المرأة الصحراوية: ( دراسة يتبع)


تسيير المؤسسات
1) التنظيم
بعد بناء وتأسيس المؤسسات من طرف النساء بقيتْ مهمة تسييرها وجعلها تقوم بدورها الذي بُنيت من أجله: خلق حياة أفضل للاجئين. مرة أخرى وجدت النساء أنفسهن مضطرات لتسيير تلك المؤسسات.
إن إقامة مخيمات لمجموعة لاجئة في مكان ما يتطلب دراسة وموافقة من أخصائيين في علم البيئة، لكن رغم ذلك لا بد أن يحدث ما يحدث لا محالة عادة في التجمعات السكنية من فوضى، عدم تنظيم، أوساخ، تلوث المياه والأمراض. بالنسبة للحمادة، لو تمت استشارة الأخصائيين كانوا سيرفضونها لكونها ليست صالحة أن تكون مكان لجوء للبشر، وإذا اُخْتيرت ستكون مجزرة بشرية في غضون وقت قصير بسبب توفر كل مسببات الأمراض: الماء مالح، الرياح الحاملة للأمراض و الجو غير المناسب. وحتى لا يحصل للمخيمات الصحراوية ما يحصل عادة مع مخيمات اللاجئين كان أول ما قامت النساء هو تنظيم تلك المخيمات بطريقة يمكن التحكم فيها والسيطرة على نظافتها وتسييرها.

ورغم أن مخيمات اللاجئين بُنيت في مكان صعب إلا أنه كان لا مفر من تنظيمها.. فمثلا، كانت كل المخيمات الموجودة في الحمادة والتي عددها حوالي 25 مخيما تتحرك بصفارة واحدة، في ساعة وحدة. فلاجتماع الأسبوعي يحدث في نفس الساعة في كل المخيمات، وعمل اللجان يحدث أيضا في نفس الساعة في كل المخيمات، والاجتماع في الدائرة، وباختصار كانت كل المخيمات تتحرك على نفس الإيقاع، في نفس الوقت دون تأخير. فحين يكون هناك اجتماع مبرمج تصاب الحياة في كل المخيمات في الحمادة بالشلل ويصبح من شبه المستحيل رؤية شخصا واحدا يتجول.
بعد تنظيم المخيمات والسيطرة على تسيرها بالكامل، وبطريقة عملية، بدأت عملية توعية النساء بصعوبات واقع اللجوء الجديد.. كنَّ مضطرات أن يتأقلمن مع الواقع الجديد؛ فهن قادمات من أماكن مختلفة من الصحراء، ومن البادية بشكل خاص، ولم يسمعن مسبقا بالتنظيم والعمل الجماعي ولا بالسياسة وأغلبهن - إن لم يكن كلهن- جاهلات وأميات بالمطلق. إن الذي حفز النساء على الانسياق في هذا البرنامج هو إحساسهن أنهن أمام تحديات كبيرة وأمام واقع جديد ستكون المرأة فيه هي القائدة والمسيرة؛ واقع يُعتبر بداية نهاية للدور التقليدي الذي مارسته المرأة في الصحرء الغربية وللصورة التي كان يرسمها لها الرجال: ربة بيت، ضلعة عوجاء، ولية. ففي وقت قصير وجدت المرأة الصحراوية نفسها أمام واقع ملئ بالتطلعات والأحلام العريضة؛ واقع يجعلها تقف أمام مرآة كبيرة لتنظر إلى صورتها الحديثة. كان حقا واقعا مغريا ملئا بالأفكار والتطلعات العظيمة: المستقبل، دور المرأة، التسيير، التنظيم، التكاثر. وليس هذا فقط، بل بدأت المرأة، ولأول مرة في التاريخ، تسمع مفردات جديدة لا عهد لها بها: مناضلة، مربية، معلمة، مسئولة، طبيبة إلخ.. لقد أحدث واقع اللجوء انقلابا كليا في حياة المرأة الصحراوية؛ بتعبير آخر حررها من البقاء أسيرة محنطة في لعب دورها التقليدي في الأسرة؛ جعلها تحلم وتتصور أن بإمكانها خلق المعجزات في تلك الحمادة الخالية.. وللوصول إلى هذا الهدف كان لا بد من خلق جو من التوعية العامة تتركز على تعليم النساء وإلقاء دروس ومحاضرات وقراءة مناشير عليهن يوميا من طرف المسئول السياسي للمخيم تتمحور حول نبذ الواقع السابق الذي كان يعيشه الشعب الصحراوي والذي يسمه التخلف وعدم الوحدة. ففي منشور صادر سنة 1977م منشور في مجلة 20 مايو نجد العبارات:" إن الذي جعلنا شعبا متخلفا مستعمَرا مطارَدا من طرف الغزاة هو عدم تنظيمنا وإهمالنا للمرأة. فعلى مدى عقود كانت المرأة منسية وبلا دور تلعبه في الحياة العامة."
بهذه الطريقة بدأت المرأة الصحراوية عصر القطيعة مع الماضي المتخلف، ماضي الجهل والتشتت وإنكار دور المرأة وقتل مواهبها وجعل مؤهلاتها رهينة للدور التقليدي البسيط الذي فرضه المجتمع والذي لا يتعدى عتبة الدار والخيمة. انتهى زمن المرأة البيظانية التي كانت تقضي معظم الوقت تتجمل وتشرب الشاي و"تتبلح" أو تتحدث النهار كله. بدأ عصر نسيان الماضي وإقباره ودفنه في الرمال.
كان النظام الجديد الذي فرضته ظروف اللجوء يقتضي الانضباط التام: الالتزام في العمل، الحضور شبه المفروض للاجتماعات، واحترام قوانين السلطات أو ما كان يُعرف باحترام "التنظيم" وقوانينه وكل ما يصدر عنه. كان كل شيء تقريبا موحدا حتى اللباس. فمثلا كانت كل لجنة أو خلية تلبس ملحفة بلون موحد في كل المخيمات وعلى النساء أن يحضر إلى العمل والاجتماعات بلباس التنظيم.

في المخيمات أصبحت النساء يحملن أسم مناضلات من أجل القضية، عضوات في الخلايا، في اللجان، في المنظمات الجماهيرية . كان العمل في الخلايا هو أساسا سياسي تعليمي تحريضي ويتم أسبوعيا، وكانت النساء تطلقن عليه اسم "الدراسة"، أي دراسة منشور ما أو الاستماع إلى محاضرة. كان حضور اجتماع الخلايا إجباريا تقريبا. في اجتماع الخلية يتم إشعار وإخبار النساء عن طريق مسئولاتهن ( العريفات) بكل جديد وطارئ على الساحة الوطنية وقراءة مناشير سياسية أو عامة تتناول موضوعات مختلفة. وفي حين كان عمل الخلايا سياسيا وتعليما، كان عمل اللجان الشعبية إنتاجيا.
وللتحكم في الحياة في اللجوء تم تنظيم المخيمات في ولايات، دوائر و أحياء. تم نصب المخيمات بشكل هندسي دقيق على شكل دوائر وصفوف متقاربة متوازية بحيث تكون المسافة بين الصف والصف وبين الخيمة والخيمة متساوية في كل الاتجاهات. ومن أجل محاربة الأمراض التي تفتك عادة بالتجمعات السكانية في الملاجئ ولضمان نظافة دائمة تم أتباع نظام صارم مبني على شقين: شق تحريضي يحذر السكان باستمرار من خطر الأوبئة والأوساخ، وشق عملي يلزم كل امرأة أن تنظف كل يوم مسكنها ومحيطها. كل هذا كان يحصل تحت مراقبة دائمة من طرف مسئولات محليات مكلفات بالمخيم. وللسيطرة على نظافة وتنظيم المخيم يتم تنظيم حملات نظافة جماعية كل يوم تقوم بها المواطنات في داخل وخارج المخيم.
كان كل مخيم ( دائرة) يتوفر في البداية على مدرسة، مستوصف، إدارة لكن مع مرور الوقت وتكاثر السكان تم تضاعف عدد المدارس والمرافق العامة.
كانت نساء كل المخيمات موزعة على لجان شعبية إنتاجية هي كالآتي:

1) لجنة الصحة:
كانت مهمة لجنة الصحة هي حماية المخيمات من كل عامل يمكن أن يؤثر على الصحة العامة للسكان. إن المحافظة على الصحة كان هَم النساء الأول، بحكم أن المكان ( لحمادة) كان بؤرة حقيقية لكل أنواع الأمراض المعدية وتواجد المخيمات في مكان واحد من الممكن أن يسهل العدوى وينقلها بسرعة.
وحتى تتم المحافظة على الصحة في المخيمات كان أعضاء اللجنة المذكورة يقومون بتفقد ومراقبة لأحياء الدوائر لمعاينة هل هناك نفايات وأوساخ مرمية في الشوارع، يتفقدن أيضا المياه في الصهاريج وهل هي نظيفة أم لا، يسألون العائلات هل لديها مرضى أم هناك من يستحق أن يُنقل إلى المستشفى. في حالة ما يجد عناصر لجنة الصحة مكان ما غير نظيف قرب إحدى الخيام لهن كل الصلاحيات للحديث مع سكان المكان ونصحهم بتنظيفه وحمايته أو حتى معاقبة المتسبب في ذلك .
2- لجنة الهلال الأحمر :
يتركز عمل هذه اللجنة على توزيع كل ما تقدمه المنظمات الدولية كمساعدات للاجئين. بالإضافة إلى توزيع المواد تتكفل اللجنة المذكورة بتوعية الناس بكيفية التعامل مع المواد الجديدة التي لا يعرفونها وكيف تطبخ وأهمية استهلاكها في الموعد المحدد لها قبل نهاية صلاحيتها.
3- لجنة القضاء:
هي لجنة مكلفة بالشئون الاجتماعية فهي التي تشرف على تنظيم حفلات الزفاف وهي التي تحرض الناس على التكاثر وهي التي تتدخل لتقنع الأزواج المتخالفين بالعدول عن قرارات الطلاق.
4- لجنة الإنتاج والصناعة
تقوم هذه اللجنة بتشجيع الإنتاج المحلي وتشارك فيه.


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء