ملاحم الوركزيز: الحلقة الثالثة

 




في الحلقة الثانية قلنا ان الجيش الصحراوي، بعد أن فتح الطريق المار بالمجلس ولبيرات، تمركز في وادي تيغزرت. لكن المقاتلين الذين كانوا حاضرين، وبعض الذين يعرفون جغرافية المنطقة، قالو ا لي أن التمركز، بالمعنى الدقيق، كان في كل منطقة لبطانة، وليس في وادي تيغزرت فقط. الملاحظة الثانية هي أن بعض المقاتلين تحسّر، وكتب لي يقول: لماذا لا تكون الحلقة الأولى عن ملحمة لبيرات التي تم فيها تدمير قوة الدروع المغربية. هناك أيضا من ذكر لي اسم المقاتل البطل الذي اسقط الطائرة التي كان يقود المعطاوي، لكنني لن أذكر اسمه حتى اطلب منه الإذن. فهؤلاء االأبطال ، بسبب نكران الذات، لا يريدون ذكر أسماءهم الفردية. ابتداء من هذه الحلقة- الثالثة- انا تحت إشراف المقاتلين، فإذا لاحظ أي منهم معلومات يمكن أن تضاف فيمكن أن يبعثها لنتداركها في الحلقة القادمة. ه

تشكيل القوات المغربية التي تحركت نحو الموت 

يوم 9 ديسمبر 1979صرح الحسن الثاني متبجحا بقوة "أحد" وقوة " الزلاقة" قائلا:" الهجمة المغربية الجديدة هي فقط بداية الاستراتيجية الجديدة (..) لكن قواتنا لن تخترق الحدود الجزائرية. (..) قوات البوليساريو تتحاشى المعركة المباشرة، لكن رغم ذلك لن نتابعهم في الأرض الجزائرية(..) قريبا ستكون القوة الثالثة-يقصد أحد والزلاقة-التي ستعمل في الصحراء جاهزة، وعن طريق هذه القوات المجهزة بالدروع والطائرات العمودية سنسيطر على الصحراء ( )

كان الحسن الثاني يتحدث مبتهجا في تلك الكلمة بسبب حصوله على حوالي 50 طائرة ما بين ميراج ف1 من فرنسا وميراج ف5 من الولايات المتحدة كما زودته الصين بالكثير من الاسلحة الروسية الصنع. لكن كل ذلك سيتحول إلى لا شيء حين يشتبك مع الجيش الصحراوي العظيم.

على الأرض، الأنباء الواردة من جبال الوركزيز ومن الزاك بالذات، والتي تتلقفها قيادة الجيش المغربي عن طريق الراديو لا تسُر. المدينة محاصرة، والفيلق الثالث المتواجد فيها، والذي يُقدر ب 2000 جندي، يهدد بالاستسلام إذا لم يتم فك الحصار عنه بسرعة. حين نقلَ الجيش الصحراوي غرفة عملياته إلى وادي تيغزرت بالوركزيز، فهذا يعني أنه يحضر لعمليات في العمق المغربي، ولا توجد وحدات مغربية مستعدة للتصدي له بعد مجزرة الدبابات في لبيرات. بدأ الخوف يحوم في الرباط، وبالضبط في القصر الملكي. لم يعد الحسن الثاني ينام أكثر من ساعتين في الليل. الهزيمة على الأبواب، وستكون قاسية وستغير خارطة المنطقة برمتها. للهزيمة العسكرية فوق الميدان عواقب تبقى إلى الأبد. كان عليه أن يتصل بالفرنسيين وبالأمريكيين وبالممالك العرب يبحث عن الدعم من الدبابات والطائرات والأموال. على الأرض كلّف الملك المغربي الجنرال احمد الدليمي بتنظيف جبال الوركزيز والجنوب المغربي من مقاتلي البوليساريو بأي ثمن.

أعطى احمد الدليمي الأمر لقواته أن تتحرك نحو الوركزيز لفك الحصار وتمشيط المنطقة من البوليساريو. حتى نضع القارئ في الصورة نضع أمامه تشكيلة القوات التي تحركت لتفك الحصار عن الزاك والتي تمت إبادتها. 

قوة أحد: قوة شكلها الحسن الثاني من خيرة الضباط والجنود المغاربة وجهزها بكل الوسائل: المدرعات، الطائرات، السلاح الخفيف خاصة كلاشنكوف. فتحت له الولايات المتحدة وفرنسا وجنوب إفريقيا ومصر ورومانيا كل مستودعاتهم كي يأخذ ما يريد إلى درجة أن سلّح جنوده تلك القوة بكلاشنكوف مثل تسليح مقاتلي البوليساريو. في عيد ميلاده بعث له السادات كل ما يريد من أسلحة كلاشنكوف، وما تبقى له اشتراه من رومانيا بأموال سعودية. الالبسة والاحذية تكلفت شركات فرنسية بخياطتها وصناعتها، أما اجهزة الاتصال فقد حصل عليها من إسرائيل. التغذية ستشرف عليها شركات مغربية وفرنسية وستدفع السعودية الثمن ( ).  

حملت قوة " أحد" هذا الاسم في محاولة لإعطاء للاحتلال المغربي بعدا إسلاميا. ف"أحد" هي المعركة التي خاضها المسلمون ضد الكفار وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم، وحدثت في جبل "أحد" سنة 3 هجرية. يعني أن الجيش المغربي هو " جيش المسلمين"، والجيش الصحراوي هو جيش قريش، وجبل "الوركزيز" هو جبل " أحد" الذي حملت معركة المسلمين أسمه. تشكلت قوة "أحد" في مدينة بن غرير في سبتمبر 1979م من طرف الدليمي لحماية الداخلة بعد احتلالها، لكن لم تحمل اسم " أحد" إلا قبل توجهها إلى الوركزيز بأيام. تم تجهيزها بأحدث أنواع الاسلحة، وأصبحت هي مفخرة الجيش المغربي. لكن حسب الضباط المغاربة ( ) كان الدليمي، بما أنه هو قائدها، يتحاشى المجازفة بها في المعارك الكبيرة، وكان يتجول بها في المناطق الآمنة وعلى الشاطئ وإذا طُلب منه التدخل لا يفعل. 

قوة الزلاقة: تم تشكيلها في جانفي 1980م على عجل لتقوم بعملية تمشيط في الوركزيز، وقام الاحتلال بمحاولة جعل أغلب عناصرها من أبناء المنطقة الجنوبية الذين لهم أصول صحراوية. حملت اسم "الزلاقة" نسبة إلى المعركة الشهيرة التي قادها يوسف بن تاشفين في الاندلس وانتصر فيها. في معركة الاندلس تم الاستنجاد بالمرابطين لدحر النصارى الذين أصبحوا على وشك طرد المسلمين من شبه الجزيرة الايبيرية. بالنسبة لقوة الزلاقة المغربية تم تسميتها هذا على أساس أنهم هم-الجيش المغربي-المرابطون، والجيش الصحراوي هو النصارى. بالنسبة للمكان سيكون وادي تيغزرت قرب الوركزيز هو سهل الزلاقة الذي دارت عليه معركة الاندلس. بالإضافة إلى قوة الزلاقة كانت هناك قوة دعم تابعة لها يقودها محجوب الطوبجي.

الفيلق الثالث: هو الفيلق المُحاصر في الزاك، والذي كان، حسب ما كان مخططا له، يستعد للخروج لالتحاق بقوة "أحد" و"الزلاقة" قرب لبيرات لخوض معركة طرد البوليساريو من كل جبال الوركزيز.             

معركة "إيمان"

دائما في إطار توضيح المصطلحات التاريخية المحيطة بملاحم الوركزيز نوضح هنا مصطلحا أخر هو ما نسميه قوة "إيمان". مثلما وضّحنا من قبْل الفرق بين حصار الزاك وحصار الوركزيز، نقول الآن أن " إيمان" التي كنا نسمع بها مرتبطة بمعارك الوركزيز، هي ليست اسم قوة ولا اسم معركة إنما هي الاسم السري الميداني لعملية التمشيط التي كانت ستقوم بها قوات " أحد" و" الزلاقة" في الوركزيز لطرد البوليساريو منها.

قبل المعركة أمر الدليمي فيلقا/ فوجا من اللواء السابع المجهز من قوات " أحد" بالتوجه إلى "لمسيد"، لكن لم يخبر عناصره أنهم ذاهبون إلى الوركزيز. هذا اللواء أو الفوج يقوده أحمد الحرشي. 

بالنسبة لقوة "الزلاقة" فقد قضت حوالي شهرا في مدينة الطنطان تعبث فيها. كان جنودها يدخلون المدينة ويفعلون فيها ما يشاءون: يسرقون يغتصبون، يأخذون ما يريدون من المتاجر دون دفع الثمن. أشاعت تلك القوة جوا من الخوف والرعب في تلك المدينة الصحراوية المجاهدة. ورغم ذلك كان السكان الصحراويون في المدينة يغيظونهم بعملية طانطان في جانفي 1979م وهم يغنون: 

قامو الثوار بإغارة    احتلو طانطان يومين 

هذا تاريخ من ثارا     هذا تاريخ حك زين 

كان السكان يذهبون إلى المشايخ وإلى قبور الأولياء يطلبونهم البركة كي يرفع عنهم بلاء قوات الزلاقة المجرمة. في الواقع، كانت تلك القوات تنتقم من سكان الطنطان بسبب مشاركتهم الكبيرة في معركة الطنطان في جانفي سنة 1979م. يعتقد المخزن المغربي أن عملية الطنطان ما كانت لتنجح لو لا مشاركة سكان المدينة الصحراويين في دعم قوات البوليساريو بالمعلومات وبفتح الطريق لهم.     

 في منطقة "لمسيد" التقت قوات "أحد" مع قوات "الزلاقة" وقوات أخرى من تشكيلات مختلفة لتنفيذ عملية "إيمان". إلى غاية وصولهم إلى "لمسيد" لم يكن أحد منهم يعلم إلى أين هم متوجهون. تم وضع القوات تحت قيادة محمد عبروق كقائد عام، أما الأوامر العلياء فكانت تأتي من الحسن الثاني مرورا بالدليمي. حسب الوثائق التي غنمها مقاتلو البوليساريو من المعركة فقد كان مخطط عملية " إيمان" هو كالآتي: 

-العملية هدفها هو إخلاء منطقة الوركزيز من مقاتلي البوليساريو الذين يهددون الجنوب المغربي مثل الطنطان وبوزكارن.

-العملية اسمها " إيمان"، وتهدف إلى تمشيط وادي تيغزرت لفك الحصار عن الزاك، وطرد العدو؛

-المرحلة الأولى: تتم السيطرة على المرتفعات جنوب شرق لمسيد، وربط محور لمسيد -تساميغت للوصول إلى الرق الأبيض؛

-المرحلة الثانية: التمشيط في اتجاه الرق الأبيض، وادي الاثل وامطي.

-المرحلة الثالثة: تمشيط وادي تيغزرت إلى غاية مرتفعات السميرة لفك الحصار عن الزاك( ).

لكن الجنود الذين وقعوا في الاسر يقولون ان المخطط كان كالآتي: تنطلق قوة " أحد" و"قوة الزلاقة" من لمسيد وتتجه نحو لبيرات للقاء الفيلق الثالث الذي يجب أن يخرج من حصار الزاك، وبعد ذلك تتشكل تشكيلا قتاليا وتتجه، كلها، نحو مدخل " لنقاب" لفك الحصار عن الزاك. في الوثائق المغنومة، تحمل القوات التي ستقوم بعملية "إيمان" الأحرف التالية: 

-قوة "أحد" تحمل اسمF1: يقودها أحمد الحرشي وحسين محاتين

-قوة الزلاقة تحمل اسم: F2 يقودها محمد عبروق لكن تحت إشراف حمو أرزاز صهر الدليمي وبمساعدة محجوب الطوبجي. 

-الفيلق الثالث: F3 يقوده سعيد ميلود، وهو فيلق متمركز في الزاك ومحاصر. 

ولم تكن عملية " إيمان" مختصرة فقط على تطهير الزاك، لكن كانت ستتم عبر ثلاث مراحل: الأولى، تطهير الزاك وفك الحصار؛ الثانية، الانطلاق نحو الساقية الحمراء وكسات وتازوة والعنانية لتطهيرها؛ الثالثة، هي التوجه إلى تظهير مناطق قلتة زمور ومنع دخول قوات البوليساريو إلى تلك المناطق. (يتبع )

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء