ملحمة قلتة زمور: الحلقة الخامسة




خلل في المفاجأة/ سام 6 يؤخر المعركة 

حين كان الرجال الشجعان المكلفون بإطلاق المفاجأة/ سام 6 يقومون بصيانته استعدادا لإطلاقه، إذا دعت الضرورة، أكتشف أحدهم عطلا في بعض انابيب الضغط المؤدي إلى الزناد. لكن كان لا بد من إصلاحه مهما كلف ذلك من ثمن. فأولئك الرجال جاءوا من بعيد من أجل مهمة تاريخية ستبقى خالدة في أذهان العالم وأذهان شعبهم وعليهم القيام بها. بما أنهم نجحوا في الوصول إلى المكان دون أن يتم كشفهم، فإنهم كانوا واثقين انهم سينجحون في إصلاح العطل. سيساعدهم الله في تلك المهمة، وستساعدهم تلك المفاجأة التي جاءت من آلاف الكيلومترات لتكتب التاريخ في قلتة زمور، مكان المعجزات. تم إشعار وزير الدفاع براهيم غالي بالعطل فاتصل بالرئيس محمد عبد العزيز، فكان جوابه: يجب أن نصلحه الليلة بأي ثمن. لا يمكن أن نفشل في تحقيق هذه المعجزة. 

انطلقت سيارة بسرعة جنونية تحمل القطعة الصغيرة المكسورة متجهة نحو مركز الناحية الثانية في الخلف ليتم إصلاحها ولحامها. كان الرجال المحيطون بالراجمة يتصرفون ببرودة أعصاب وبثقة. لا أحد منهم فكر ولو دقيقة أن تلك المهمة العظيمة ستفشل. كان الواقع حلولهم محبطا حقية: إذا لم يتم استعمال سام 6 في تلك المعركة سترقص الطائرات المعادية رقصتها العادية فوق أولئك المقاتلين، وقد تلحق بهم الكثير من الأضرار وقد تدمر الراجمة وهي واقفة بصواريخها. هذا غير مقبول ولن يكتبه التاريخ هكذا. علمت قيادة النواحي التي تشكل طوقا حول قلتة زمور تلك الليلة أن المعركة سيتم تأجيلها. كان الجميع ينتظر، وكانت الأعصاب قد بدأت تتوتر والجميع يعد الساعات. لا يمكن أن تفشل تلك الملحمة التي ستكون تاريخية، والتي كان الإعداد لها عظيما. تم اقتراح أن يبدأ الهجوم حتى بدون مشاركة المفاجأة/ سام 6. فأولئك المقاتلون ليس من عادتهم الرجوع والانسحاب، خاصة أنهم حشدوا غالبية كتائبهم الشجاعة العظيمة ومدرعاتهم حول القلتة. القلتة، أيضا، كمكان، لها سمعة في الذاكرة، وهي ليست بالمكان الذي يرجع عنه مقاتلو جيش التحرير أو ينسحبوا قبل أن يحرروه. كان الوقت يمر، وكانت أذهان المقاتلين متخوفة من أن تُحلق طائرة الاستطلاع-الكيشافة-في السماء قبل إصلاح المفاجأة/ سام 6. الخوف الوحيد هو أنه ربما تحلق طائرة معادية فيتم كشف كل ذلك العتاد الذي جاء ليسحق الغزاة المتخندقين في القلتة. كان الخوف في محله، لكن، من جهة أخرى، كان الرجال يطوون صدورهم على ثقة كبيرة في نفوسهم. جاءت القطعة فتم تركيبها. بدأ المقاتلون يعملون في صمت لإصلاح العطب في سام 6 واثقين مما يقومون به. تم إصلاح العطل بثقة ومهارة، وتقرر القيام بالمعركة يوم الثلاثاء 13 اكتوبر. مر يوم الإثنين بهدوء، وكان رجال الاستطلاع يطلون على العدو من جهات مختلفة. على ما يبدو كان العدو المتخندق قد أحس أنه محاصر، لكن لا حيلة له، وفقط هو مطمئن لشيء واحد هو أن سبع طائرات جاهزة في العيون ستكون حاضرة في غضون 50 دقيقة. كانت السيارات تنقل الخبز وصناديق السردين وتوزعها على الجنود المتخندقين. كانوا يتسابقون نحو الصناديق ويتشاجرون. كان ذلك المنظر مسليا بالنسبة للمقاتلين الذين يراقبون المشهد بالمنظار من أعلى الجبال. 

الجيش المغربي المتواجد بقلتة زمور

منذ تحرير القلتة في شهر مارس 1981م والانسحاب منها، عاد إليها الجيش المغربي بقوة وبأعداد هائلة من الجنود. حسب المعلومات التي حصل عليها المقاتلون فإن الفوج الرابع القوي، المدعم بالمدفعية، تمركز فيها منذ نهاية شهر ابريل الماضي، وتم تدعيمه، بعد ذلك، بالفيلق الأول والثاني والثالث للمشاة الآلية والفيلق الثامن عشر وكتيبة من النخبة. هذه المجموعات كان خط دفاعها الأول قد تحصن جيدا حول الجبال المحيطة بالمركز القديم، وحفر خنادقه في أماكن استراتيجية. حول المركز القديم نفسه الذي تركته إسبانيا توجد كتيبة للدفاع عن قرب تتكون من 200 جندي. كان الموقع، كله، تحت قيادة الكولونيل الوالي وعبد الخالق عليقة وتساعدهما نخبة من الضباط والقادة. في حالة الهجوم سيكون قائد الدفاع هو المقدم بلبل عبد القادر، وإلى جانبه يوجد كل من الرائد أملوش قائد الوحدة الثامنة للمدفعية، والرائد الدروقي قائدة وحدات التدخل السريع. في الصف الثاني من القادة يوجد كل من احو بن عيسى قائد وحدة حماية القيادة، والنقيب ابروق قائد وحدات الفيلق الثالث، والنقيب كايمو قائدة وحدة حماية الفيلق الثالث. وصل العدد المتواجد في القلتة إلى حوالي 3600 جندي. تفسير تواجد هذا العدد المعتبر من الجنود في ذلك المركز كان هو الاعتقاد أنهم سيبنون جزءا من الجدار الدفاعي حول قلتة زمور. كان لا بد من القضاء على كل تلك الوحدات في داخل القلتة بعملية واحدة قبل ان تشرع في بناء الجدار. تواجد ذلك العدد الكبير من الجنود والعتاد في قلتة زمور كان خطأ سيدفع الدليمي ثمنه لاحقا. تم حشرهم في مكان استراتيجي للهجوم، وهو ما سيسهل مهمة القضاء عليهم دفعة واحدة: من جهة، الجبال، ومن جهة أخرى سيتم غلق المنافذ بالنيران والصواريخ.  

اعتمدت خطة تلك القوة، بالأساس، على دعم وإسناد الطيران. في مدينة العيون توجد سبع طائرات مقاتلة جاهزة للتدخل إذا تمت مهاجمة القلتة، كما يوجد فيلق قوي يقوده الغجدامي مستعد للنجدة، وإذا تمت جاهزيته في الوقت المناسب يصل إلى القتلة في خلال ساعتين ونصف. ساعتان ونصف هي المدة التي يعتقد الجيش المغربي أنها كافية لنفاذ ذخيرة الجيش الصحراوي الذي يستعمل لاندروفيرات فقط. تعتمد الخطة المغربية المرسومة للدفاع عن القلتة على أنه إذا تمت مهاجمة القوة المتحصنة في المركز، يحاصر الطيران المقاتلين المهاجمين ويمنع عليهم الهروب ثم تأتي النجدة بعد نفاذ ذخيرتهم وتلتف حولهم. 

خلال أكثر من شهرين كانت الفيالق التي تواجدت في قلتة زمور تجهز دفاعاتها بدقة عالية حتى لا تترك ثغرة للخطأ أو منفذا يستغله المقاتلون الصحراويون. كانت مدفعيتها تنسق تقاطع نيرانها وقذائفها بحيث لا تسمح لأحد أن يدخل دائرة مدى رمايتها. هذه الخطة يعتقد العدو أنها سوف لن تسمح لأي سيارة اندروفير أن تصل إلى العمق. كانت كثافة النيران الدفاعية كبيرة، وكان الجنود يتدربون عليها باستمرار. لكن الذي لم يدر في خلد أولئك الجنود والضباط هو أن الآليات المدرعة ستقتحمهم هذه المرة بدل لاندروفيرات. 

حسب الأسرى المغاربة، كانت هناك دعاية قوية موجهة ضد مقاتلي البوليساريو. خلال المحاضرات شبه اليومية، كان الضباط المغاربة يقولون للجنود أن مقاتلي البوليساريو يأكلون البشر، وإذا قبضوا على شخص حي يأكلون لحمه، وانهم من مختلف الجنسيات وأكثريتهم من فيتنام وكوبا ومالي والطوارق. الدعاية وتهييج الجنود المغاربة ضد مقاتلي البوليساريو كانت من أجل جعلهم يصمدون في المعركة وان لا يقعوا في الأسر. الأوامر تقول لهم إما الصمود والموت، وفي حالة استحالة ذلك الفرار. الموت أفضل من الوقوع في الأسر. 

الخطة الصحراوية: فتح ثغرة شلخة اللبن ودخول المدرعات

اعتمدت خطة الهجوم الصحراوي على تنظيف شلخة اللبن من الألغام بواسطة كاسحات الألغام والفرقة الهندسية. يتم فتح " الشلخة" وقت الفجر فتدخل العربات الجديدة، BMP1، المفاجأة الثانية وتنطلق بأقصى سرعة للوصول إلى العمق، وبالضبط إلى المركز الإسباني القديم. تتم تغطية دخول العربات والسيارات والقوات من شلخة اللبن بواسطة صواريخ وقاذفات " أورغ ستالين". تلك الصواريخ هي قاذفات فعالة بسبب دقتها وقدرتها على الرماية من فوق السواتر وكثافة نيران صواريخها، وترافق المقاتلين منذ سنة 1978م. ذلك اليوم لن يستطيع أي شيء وقف تقدم تلك القوة المدرعة المتقدمة بسرعة هائلة والمدعومة بنيران مثل جهنم. حين يتم فتح طريق شلخة اللبن، وتعرف النواحي الأخرى، خاصة الثالثة والرابعة والخامسة، أن القوة المحورية اجتازت الشلخة تبدأ هي التقدم من محاورها. هذه هي الخطة الرئيسية للمعركة بصفة عامة، لكن تبقى التفاصيل من اختصاص كل ناحية. من أهم ميزات المعركة عند المقاتلين الصحراويين هو المبادرة إذا دعت الضرورة، وعدم انتظار الأوامر. بالنسبة لهم انتظار الأوامر بدقة هي صفة تحلت بها الجيوش الكلاسيكية، وهي التي تساهم بقسط كبير في هزيمتها.

تقدمت وحدة الدبابات نحو الثغرة التي سيتم فتحها قبل الفجر. تتقدم تلك الوحدة دبابتان تحملان كاسحتين للألغام. تم دك الجدار الرملي الدفاعي في شلخة اللبن بسهولة ليتم فتح ثغرتين. لم يقاوم الجدار الدفاعي، وكان بسيطا للغاية. حين تم دك الجدار الدفاعي مرت الكاسحتان من الفتحتين لتصفية الطريق من الألغام. من الثغرتين ستمر العربات أولا فاتحة طريقين متوازيين، ثم تليها المدرعات وبعد ذلك ستدخل لاندروفيرات، سيدات الميدان، ويدخل المقاتلون. يتبع

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء