هكذا عرفنا عبد المجيد ناجي" برورة


"
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhX-cdlY-ivhw0VYICGuCTzWVl64qrxgFg1Sm0QDEQ7LklXnlf_Fhes95JPB3Tc66ND97E9LyNo75tjQ85ZULeQXKmoB4CFNiF56bW6jtWHsaCOYN1_W2ter7JyozGCNJ1H5s8owDEcbAM/s640/FB_IMG_1544212101079.jpg
حين كنت أقرأ المشهد الصحفي الصحراوي الالكترتوني، وكالة الانباء المستقلة، شد انتباهي وربما فاجأني في الحقيقة، خبرا يقول ان رئيس الجمهورية براهيم غالي استدعى عبد المجيد ناجي، مدير التعليم في كوبا ليكرمه. في الصورة ظهر عبد المجيد ناجي وقد تغير كثيرا واللحية السوداء التي عرفناه بها حين كان مشرفا ومربيا معنا في الثمانينات، في مدينة تغنيف، أصبحت بيضاء وقورة، لكن على اية حال احتفظ ببعض ملامحه ونستطيع الآن أن نعرفه إذا التقينا به رغم أن آخر لقائنا به كان في سنة 1986م؛ أي منذ اثنين وثلاثين سنة.
قبل أن يركب عبد المجيد ناجي البحر المظلم على ظهر باخرة عنيفة ولمدة اسابيع في يوم ما من سنة ما لا نعرفها الآن، ملبيا أوامر التنظيم، متجها نحو كوبا ليواصل مهنة التعب، مهنة الإشراف، وما ادراك ما الإشراف، عرفنا عبد المجيد ناجي مشرفا ومربيا في مدرسة الشهيد بلا احمد زين في مدينة تغنيف حين كنا ندرس هناك في الثمانينات. قضى عدة سنوات مشرفا هناك حتى تم إغلاق المركز في سنة 1987م، بعد تخرج آخر دفعة باكلوريا من تلك المدرسة. نعم، عرفنا عبد المجيد ناجي مشرفا ومربيا، وكان هو المشرف الناجي الوحيد والعنيد من المشرفين الذي كانوا يشرفون على " التغانفة". كان المشرفون يأتون ثم يقضون السنة أو بعضها ثم يرمون المنشفة والفوطة والقفاز ويرحلون إلا هو: بقى حتى رمى التغانفة المنشفة، وتم إغلاق المركز بعد أخر فوج باكالوريا صحراوي في مدينة تغنيف ولاية معسكر بالجزائر. هو الوحيد الذي قاوم حتى النهاية رفقة مشرف آخر من طرازه وطينته هو محمد دافة.
عبد المجيد ناجي عرفه "التغانفة"( طلبة تغنيف مثلما يسمون أنفسهم) بلقبه الذي غلب على اسمه: برورة، وليسمح لي على استعمال هذا اللقب في هذا المقال. اسم عبد المجيد الحقيقي كان لغزا بين "التغانفة"، رغم انه قضى سنوات معهم. البعض منا عرف اسمه الحقيقي متأخرا- عبد المجيد ناجي- فأصبح يستعمله كلغز. يسأل الذين اكتشفوا الاسم الحقيقي له طلبة من نفس المركز: هل تعرف من هو عبد المجيد ناجي؟ لكن لايعرفونه، رغم انه مشرفهم منذ سنوات. كان "برورة" هو الاسم الشائع أنذاك، وهم اسم احترمناه كثيرا بسبب إخلاصه ووطنيته وجديته. خلال تواجده معنا تمتع الرجل بشخصية قوية فذة فرضها على كل اولئك "التغانفة"، الطلبة الثائرون رغم تنظيمهم وجودة تحصيلهم. نعم، كان التغانفة ثائرون، فهُم على كل حال شبان، طلبة، بعضهم يدخن والتدخين ممنوع، وبعضهم يخرج إلى السوق والخروج ممنوع، وكان الوضع في غاية الصعوبة والتأزم. في هذا الجو المشحون عرف " برورة" كيف يصمد، وكيف يتعامل مع الجميع ويفرض أحترامه على الجميع. رغم كل المشاكل، وكل ذلك التنوع الهائل في ذلك المركز الذي يضم حوالي 200 طالب من مختلف العقليات ومختلف التوجهات التربوية إلا أن "برورة" عرف كيف يطوع الجميع ويتعامل مع ذلك العدد الكبير من الطلبة. ورغم أن الكثيرين- هذا طبيعي- كانوا يعارضونه ويختلفون معه، إلا انهم في الأخير كانوا رجالا لا يحسدون: أعترفوا للرجل في الأخير بوطنيته وإخلاصه للوطن وللتربية ولأبناء الصحراويين الذين كانوا امانة في عنقه.
خلال هذه السنوات الطويلة – اثنان وثلاثين سنة- التي كان فيها عبد المجيد بعيدا عن المخيمات في كوبا البعيدة والصعبة، دونه بحر مظلم يربي ويعلم ويشرف لم التق اي " تغانفي" من طلبة مركز الشهيد بلا احمد زين إلأ وسألني أو سالته عن "برورة" وهل هناك أخبار عنه. لقد كسب بقوة شخصيته وإخلاصه كل الذين عرفوه رغم كل شيء. الكل اعترف في الأخير ان الرجل كان وطنيا وكان وفياً لمهنته الصعبة. الآن، بعد كل هذه السنوات التي نجح فيها عبد المجيد في كوبا كمربي مخلص تخطر على ذهني بعض الخواطر التي قد تكون حقيقية وقد تكون مجرد تكهنات: أظن – مجرد ظن- ان الرجل ذهب إلى كوبا التي كان الجميع يرفض الذهاب إليها فقط لإنه يحمل في عروقه مبدأ الطاعة للتنظيم والإخلاص. الكثيرون رفضوا الذهاب إلى كوبا بسبب بعدها وانقطاعها عن عالم المخيمات والصحراويين، فتم الالتفات إلى الرجل المخلص المنضبط الذي لا يرفض أوامر التنظيم: عبد المجيد ناجي.
خلال تواجده معنا مشرفا علينا في مدينة تغنيف الجزائرية، كان الرجل يحمل في عقله قوة ذكاء خارق وقوة تحمل يصعب تصديقها. كان يعرف اسماء كل اولئك ال200 طالب، وكان يعرف تصرفات كل منهم، ويعرف متى يدخلون ومتى يخرجون. كان لا ينام حتى ينامون جميعا، وكان يستيقظ هو الأول ليوقظهم. إذا حدث ابسط تحرك في ذلك المركز كان يستيقظ، وإذا خرج احد الطلبة متسللا يعرف انه خرج فيتبعه يبحث عنه.
أخر مرة التقى "التغانفة" في الرابوني كطلبة قدماء يتذكرون الماضي حضر الكثير منهم، وحضر المشرف محمد دافة، لكن مكان عبد المجيد بقى فارغا. كان في كوبا، بعيد دونه البحر، وبقى مكانه شاغرا في الصورة الجماعية التي تم أخذها بعد نهاية حفل الذكريات ذلك. تذكروه وسألوا عنه وتم تكريمه بالحديث عنه والسؤال عنه فهو شخص مهم طبع سنوات الدراسة في تغنيف.
لم يطمع في منصب رغم انه يستحقه ولم يسأل عن مكانة ولا مسؤولية مثلما فعل الكثير من جيله، وكلما فعل هو انه حزم حقائبه في صمت وأدب جم ولبى أمر " التنظيم" كمعادل فني للوطن والإخلاص. حزم أشياءه القليلة ذات يوم وركب الباخرة مع الطلبة وتوارى في ظلمة البحر متوجها إلى كوبا ليكتب تاريخا آخر، ومسيرة مشرقة أخرى.
تكريم عبد المجيد اليوم كمربي ومشرف ومعلم وك" ابو الطلبة"، وعلى أعلى مستوى يثبت ليس منحة ولا هبة، لكنه استحقاق تم انتزاعه يثبت أن الرجل نجح في المهمة التي ذهب إليها في كوبا. كوبا صعبة من كل النواحي وواقع الطلبة الصحراويين هناك أصعب، لكن الرجل كان حقا وطنيا ومخلصا، وكان أبعد من ذلك قويا. شكرا يا عبد المجيد، تستحق التكريم.
السيد حمدي يحظيه




يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء