث بعض الأمل الحذر والضبابي في نفوس الصحراويين الذين يحلمون بحل عادل لقضيتهم أو يتمنون أن يتم طرد المينورسو حتى يجدون مبررا للعودة إلى الحرب التي حرمتهم المينورسو المحيمة من طرف مجلس الأمن من العودة إليها مرارا.
في واقع الحال إصرار بولتون خلَّق لدى المغرب وحاميته فرنسا الارتباك وإعلان حالة الطوارئ، وتم تشكيل خلية أزمة سرية في الخارجية المغربية لمحاولة إيجاد حل يتم من خلاله كبح جماح بولتون المتعجرف. فالمغرب يرى أنه من المستحيل أن يتم لقاء بين الملك وترامب، وهذا الأخير – ترامب- ينظر إلى ملك المغرب على أساس أنه مجرد كائن بشري مثير للاستغراب فقط ويشبه بات- مان حسب تعبير ترامب. خلية الأزمة التي يتداول المخزن الحديث بشأنها، سريا، تريد التقرب من وزير خارجية الولايات المتحدة بوبميو، خاصة من شركاته لمحاولة خلق معادل وازن وقوي لبولتون يعمل لصالحها في الإدارة الامريكية ذاتها.
المعقول والواقعية تفرض علينا أن لا نتعجل، ونحافظ على رزانتنا وصمودنا ولا نفرط في التفاؤل. فالموقف الأمريكي دائما غامض من قضية الصحراء الغربية، وغير جدي، ولم يتمكن أي أحد إلى الآن من فك لغزه. الثابت في موقف الولايات المتحدة في قضية الصحراء الغربية هو الآتي:
  • الولايات المتحدة تعترف باتفاق مدريد وتقرأه من زاوية أنه يعطي للمغرب الشرعية في إدارة الإقليم فقط إلى غاية إيجاد حل؛
  • الولايات المتحدة، مثلها مثل جميع دول العالم، لاتعترف للمغرب بالسيادة- هذا مهم- على الصحراء الغربية، وموقفها المعلن هو "الحياد" وتساير الأمم المتحدة في بحثها عن حل مهما كان نوعه.
  • الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على إرغام المغرب على قبول الاستفتاء والحل الشرعي، لكن ليس من داخل مجلس الامن حتى لا تصطدم بفيتو فرنسا، بينما، وهذه مفارقة يمكن أن لا يصدقها أحد رغم انها حقيقة، لا تستطيع – الولايات المتحدة- أن تفرض على الصحراويين أي حل لا يقبلونه.
لماذا الحذر إذن ؟
في تقديرنا يجب أن لا نتخلى عن التفاؤل، لكن لا نفرط فيه إلى حد الصدمة. فالتاريخ القريب علمنا أن لا نثق في أي شيء يصدر عن الولايات المتحدة أتجاه قضية الصحراء الغربية. فلا يوجد على الأرض أي جديد يمكن أن نجعله سببا كي نقول أن الولايات المتحدة غيرت استراتيجيتها وموقفها من قضية الصحراء الغربية، ونبدأ نحلم بعيون مفتوحة. لنحاول استعادة مواقف ماضية لازالت طازجة تدخلت فيها الولايات المتحدة في قضية الصحراء الغربية ثم تراجعت في الأخير صادمة بذلك الذين بالغوا ي التفاؤل:
  • في سنة 1997م فرضت الولايات المتحدة بواسطة بيكر، وبمباركة من الرئيس بيل كلينتون، على المغرب أن يجلس إلى طاولة المفاوضات مع البوليساريو مرغما ومكرها حول طاولة واحدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتفاءلنا ساعتها إلى درجة أن المفرطين في التفاؤل منا قالو أن بيكر لن يفشل، وزاد تفاؤلنا أنه فرض على المغرب، أيضا، أن يبدأ تحديد الهوية فتعاظم الأمل أكثر. من منا كان يظن أن بيكر المدعوم من إدارته كان سيفشل؟ في الحقيقة لا أحد منا.
  • في أقل من سنة راينا بيكر – المدعوم من إدارته دائما- يتغير وينقلب 180 درجة ويدبج " الإتفاق الإطار" الذي يعطي السيادة للمغرب، ثم، لاحقا، يأتي بمشروعه الثاني الذي رفضه المغرب. إذن، الولايات المتحدة، حسب ارتباك بيكر، لم تكن متأكدة مما كانت تقوم به في الحقيقة أو كانت تناور.
  • في سنة 2013م، نتذكر أن الولايات المتحدة، تحت رئاسة المعتدل اوباما، قدمت مشروع قرار يقضي بأن تراقب المينورسو قضية حقوق الإنسان، لكن في أقل من يومين سحبته كأن شيئا لم يكن. في الحقيقة قلنا يومها أن الولايات المتحدة لن تتراجع وستنتصر للقانون الدولي، لكن تم خذلاننا.
كل هذه المواقف الامريكية المتذبذبة أو المقصودة تجعلنا نتريث الآن، ولا نبالغ في التفاؤل حيال موقف بولتون وتلوحيه بوقف الدعم عن المينورسو.
المواقف السابقة تجلعنا نقرأ من ورائها أن الولايات المتحدة لاتذهب إلى السطح، ولا تقوم بفعل عمودي يذهب إلى العمق، وتكتفي فقط ببعض المواقف التي تتراجع عنها في النهاية، أو لا تجد ما تريد من ورائها. ماذا يعني هذا؟ في تقديرنا أن الولايات المتحدة تلمح، كل مرة، أنها تستطيع أن تلعب دورا محوريا في قضية الصحراء الغربية حلا عادلا، لكن تطلب مقابلا لا أحد يعرف ما هو أو تضغط على أطراف أخرى قد تكون فرنسا. السؤال المطروح هو: هل أنها تلمح للصحراويين وللجزائر أنها تريد، مقابل حلها لقضية الصحراء الغربية حلا عادلا، (تريد) امتيازات في المنطقة برمتها؟ هل تغازل الجزائر وحدها؟
لا ندري، لكن هناك حقائق متأكدين منها: أولا، الجزائر، بصفتها مؤاز قوي للصحراويين، وفي قمة ازدهارها الحالي واساقرارها لا تحس أنها في حالة ضعف تفرض عليها أن تفتح بلدها للاستثمارات الامريكية وبشروط الشركات الامريكية: 60% للشركات أو أكثر مقابل 40% أو اقل للبلد الذي يحدث فيه الاستثمار؛ ثانيا: لا يوجد عامل آخر ملموس نعرفه يجعلنا نؤمن أن الولايات غيرت استراتيجيتها في المنطقة، أو ان هناك ما يقنعها أن حل قضية الصحراء الغربية حلا عادلا هو في صالحها. الشيء الوحيد الجديد هو احتقار ترامب لملك المغرب ونظرته إليه انه مجرد كائن بشري غريب مثل بات- مان جلس ذات يوم قربه في منصة في باريس.
تصريحات بولتون غامضة وغير حازمة
بعد جولة الطاولة المستديرة، كنا ننتظر أن يظهر بولتون ليعلق عليها، وربما، تمنينا أن يعلق بحزم ويعلن انها فشلت، وان بلاده ستسحب الدعم والغطاء عن المينورسو. كنا ايضا نعلق أمالا عراضا على أن يعلن بولتون موقف بلاده بصراحة وصرامة، لكن تصريحاته جاءت غامضة وغير جدية ولا يُفهم من ورائها ما عدا مزيدا من الغموض. فالرجل يتأسف فقط لعدم إحراز تقدم في عمل البعثة الاممية في الصحراء الغربية، وهو كلام معاد أو كان قد قاله قبل الطاولة المستديرة. هذا الغموض في كلام بولتون يجعلنا نفرمل أمانينا وإفراطنا في التفاؤل، ويجعلنا، من جهة أخرى نكون أكثر واقعية في تعاملنا مع مواقف الولايات المتحدة حيال قضية الصحراء الغربية. فالحقيقة العارية هي أنه لا يوجد على الأرض – إلى حد الآن- ما يجعلنا نحدس أن هذه القوة العظمى ستغير من استراتيجيتها في منطقة شمال غرب إفريقيا.
Blog-sahara.blogspot.com.es


السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء