المرأة الصحراوية: الرحيل( ذهاب المرأة لتعيش مع أهل زوجها)(دراسة يتبع)


Resultado de imagen de mujer saharauiكانت العادة الصحراوية تقتضي أن تذهب الزوجة مع زوجها لتسكن معه في مكان ما أو- في الغالب- لتسكن معه إلى جوار أهله. إن الفترة المحددة نظريا من طرف المجتمع كي يتم ذهاب الزوجة مع زوجها هي مدة عام أو بعد إنجاب أول مولود للزوجين.

وإذا كان المجتمع يشترط - نظريا- مدة عام أو يربط الرحيل بازدياد أول مولود فإن هناك بعض الاستثناءات. فمثلا حين يكون والدا الزوج ضعافا وبدون أبناء فإنه في هذه الحالة يمكن إن تذهب الزوجة قبل عام أو قبل إن تنجب مولودا. إن هذا الاستثناء مرفق دائما بشرط: على أسرة الزوج أن تبعث وفدا إلى عائلة الزوجة ليشرح لها الظروف التي يجب أن يُعجل من أجلها الرحيل.
في حالة ثانية؛ حين يكون والدا الزوجة وحدهما بدون أبناء يساعدانهما أو في حالة ضعف واضحة تستطيع المرأة أن تبقى معهما ولا ترحل. في مثل هذه الحالة أيضا على والِدَيْ الزوجة أن يبعثا وفدا إلى عائلة الزوج ليشرح لهما الظروف التي قد تؤجل الرحيل أو تلغيه. في الغالب لا يتم رد أي وفد من هذا القبيل، ويعتبر ذلك نوعا من التكافل الاجتماعي الذي يفتخر به المجتمع الصحراوي قديما.
أثناء مكوث المرأة مع أهلها، تستغل الأم المدة المذكورة (  عام) من اجل القيام بشيئين: الأول؛ تعليم البنت أكثر كيف تعتمد على نفسها وكيف تُظهر أنها تربت تربية لا عيب فيها. أما الشيء الثاني الذي تقوم به الأم خلال المدة المذكورة فهو تحضير ما ستستحقه البنت من مستلزمات: ملابس، إبل، غنم أثاث خيمة كامل.
وفي العادة كان الصحراويون لا يبعثون بناتهم إلى أنسابهن خاليات الوفاض؛ يبعثون معهن رؤوسا من الإبل والغنم لتتكاثر فيما بعد وتكون ثروة. إن رحيل الزوجة مع  زوجها مرفقة ببعض الثروة والأثاث يعني إن أهلها يريدون المحافظة على كرامتها عند أنسابها. ففي تفكير المجتمع أن المرأة الفقيرة قد يهينها زوجها ويحولها إلى خادمة، خاصة إذا كان هو غنيا. أما في الحالة التي تكون فيها الزوجة مكتفية بما عندها وتعيش من مالها فإنها تستطيع أن تقف ندا لند للزوج ولا تتركه يحتقرها.

في اليوم المحدد لرحيل الزوجة إلى أصهارها تقوم أمها بتجميلها وإلباسها أحسن وأجمل لباس وأغلى نوع من الحلي. وإذا كانت الأم تختار أحسن ما عندها من أثاث لتعطيه لابنتها فإن الأب، من جهته، يعطيها أحسن جمل من إبله.
من جهة الزوجة، يعتبر يوم الرحيل يوما حزينا جدا، فلا تكف عن البكاء والحزن والعويل؛ ترفض التجميل والضفير وترفض حتى ركب الجمل الذي سيحملها. وحين ترفض المرأة المرحلة ركوب الجمل، تلجأ أسرتها في كثير من الأحيان إلى استعمال القوة ضدها؛ يحملونها دون إرادتها ويضعونها في هودجها فوق الجمل. وحتى لا تحس الزوجة بقلق ما تبعث معها أسرتها سيدة أو اثنتين من أقاربها لمرافقتها في رحلتها حتى تصل إلى أنسابها. إن بعث سيدة مع الزوجة المُرحلة هو الاطمئنان عليها ومراقبة كيف سيتم استقبالها من طرف انسباها ومن جهة أخرى حتى تخفف عنها الغربة.       
إن حزن المرأة راجع إلى أنها ستغادر أهلها الذي قضت معهم الوقت كله لتعيش مع قوم لا تعرفهم، ومن جهة أخرى لا تريد أن تُظهر أمام الناس أنها فرحة لذهابها مع زوجها. 
ولا تحمل الزوجة المُرحَّلة معها فقط أثاثها، إنما ترسل معها أمها أيضا ما يسمى " الفسخة" ( هدية للنسيبة من أثاث العرس) وهي عبارة عن ملابس وجواهر وقطائف وذبائح. وفي أعراف المجتمع فإن الفسخة هي هدية لربط العلاقات بين أم الزوجة وأم الزوج. حين تعود الزوجة في يوم من الأيام إلى أهلها فإن نسيبتها ترسل معها هي الأخرى هدية، وهكذا تدوم العلاقة بين العائلتين.   
لكن إذا كان يوم الرحيل هو يوم حزين في حياة المرأة المُرحَّلة وحياة أهلها فإنه يوم فرح عند الزوج وأهله. فحين تظهر القافلة التي تحمل الزوجة إلى محصر ( مخيم) أهل الزوج، يخرج الجميع بالطبول والزغاريد والبخور والمسك لاستقبالها. إن استقبال مبهج كهذا هدفه بعث الارتياح في نفس الزوجة وطمـأنتها وإظهار لها أن أنسابها سيعوضون لها كل ما سببه لها فراق أهلها. فبمجرد إن تدخل المرأة إلى الخيمة المخصصة لها يتم نحر جمل أمام أعينها وسط الزغاريد والغناء.
حين تدخل الوافدة الجديدة تقوم نسيبتها بإلباسها ملحفة جديدة وتعلق الحلي والجواهر في رقبتها وجيدها. نفس الشيء تقوم به الزوجة: تُخرج الهدية التي تحمل معها من عند أمها وتسلمها لنسيبتها وحمواتها. ولا تتلقى الزوجة الهدايا من طرف أسرة زوجها فقط إنما تقوم نساء المحصر ( المخيم) الأخريات بإهدائها ملابس جديدة وحلي وجواهر.
في المدة التي يتم فيها تحضير خيمة العائلة الجديدة، والتي قد تدوم عدة أيام، لا تقوم الزوجة بأي عمل، وتقضي المدة كلها تتنقل بين خيام الأهل والجيران من وليمة إلى وليمة. في اليوم الذي يتم فيه بناء خيمتها، تولم الزوجة الجديدة للجارات والقريبات وكل أولئك النساء اللاتي استدعينها. وتحرص الزوجة الجديدة على أن تتقن وليمتها الأولى وتُظهر من خلالها أنها فعلا امرأة متعلمة ومتربية وتعرف تطبخ وتحسن استقبال الضيوف. (يتبع)



يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء