غولة مدرسة 9 يونيو


كانت مدرسة  9 يونيو الخالدة المُقامة في تلك السبخة التى ترشح بمادة تشبه الزيت أو البترول أسطورة. أسطورة مكتملة الملامح والألوان، وأسطورة بكل الحروف التي تُركب اسمها حرفا حرفا، وبكل تفاصيل الايام  التي مرت عليها يوما يوما. السبخة العصية في تلك الحمادة التي ترشح بالزيت أو بالدسم والملح أو بالبترول أو بعرق اللاجئات اللاتي بنيناها في بداية اللجوء، ترشح أيضا بالأساطير. قالوا ان تحتها بئرا من البترول أو تحتها معدن سائل. هذه واحدة من أساطيرها التي جعلت بعض التلاميد يحاولون عبثا، أكثر من مرة، الحفر لاكتشاف تلك المادة الدسمة. تحمل المدرسة التي لم يبق إلا اطلالها اسم 9 يونيو، اليوم الوطني للشهداء الذين سقط زعيمهم، الولي، فيه سنة 1976م. في تلك السبخة يظهر التراب المالح شبه مبتل ويرشح بالزيت. لكن منها، أيضا،  تخَرَّج الآف الطلبة والإطارات والشهداء، وبعض الذين درسوا فيها، وهذه مفارقة، عادوا ليلبسوا المعاطف البيضاء ويُدرِّسون في نفس الاقسام التي درسوا فيها. وفيها أيضأ، بالإضافة الى أسطورة البترول تحتها، عاشت أسطورة الغولة الشهيرة. وبما ان ذاكراتنا غائمة بالضباب نتذكر فقط حكاية غولة مدرسة 9 يونيو الشهيرة التي لم نحل لغزها إلا بعد ان كبرنا. كنا نقضي عدة أيام في مدرسة 9 يونيو في انتظار الحافلات التي ستقلنا الى الجزائر للدراسة. كنا أبرياء وأصفى من ماء المطر. كنا نحلم كثيرا مفتوحي الأعين بالمستقبل، الشمس، القتال، الاستقلال، الوطن، نقدس الشهداء، نستعد للعلم، نردد النشيد الوطني كل صباح، نقدس التنظيم والقيادة " المخلصة الثورية" ونحب الشاي. خلال تواجدنا القصير ذلك كان الحديث الذي يملأ محيطنا هو الحديث عن الشاي وعن الغولة التي تعيش في السبخة وتفصلنا عن دوائر القطاع الغربي. يصفونها وصفا مروعا حتى تظن انك تراها: تظهر في الليل فقط، تلبس ملحفة من النيلة وإزارا ابيض، لكن رجليها مثل ارجل النعجة تنتهي باظلاف( فراقش). حين تنقض على فريستها تخنقها حتى الموت. ويحكون انها انقضت على الشهيد الخليل سيدي امحمد في تلك السبخة، وانها رمت به في السبطي. كنا ونحن ننتظر الحافلات محرومين في تلك المدرسة من أغلى شيء: الشاي. كنا نحب الشاي، وكانت دوائر القطاع الغربي قريبة من المدرسة، وكنا نرى نيران الشاي مشتعلة أمام الخيام وقت المغرب. وقت المغرب يقف البعض عند تخوم المدرسة ينظرون الى نيران دوائر القطاع الغربي، ويقولون، وهذه مبالغة، انهم يشمون رائحة الشاي رغم البعد، ويقسمون ان النيران هي نيران لإعداد الشاي. تلك الليلة التي لا تُنسى كنا نحن مجموعة من العُراف نحرس المدرسة حتى لا يهرب أحد. طبقنا مقولة حاميها حراميها. حين نام الجميع لم نستطيع مقاومة رغبة شُرب الشاي. كانت رؤوسنا تؤلمنا كثيرا، وصُداع عدم شرب الشاي يكاد يفلقها.. قررنا ان نذهب إلى دوائر القطاع الغربي لنشرب الشاي ونعود للحراسة. الليلة حالكة والنجوم تلمع في ظلمة السماء الرهيبة. كان الخوف حاضرا في خطتنا، لكن متعة شرب كأس من الشاي كانت أقوى من الخوف. كانت تلك المتعة تستحق مغامرة مع الغولة أو حتى معركة دامية. ذهبنا نتسلل مثل لصوص، وحين أصبحنا في قلب السبخة لاح لنا ضوء في الطريق. تأكدنا انها الغولة، فرجعنا مسرعين. لكن الحقيقة التي اكتشفناها، بعد ان كبرنا، هي انه لم تكن هناك غولة ولا شبح ولا أي شيء. كان فقط المسؤولون هم الغيلان. كانت خطة مخيفة فقط لمنع الطلاب من الهروب إلى المخيم القريب لشرب الشاي. حين تم ترحيل المخيمات من الرابوني إلى السمارة واوسرد لم يعد أحد يتحدث عن الغولة. حتى يبالغون في الضحك على ذقوننا وقفانا قالوا انها انتقلت الى مدرسة 12 اكتوبر الوطنية، وإنها تظهر عند تخومها، قال الطلاب ساعتها معلقين: الغولة انتقلت من التعليم الإبتدائى الى المتوسط مادامت انتقلت الى مدرسة 12 اكتوبر.والبعض قال انها ماتت. ماتت الغولة وتم دفنها في السبخة، لكن هناك من يقول انها انتقلت الى الطريق الذي يربط ولاية السمارة بالرابوني أين أوقفت الكثير من السواق في الليل.هذا هو تفسيرنا، لكن الحكاية مفتوحة ومن التقاها ذات مرة، وجها لوجه، كحقيقة فليكتب عنها.
المقال القادم: غولة تغنيف 
blog-sahara.blogspot.com.es 
السيد حمدي يحظيه 

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء