بعد أكثر من نصف قرن من بيع فلسطين ومقايضة دم أطفال غزة في الكواليس، نزع المغرب قناعه البلاستيكي المزيف، وأعلن اعترافه الكامل بإسرائيل مقابل اعتراف ترامب -وحده- ب"سيادة المغرب على الصحراء الغربية ". حصلت المقايضة غير الأخلاقية والحقيرة التي ظل المغرب يعمل عليها منذ سنوات، والتي كان الدم الفلسطيني ثمنا فيها. لكن حين نحلل، سياسيا وقانونيا وواقعيا، جانب هذه المقايضة الخاص باعتراف ترامب ب" سيادة المغرب على الصحراء الغربية"، نجد أن لا قيمة له ولا يعني أي شيء لا على الأرض ولا على مستوى القانون الدولي ولا على مستوى التأثير على مسيرة الشعب الصحراوي الكفاحية ولا على معنوياته. بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، أصبحت ماركة مسجلة في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار رقم واحد، ومحصنة بترسانة قوية موثقة من القرارات التي لا تسقط بالتقادم. هذه القضية لا يستطيع أي أحد، مهما كانت قوته وزنه وجنونه، أن يشرِّع السيادة عليها لأحد، والمعنِي الوحيد بتشريع السيادة عليها هي الأمم المتحدة والشعب الصحراوي. ما دام الشعب الصحراوي موجودا وقادرا على الكفاح، وما دامت الأمم المتحدة لم تقرر، بعد، وضع الاقليم الصحراوي النهائي القانوني، ستبقى الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار بالبنط العريض.
حين يعلن ترامب، بواسطة تويتر، أنه يعترف ب" سيادة المغرب" على الصحراء الغربية فهذا لن يغير من الطبيعة القانونية لقضية تقرير مصير الشعب الصحراوي، لكن، بالمقابل، كشف الوجه المتوحش للمغرب الذي يقايض القضية الفلسطينية ودم شهدائها بقضيةٍ - الصحراء الغربية- يعرف المغرب أنه خاسرها لا محالة يوما ما. منذ اربع سنوات والمخزن يلهث خلف ترامب ويطارده ويرقص بجانبه، وربما ينزع ثيابه أمامه، لكن ترامب، احتقارا منه للمخزن، ظل يرفض مقايضة اعتراف الولايات المتحدة ب"السيادة المغربية على الصحراء الغربية" مقابل تطبيع مغربي تام مع إسرائيل. منذ توليه السلطة كانت قرارات ترامب، خاصة ما تعلق منها بالسياسة الخارجية، كلها طائشة، وغير منسجمة مع سياسات الولايات المتحدة. لنرى كم من قرار سيادي اتخذه ترامب، باسم الولايات المتحدة، ثم أعلن بايدن، الرئيس المنتخب الشرعي الحالي، الطعن فيه. القرار الأول، هو انسحاب الولايات المتحدة من قمة المناخ، وهو القرار الذي ألغاه بايدن. القرار الثاني هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران، والذي اعلن بايدن إنه سيستأنفه. هذه فقط نماذج من قرارات عشوائية اتخذها ترامب في غيبوبة من غيبوباته، والتي لا تتناسق مع السياسة الدولية ولا مع دور الولايات المتحدة كقوة تحلم بزعامة العالم.
قرار اعتراف ترامب ب"سيادة المغرب على الصحراء الغربية" يتنافى مع القانون الدولي، لأن الأقاليم التي لم تقرر مصيرها بعد لا يحق لأي دولة أن تعترف للاحتلال بالسيادة عليها. النقطة الثانية المهمة، هي أن ترامب لم يعترف ب" سيادة المغرب على الصحراء الغربية" إلا حين أصبح خارج السلطة ولم يعد رئيسا فعليا، وما يفعله الآن هو مجرد شطحات ورقصات فيل جريح. لماذا لا يعترف ترامب ب" سيادة المغرب على الصحراء الغربية" حين كان رئيسا ونصف يقرر وينفذ؟ قرار ترامب هذا في أيام هزيمته الأخيرة هو مثل الطلقة التي يطلقها الجبان في الهواء ويهرب مختفيا في دخانها.
الأمر ليس بيد ترامب الآن، وإدارة بايدن هي التي ستقرر، في النهاية، هل ستتبنى أو تتراجع عن هكذا قرار غير قانوني. شطحة ترامب هذه ستُحرج وتزعج كثيرا إدارة بايدن، لأن الولايات المتحدة كانت فاعلا رئيسيا في القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة ومجلس الأمن في قضية الصحراء الغربية بما انها تسوِّق نفسها، ولو بالدعاية، على أنها محايدة. فمنذ سنوات والولايات المتحدة تبادر من نفسها، معتمدة على " حيادها" د، وتصيغ مسودات القرارات الخاصة بالصحراء الغربية، وتحظى قراراتها دائما بالاحترام. في حالة أن تنحاز للمغرب، مثلما أراد لها ترامب، ستفقد الولايات المتحدة دورها وسمعتها، وسيتم إقصاءها من القرارات الهامة الخاصة بالصحراء الغربية التي ستصدر عن مجلس الأمن الدولي مستقبلا. إذن، في حالة أن تتبنى الولايات المتحدة قرار ترامب الارتجالي هذا ستجد نفسها خارج اللعبة في القضية الصحراوية، وستفلت الخيوط من يديها هي التي تريد أن تكون لاعبا مُهما مع كل الأطراف في أية قضية، خاصة قضية الصحراء الغربية وقضية فلسطين. النقطة الأخرى المهمة، هي أن قرار ترامب المذكور ليس قرارا سياديا طبيعيا، إنما تم في إطار مقايضة رخيصة مع المغرب كي يعترف هذا الأخير بالإحتلال الإسرائيلي ويعترف بيهودية فلسطين. واذا كان قرار ترامب بالاعتراف ب" سيادة المغرب على الصحراء الغربية" لن يكون ذا محصلة ولا تأثير، ولن يجني المغرب فائدة من ورائه، مهما كان نوعها، فإن اعتراف المغرب بإسرائيل، من الجهة المقابلة، سيغيِّر الكثير خاصة على مستوى نظرة الفلسطينيين والمغاربة للخزن الذي ظل يخدعهم على مدى سنوات ويسوق نفسه أنه سيحرر فلسطين، وأن ملكه هو رئيس لجنة تحرير القدس.
السيد حمدي يحظيه، كاتب من الصحراء الغربية
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء