هل يمكن أن تغير الولايات المتحدة استراتيجيتها في الصحراء الغربية؟


كانت الولايات المحدة حاسمة في أحتلال الصحراء الغربية من طرف المغرب بتأييدها له، ودفعها له لفعل ذلك، وتوفير غطاء له في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. في الحقيقة يعرف الجميع الآن أن الولايات المتحدة هي التي هندست كل القرارات الباردة والسلبية في الأمم المتحدة في سنة 1975م، وهي التي هندست اتفاقية مدريد، وقوضت جهود مجلس الأمن  ومنعته من أتخاذ قرارات فعالة عمودية تكبح الاحتلال.. لقد بنت الولايات المتحدة استراتيجيتها في الصحراء الغربية على مراحل كان فيها الحظ يلعب دائما ورقته الرابحة إلى جانب المغرب:
المرحلة الأولى: كان المغرب بالنسبة لها، في نهاية السبعينات، قطعة دومينو مهمة في صراعها مع الأتحاد السوفياتي، وظنت أن استقلال الصحراء الغربية سيجعلها دولة "تابعة" للجزائر " الاشتراكية" التي تتبع بدورها للاتحاد السوفياتي.
-         بناء على دراسات وحسابات ميدانية قامت بها الولايات المتحدة سنة 1974م توصلت إلى نتيجة وهي أن الصحراويين بسبب قلتهم العدية وتخلفهم التقني لن يستطيعوا "تسيير" دولة.
-         المرحلة الثانية: بعد سقوط الأتحاد السوفياتي وفقدان المغرب لموقعه كقطعة دومينو هامة في وجه التوسع الشيوعي برزت إلى السطح ظاهرة التطرف الإسلامي، وبدأت الموجة تصعد فبدأ المغرب يبتز الولايات المتحدة ببيع نفسه لها أنه هو الذي يستطيع أن يمنع التطرف الإسلامي من أجتياز مضيق جبل طارق إلى العالم الغربي، وتوعد أنه لن يمر طارق بن زياد أخر أوروبا.
-         المرحلة الثالثة: بعد أنحصار موجة التطرف الإسلامي بدا أن المغرب سيفقد موقعه في خارطة الدومينو الأمريكية  شئيا فشيئا، لكن من حسن حظه ظهر خطر آخر هو تهديد الإرهاب.. من جديد شمر المغرب عن سواعده وعن ساقيه وبدأ يغازل الولايات المتحدة بإظهار نفسه أنه هو الوحيد الضامن لمنع الإرهاب من التصدير إلى الخارج..               
الآن لم تعد الشيوعية ولا التطرف الإسلامي ولا الإرهاب يشكل خطرا، وتم حصره أو القضاء عليه، ومن الممكن أن يجد المغرب نفسه في وضعية حارس متقاعد بلا سلاح وبلا دور، وفي هذه الحالة يمكن أن تتخلى الولايات المتحدة عنه.
منذ احتلال الصحراء الغربية إلى الآن بقيت الولايات المتحدة تحتفظ استراتيجيا بالمغرب كحارس، وبقى هو يحتفظ بها كقوة تقف إلى جانبه في أحتلاله للصحراء الغربية. من جهة أخرى بقيت الولايات المتحدة تنظر إلى الصحراويين من تحت نظاراتها وتتصور أنهم لا زالوا في وضع لا يسمح لهم بتكوين دولة بسبب تخلفهم التقني وقلتهم العددية..
ورغم هذا الدعم للمغرب من وراء الستائر لم تعترف الولايات المتحدة له باالسيادة على الصحراء الغربية، لكن أعترفت له "بشرعية" إدارته لها حتى يتم حسم أمرها..
لكن هذه الاستراتيجية الأمريكية مضى عليها 40 عاما وهو وقت كافي في أن تعطي نتائجها أو يتم اللجوء إلى استراتيجية أخرى. يبدو أن هذه الاستراتيجية فشلت لسببين:
الأول: المغرب لم يحسم موضوع السيادة لحسابه ولم يستطيع ابتلاع الصحراويين، وبالتالي هناك خطأ تقديري كبير في الاستراتيجية.
الثاني: الصحراويون الذين ظنت الولايات المتحدة أنهم غير قادرين على بناء دولة في سنة 1975م برهنوا على ذلك الآن ولازالوا صامدين، وكتحصيل حاصل الآن يمكن أن يتم الاعتماد عليهم لتسيير دولة في الصحراء الغربية..
بناء على كل ذلك لا بد للولايات المتحدة أن تأخذ هذا في عين الأعتبار في سياستها القادمة، وتحاول أن تحل القضية بالاعتماد على القانون الدولي الذي يوفر لها غطاءا وثيرا لتتحرك دون أن يتم انتقادها..
فمثلما فعلت في كوبا، حين غيَّرت استراتيجيتها 180 درجة، ورفعت الحصار عن الشعب الكوبي وأعترفت أن حصارها فشل، يمكن أن تفعل نفس الشيء في الصحراء الغربية.. إن الولايات لمتحدة التي ظلت قطعة مهمة في قضية الصحراء الغربية ستصبح الآن أكثر أهمية من قبل، فهي الوحيدة، في غياب الكفاح المسلح، التي تستطيع أن تفرض على المغرب أن يقبل تنظيم الاستفتاء، والخروج من الصحراء..
فالمتابعون للشان الصحراوي يظنون الآن أن الولايات المتحدة يمكن أن تغير استراتيجيتها 180 درجة في الصحراء الغربية مثلما فعلت في كوبا، وعليه يجب توجيه جهد معتبر إلى داخل الولايات المتحدة كي يمكن إقناعها بتغيير استراتيجيتها في الصحراء الغربية، وإقناعها أكثر أن الصحراويين قادرين على بناء وتسيير دولة في الصحراء الغربية وأنهم يستطيعون تأمين حدودهم.. صحيح أن الولايات المتحدة النفعية البرغماتية ستطلب المقابل، لكن هذا مفروض منه ويجب التعامل معه على أساس أنه عين البرغماتية.      
  


   

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء