هل يمكن أن تتم تصفية الشعب
الصحراوي إذا عاند.؟ سؤال طُرح بكل تأكيد في القصر الملكي قبل غزو الصحراء
الغربية، وكان جوابه يتأرجح بين نعم ولا. لقد كان عدم الحسم في الإجابة مدعاة
لتجريب عملية التصفية المريعة.
بعض الذين تم اعتقالهم في انتفاضة
مايو 2005م،، قال لهم رجال الأمن:" صدق الحسن الثاني حين قال للدليمي ولدريس
البصري" يجب تصفية هؤلاء الصحراويون."
في الواقع كانت هناك خطة معدة سلفا
أو جريمة لتصفية الشعب الصحراوي عرقيا حتى لا يبقى منه من يُقاوم أو من يحكي على
الأجيال القادمة ما حدث.
فبفعل غزو ثم احتلال المغرب
للصحراء الغربية تم هتك حق شعب هذا الإقليم كله في تقرير المصير، في الحياة، وتحت
غطاء هذه العملية\ الجريمة غير المعقولة إنسانيا ولا قانونيا، تم التعسف في كل
الحقوق الإنسانية المدنية البسيطة الأخرى التي من الممكن أن يتمتع بها إنسان عادي.
ولم يتعرض هذا الشعب فقط للتعسف، إنما، وهذا أخطر على السلم العام في العالم، تعرض
للتصفية العرقية التي من أجل تكريسها على أرض الواقع، تعمد المغرب العبث بالقانون
المدني الدولي الذي يشمل كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. لقد كان على
المغرب، المحتل الغازي، أن يرتكب جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب، جرائم إبادة
وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان حتى يصل إلى مبتغاه: إبادة الشعب الصحراوي
فأول جريمة حرب وجريمة إبادة ضد
الإنسانية ارتكبت في حق الشعب الصحراو[1]ي،
بعد الاحتلال طبعا، كانت الهجوم على المدنيين وتشريدهم ونزع منهم بالقوة والترهيب
أرضهم، منازلهم وثرواتهم. فمنذ الأيام الأولى للغزو تم تشريد حوالي 200 ألف صحراوي
بالقوة من منازلهم، مدنهم، قراهم ومداشرهم. إن إبعاد السكان بالقوة، بهدف التخلص
منهم، هو جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون. إن كل هؤلاء الذين تم طردهم تحولوا، بالقوة
والإكراه والترهيب، إلى لاجئين في مناطق مختلفة من العالم أهمهما الجزائر،
موريتانيا وبلدان الجوار. إن الأمر لم ينتهي فقط عند محاولة الإبادة بالتهجير،
الطرد، الترهيب إنما، وحتى تصبح الجريمة حقيقية، تمت مطاردتهم بالدبابات والطائرات
للقضاء عليهم في الطريق. فالمحتل المغربي أراد أن يرتكب\ ارتكب جريمة إبادة في
صحراء قاحلة، في مكان لا تصله آنذاك صحافة ولا كاميرات ولا أي شاهد يمكن أن يروي
تفاصيل المأساة فيما بعد. فحين خرج الصحراويون من منازلهم، وأصبحوا في صحراء جردا،
عارية مكشوفة لاحقتهم الطائرات وقصفتهم بكل أنواع القنابل المحرمة دوليا مثل
الفسفور والنابالم في ام دريكة، القلتة، التفاريتي والمحبس.
حين تأكد المحتل المغربي إن أولئك
الصحراويون الذي طردهم وشردهم أصبحوا بعيدا جدا عن موقع الأحداث، التفت إلى الذين
بقوا، عاندوا ورفضوا الخروج من المدن المحتلة وبدأ يبدهم. فبين ليلة وضحاها وجد
هؤلاء أنفسهم عرضة للتصفية الجسدية المرعبة بواسطة كل آلات الدمار المعنوي والنفسي
التي أخترعها الإنسان. في البداية كان بعض
الصحراويين، وربما بعض أصدقائهم كذالك، يظن أن الأمر هو مجرد خطأ بسيط قد يتم إصلاحه
خلال أيام وتعود المياه إلى مجاريها، لكن أولئك الذين ظنوا هكذا ظن لم يكونوا
يدركوا أن ذلك كان بداية واحدة من أكبر جرائم التاريخ ضد الإنسانية.
حدث شتات هائل لشعب قليل في أيام
معدودة. البعض ترك عائلته وذويه في داره، وحين عاد لم يجد لهم أثرا فبقى ينتظر حتى
شاب رأسه وتحطم قلبه دون أن ينعم برؤيتهم ولو في الصور. هناك أيضا من سمع صوت أمه
أو أبيه للمرة الأخيرة سنة 1975م، وذهب للمنفى، اللجوء أو للسجن وماتوا دون أن
يتمكن من سماع صوتهم ولو في الهاتف أو يراهم في الصور. في حالات أخرى ترك البعض
أولاده في المدن التي اُحتلت وهم رُضًع، وحين سمحت الأمم المتحدة بتبادل الزيارات
بعد ثلاثين سنة التقى معهم، لكنه لم يكن متأكدا إن كانوا هم أم لا. وجد البعض قد
تزوج وصار له أولاد، والبعض شاب رأسه دون ان يراه أو يتمكن من توجيهه وتعليمه.
كان الغزو المغربي للصحراء
الغربية، الذي تحول فيما بعد إلى احتلال،
بشعا عصيا على الوصف والتصنيف. . فمنذ أيامه الأولى أشاع هذا الاحتلال
مناخا من الإرهاب المدروس في جو المدن الصحراوية، وحَّولها إلى مدن مرتعبة خائفة
لا يستطيع أي أحد أن ينام فيها ساعة هادئة من الزمن دون أن يوقظ للتفتيش أو
التحقيق.
فمنذ اليوم الأول لحدوث فعل الغزو
انتقلت 5% من ما مجموعه 15% ( نسبة المجندين في سلك الأمن المغربي من مجموع
السكان) من الموظفين في قوات حفظ النظام إلى الصحراء الغربية لتقوم بحقن المدن
الصحراوية بداء الإرهاب لتركيع الصحراوين بالعصا والخوف.
إن مناخ الخوف الذي بسطته المملكة
المغربية في الصحراء الغربية لإرهاب ما تبقى فيها من السكان، جعل حقوق الإنسان في
هذا الإقليم تتردى إلى الحضيض. لم يبق أي صحراوي في أي مكان من الصحراء دون أن أن
يطاله إرهاب العصا المغربية غير الإنساني. بالمقابل احتقنت نفوس الصحراويين بالغضب
والمرارة. أول مرة في تاريخهم الطويل يرون غزوا بشعا بهده الدرجة. عرفوا الأسبان
والفرنسيين، لكن لا يتذكر أي من شيوخهم أن جرائم بهذا الشكل والحجم قد اُرتكبت من
قبل. إن الإمعان في الإرهاب وارتكاب جرائم
ضد البشرية جعل الصحراويين يتمسكون أكثر بحق تقرير المصير والاستقلال، ويعتبرونه
حقا مقدسا لا يمكن التراجع عنه، ويدافعون عنه بكل ما يملكون.
فمع نهاية 1975م وبداية 1976م كانت
الصحراء الغربية كلها تحت الحصار بكل صنوفه. في الرباط، حين أحست المملكة المغربية أن الصحراويين
يعاندونها ويُقاومونها، تشكلت لجنة أمنية موسعة في نهاية نوفمبر 1975م أسندت لها
مهمة قذرة هي غربلة الصحراويين في الإقليم وكذا المتواجدين منهم في جنوب المغرب،
والتنكيل بكل الذين تشم فيهم رائحة الرفض للاحتلال أو لهم علاقة بالبوليساريو.
في يناير 1976م كانت بين أيدي قوات
الأمن المغربية قوائم بآلاف الأشخاص الذين يجب أن يقضى عليهم أو تغسل أدمغتهم أو
يسجنون حتى ينسون مطلب الاستقلال أو يبقون في السجن حتى يموتون. اللوائح شملت
الذين يشك المغاربة في تعاطفهم مع تقرير المصير أو لهم علاقة انتماء للبوليساريو
أو لهم أقارب في قيادتها، أو لهم عائلات نزحت إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين،
وحتى الذين لهم أسماء تشبه أسماء عائلات قياديي الجبهة سطر تحت أسمائهم بالأحمر.
في الميدان، حُوصرت الصحراء
الغربية جغرافياً بكاملها، من أقصى نقطة تسيطر عليها القوات المغربية والموريتانية
في الجنوب إلى أقصى نقطة يتواجد فيها صحراوي في العمق المغربي. بدأت القوات
المكلفة بتنفيذ خطة الحصار بتمشيط المنطقة حجرا، حجرا، بيتا بيتا وتزحف في كل
الاتجاهات. استعملت القوات كل أساليب الإبادة المرعبة. كانت فرقة الطائرات
العمودية التي يقودها الكولونيل بن عثمان تلقي الناس أحياء في البحر، وفي المناطق
البعيدة غير المأهولة بالسكان. تكلفت فرقة أخرى مكونة من الدبابات والسيارات بدهس
كل الذين حاولوا رفض الأوامر بإخلاء بعض المناطق التي أُعلنت مناطق عسكرية. إن
حدوث عمل كهذا بشع جدا، لكن العملية الأكثر بشاعة من ذلك هي عمليات الدفن الجماعية
للناس وهم أحياء خاصة في الليل. كانت فرقة المدرعات والقوات العسكرية تحت قيادة الجنرال
المدعو العمراني هي المكلفة بدفن الذين رفضوا إلقاء السلاح أو رفضوا إخلاء بعض
المناطق. وحسب شهود عيان لعملية من هذه
العمليات، فإن 50 صحراويا يكونون قد دفنوا أحياء في رمال " الزبارة" قرب
جديرية، وأن عمليات أخرى حدثت قرب لمسيد، أما مجموعات أخرى فإنها حُملت في طائرات
عسكرية وجُهل مصيرها...
أما ما كان الصحراويون يملكون من مواشي، عماد
اقتصادهم، فقد أبيدت بالرشاشات وتغذى عليها الجيش، وما نجا منها فقد هام في
الصحراء ليموت عطشا وجوعا بعد ردم الآبار ومصادر المياه أو تسميمها.
في المدن والتجمعات السكنية كانت
القوات المغربية العسكرية والمدنية في انتظار الهاربين لتغربلهم وتعتقل المطلوبين
منهم على الهوية. فكل الذين حاولوا الفرار، متخفين أو في الليل، كانت القوات تقيم
لهم كمائن وتلقي عليهم القبض. ففي أيام قليلة أصبحت مدن الصحراء الغربية والأحياء
الصحراوية في الجنوب المغربي تحت قانون الطوارئ للقبض على من تبقى من المطلوبين أو
المشتبه فيهم.
حين تمت تصفية الصحراء من كل من له
علاقة بالبوليساريو أو متعاطف مع تقرير المصير، قامت مجموعات كوماندوس أخرى مدربة،
معدة خصيصا لمهمة الخطف باقتحام بعض الجيوب الجامعية التي يتواجد فيها صحراويون في
العمق المغربي. تم اختطاف الكثير من الشبان جماعات وأفراد من فوق مقاعد الدراسة
عنوة ليذهبون في حالة رعب إلى مصير مجهول لا أحد من ذويهم يعرف عنه أي شيء. وحتى
ذويهم تم إرهابهم حين تسألوا عن مصيرهم، وفرض عليهم بالقوة ان ينكروا أي علاقة لهم
بهم وإلا سيلحقون بهم. وقع الجميع تحت
التهديد والصدمة، وأصبحت العائلات التي أُختطف أفراد منها في عين الاتهام، لا أحد
يستطيع أن يسألها أو يتعامل معها كأنما هي مصابة بالجذام.
كانت الحملة ضد الصحراويين شنيعة
وغير أخلاقية ومخالفة لأبسط الحقوق والقوانين، وخلفت وراءها جرائم ضد الإنسانية لا
يمكن نسيانها أو السكوت عليها. فالذين اُختطِفوا من الصحراويين تمت عمليات
اختطافهم بطرق غير قانونية ولا حتى إنسانية. كان الاختطاف يتم عادة في الليل، في
وقت تكون فيه الحركة معدومة، أو تتم في الخلاء حين لا يكون هناك من يشهد على ما
حدث، أو في أحيان أخرى، تقوم مجموعات بلباس مدني بتعقب المطلوب ثم تنقض عليه حين
يكون وحده وتلقيه في السيارة. وبالإضافة إلى طريقة الاختطاف غير الإنسانية، يتم
وضع المخطوف في سيارة، ثم توضع أشرطة لاصقة على عينيه وفمه وتنهال عليه المجموعة،
دون كلام معه، بالهراوات والعصي. وليس هذا فقط، إنما لا يتم إخبار الشخص المختطف
لماذا أُختطف، وإلى أين هو ذاهب حتى يجد نفسه في المعتقل السري.
شاع الرعب الحزين بين صفوف
الصحراويين. كل العائلات كانت تسال عن أبنائها، أقاربها، لكن لم يكن هناك من لديه
إجابة. الكل كان خائفا ومرتعبا، والمشكلة إن البعض منهم ذهب إلى مقار الشرطة
والجيش يسال عن أبنائه أو يحرر ملفا بغياب واختفاء شخص فيتم اعتقاله هو الآخر. في
الكثير من الحالات كان رجال الشرطة والبوليس المغاربة يقولون لمن يسألون عن ذويهم
المختفيين:" انتظروا هنا ستلتقون بهم بعد قليل." كان مصير الذين ينتظرون
ذويهم في مراكز الشرطة هو اختطافهم، هم أيضا، بنفس الطريقة، وإلحاقهم بالمعتقلين
في المعتقلات فيبقون معهم حتى النهاية. لم يعد أحد يستطيع أن يسأل عن مختطف أو
يقترب من مخافر ومراكز الشرطة. تأكد الناس أن كل الذين اختفوا والذين لم يعودوا تم
اختطافهم من طرف الغزاة.
تجريم وتحريم الإبادة والتصفية في القانون
الدولي
- حسب القانون الدولي والأمم المتحدة تعتبر
إبادة جماعية كل من الأفعال التالية:
- قتل أفراد الجماعة
- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة
- إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية بقصد إهلاكها
الفعلي كليا أو جزئيا
فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.(1)
- دائما حسب القانون الدولي والأمم المتحدة
تعتبر جريمة ضد الإنسانية كل من الأفعال التالية:
- الأفعال غير الإنسانية الأخرى التي تتسبب
عمدا في معاناة شديدة أو أي أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو
البدنية.
- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من
السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة
بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً ان القانون الدولي لا يجيزها.
- أيضا تعتبر جريمة حرب- ودائما حسب القانون
الدولي- كل من الجرائم التالية:
- التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية بما في ذلك
إجراء تجارب بيولوجية.
- إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات
والاستيلاء عليها دون أن تكون ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وبالمخالفة للقانون وبطريقة
عابثة.
- الإبعاد أو النقل غير المشروع أو الحبس غير
المشروع
- حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة
قانونية وحيادية حسبما تفرضه الاتفاقيات الدولية.
- إقصاء الأشخاص ونقله[2]م من أماكن تواجدهم بصورة غير مشروعة.
- الاعتقال غير المشروع.(2)
- إقصاء الأشخاص ونقله[2]م من أماكن تواجدهم بصورة غير مشروعة.
- الاعتقال غير المشروع.(2)
فكما
رأينا كل هذه الجرائم، دون استثناء، وقعت على الشعب الصحراوي منذ أن تم غزو أرضه
سنة 1975م، بهدف تصفيته وإبادته. فمنذ أول من الغزو كانت النية المغربية المبيتة
هي القضاء على الشعب الصحراوي وتصفيته عرقيا بكل الوسائل. إن الاختطاف، الاحتجاز،
رمي الناس من الطائرات، السجن بدون جريمة، الاختطاف على الهوية، الطرد إلى الخارج
كلها جرائم ارتكبت ضد الصحراويين. إن
القانون الدولي يحرم ويمنع الإبادة الجماعية، ويلاحق كل من يتسبب فيها أو يقوم
بها. وقد لا تكون الإبادة الجماعية هي فقط القتل المادي والحرق والتدمير، لكن هناك
الكثير من أنواع الإبادة الجماعية مثل التهجير، التشريد، تفريق الشمل. ففي الحالة
الصحراوية تم اللجوء إلى كل هذه الأساليب البشعة، الخطيرة والتي لا تتناسب مع حياة
الكائن الآدمي. إن كل هذه الأفعال
المرتكبة في حق الشعب الصحراوي تجعل مواد القانون الدولي، خاصة الجزائي منه، تنطبق
على المغرب وتجعله مجرما تاريخيا.
إن المغرب من الآن مطالب ليس فقط بدفع التعويضات،
إنما بالاعتراف أنه ارتكب جرائم محرمة دوليا.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء