معيار تقرير المصير في الذهنية الفرنسية: حالتا الصحراء الغربية وكاليدونيا الجديدة


في قضية الصحراء الغربية، ومنذ سنة 1975م، لعبت فرنسا دور الدولة الاستعمارية المجتهدة التي تمنع الصحراويين من تقرير مصيرهم، ولولا فيتوها في مجلس الأمن، والذي لا تستحقه في الحقيقة، كانت الصحراء الغربية قد تمتعت بحق تقرير المصير سنة 1979م. فالمغرب الذي يستعمر الصحراء الغربية نيابة عن فرنسا، ويشتغل بالماندو، ما كان ليصمد كل هذا الزمن لولا الغطاء الذي وفرته له فرنسا في الحرب وفي الأمم المتحدة. فالاستفتاء الذي حاولت الامم المتحدة تنظيمه في الصحراء الغربية سنة 1992م افشلته فرنسا بتهديدها باللجوء إلى الفيتو، وكل المحاولات الايجابية التي اعقبته افشلتها أيضا. ففي كل مرة يحاول مجلس الأمن إرغام المغرب على التقيد بالقانون الدولي، والامثال لتطبيق بالاستفتاء ترفع فرنسا فيتوها، وتهدد أنها ستلجأ إليه ولو في التصويت العلني إذا تطلب الأمر ذلك. الكثيرون يظنون أن فرنسا لم ترفع، يوما، الفيتو في مجلس الأمن ضد تقرير المصير في الصحراء الغربية، لكنها في الحقيقة كانت ترفعه في الكواليس، وتحذر الأعضاء الآخرين أنها سترفعه إذا ظهر أن هناك قرار سيمر عكس مشئية المغرب وفرنسا. تعتبر قضية تقرير مصير الشعب الصحراوي أكثر قضية هددت فيها فيها فرنسا برفع الفيتو حتى أصبحت مهوسة بالتهديد بالفيتو ولو ضد قرار بسيط مثل قرار توسيع صلاحيات المينورسو ليشمل حقوق الإنسان.
لكن فرنسا المعادية لتقرير المصير في الصحراء الغربية، والشرسة في رفع الفيتو إذا تطلب الأمر ذلك؛ فرنسا التي تدير المغرب بالماندو وعندها عقدة من السماح للشعب الصحراوي بالتصويت الحر فأجأتنا حقيقة في كاليدونيا الجديدة: في لحظة عجيبة تحولت إلى دولة "ديمقراطية" تطالب بتقرير المصير، وتسمح بالتصويت الحر، وتعترف بنتيجة الاستفتاء في كاليدونيا الجديدة. فجأة تم السماح لعبارة الاستفتاء أن تدخل قاموس الدولة الفرنسية، وتم رفع الحظر عن تقرير المصير، وتحولت فرنسا التي منعت منذ ثلاثة أيام - في 31 اكتوبر من سنة 2018م- أي قرار يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره إلى دولة تنظم استفتاء في تقرير المصير في كاليدوينا الجديدة أمام عدسات التلفزيون. في ظرف ثلاثة أيام فقط تحولت فرنسا من دولة تقمع في مجلس الأمن، عن طريق التهديد بالفيتو، حق الصحراويين في الاستفتاء إلى دولة ديمقراطية تسمح بالتصويت الحر وتتعهد باحترامه. 
فكاليديونيا الجديدة لم تضمها الأمم المتحدة إلى قائمة الأقاليم التي يجب ان تقرر مصيرها إلا في سنة 1986م، وكاليديونا الجديدة مساحتها لا تتعدى 19 الف كلم مربع، لكن للمفارقة، وفجأة، ظهرت كاليدونيا الجديدة على شاشات تلفزيونات العالم تمارس حق تقرير المصير، وبإشراف الامم المتحدة وفرنسا، أما الصحراء الغربية التي تم تسجيلها في قائمة البلدان غير المستقلة سنة 1964، والتي مساحتها أكثر من 180 كلم مربع فمنعتها فرنسا منذ ثلاثة أيام من التمتع بحق تقرير المصير. بين االسنة التي تم فيها ضم كاليدوينا الى قائمة الاقاليم غير المتمتعة بالاستقلال- 1986م- والسنة التي تم فيها تسجيل الصحراء الغربية الى نفس القائمة - 1964م- لا مجال للمقارنة: مرت أكثر من 22 سنة، كما أن مساحة الصحراء الغربية – أكثر من 180كلم مربع- هي اكبر عشر مرات تقريبا من مساحة كاليديونا الجديدة، وهناك أيضا لا مجال للمقارنة لكن هناك مجال للمفاجأة. بين التاريخ الذي هددت فيه فرنسا برفع الفيتو ضد تقرير المصيرفي الصحراء الغربية- يوم 31 اكتوبر 2018م- واليوم الذي سمحت فيه فرنسا بتقرير المصير في كاليدوينا الجديدة- 4 نوفمبر 2018م- مرت ثلاثة أيام فقط. هكذا تتصرف الدولة الاستعمارية في الصحراء الغربية، وهذه هي معايير تقرير المصير في الذهنية الفرنسية المتخلفة.
Blog-sahara.blogspot.com.es
السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء