ملحمة قلتة زمور: الحلقة التاسعة

 


محاولة الإيقاع بالنجدة القادمة من بوكراع

كانت الطائرات السبعة المخصصة لحماية القطاع الجنوبي، خاصة قطاع القلتة، متمركزة في العيون، أما قوات النجدة البرية فتوجد في بوكراع ويوجد فيلق منها في ضواحي السمارة. بعد سقوط ثلاث طائرات تم شل القوة الجوية المعادية.  بالنسبة لفيلق النجدة الموجود في بوكراع يقوده محمد الغجدامي، وهو قائد ميداني معروف بفراره من المعارك، وقدرته على النجاة إذا تمت محاصرته. يتذكر المقاتلون الصحراويون فراره الذكي من محاصرته في سبخة أريدال في جوان 1980م، عندما ترك أضواء الشاحنات ج م س مشتعلة ومحركاتها في حالة جاهزية، وفر بما تبقى من قواته ونجا. يتذكرون، أيضا، أن قذيفة موجهة نحوه في معركة ماضية قرب القلتة اصابت مرافقه ونجا هو. يقوم فيلقه السادس المذكور، بالإضافة إلى نجدة الجنوب، بحماية المثلث "المفيد" حول مدينة بوكراع والعيون.   

بعد فشل الطيران المغربي وانسحابه، كان المقاتلون يعرفون، بالتجربة، أن النجدة ستكون جاهزة خلال عشر ساعات كأقصى تقدير. عند الجيوش الكلاسيكية، تكون النجدة دائما جاهزة، وكل قطاع مُعرض للهجوم له نجدة خاصة. يعرف المقاتلون الصحراويون، أيضا، أين توجد النجدة التي ستتحرك نحو القلتة، ويعرفون من أين ستأتي بالضبط. قبل نهاية المعركة بساعات كانت الناحية الأولى والناحية الخامسة قد استعدتا للتصدي للنجدة القادمة من السمارة أو بوكراع والعيون. يوم 14 مساء جاء الإشعار أن النجدة تحركت، وأن الفيلق السادس القوي، بقيادة الغجدامي، خرج من بوكراع. بين بوكراع وقلتة زمور حوالي 141كلم، وفي حالة جيش نظامي كلاسيكي ثقيل ستصل النجدة فقط يوم 15 منتصف النهار. كان الكمين سيقام في المكان المحدد له حوالي 20 كلم من ميدان المعركة، لكن، في الأخير، تم فتح الطريق أمام فيلق الغجدامي، السادس، المدعوم بوحدات صواريخ دقيقة الرماية وقاذفات متطورة. كانت الوحدات الصحراوية التي تسيطر على مسرح العملية تقوم بمناورات على شكل انسحاب ذهابا وإيابا. الهدف من ترك الغجدامي يتقدم هو استدراجه كي يدخل المنطقة الجبلية الوعرة كي تتم محاصرته، وأيضا، كي يرى حجم الدمار الذي لحق بالقوة التي كانت متمركزة في القلتة. (  ) حسب وزير الدفاع براهيم غالي في لقائه بالصحافة يوم 25 اكتوبر 1980م في مكان المعركة " فإن الفيلق السادس تم استدراجه كي تتم محاصرته للقضاء عليه لأنه هو الذي يحمي المثلث النافع." لكن الغجدامي تفطن للخدعة الصحراوية فطلب تدخل الطيران لحمايته. تحت القصف والصواريخ تقدم فيلق النجدة المغربي نحو مكان الاستدراج إلى الشمال لتعقب القوات الصحراوية. في الحقيقة أي مختص عسكري أو مقاتل بسيط يعرف أن ما قام به الغجدامي من محاولة مطاردة القوات الصحراوية هو مجرد مناورة لا تعني أي شيء. لن يستطيع أن ينتصر على تلك القوة الصحراوية الكبيرة التي تجمعت ذلك اليوم. يريد فقط إشعار قيادته أنه يطارد المقاتلين الصحراويين. قبل أن يصل إلى مكان الاستدراج توقفت قواته وبدأت تقصف. خاف المقاتلون أن يرجع قبل الوصول إلى المكان المحدد. كان المقاتلون في ذلك اليوم في حالة تفوق ظاهر، وكانوا معتزين بأنفسهم وبآلياتهم إلى درجة أنهم كانوا متأكدين أنهم سيلحقون بقوة الغجدامي. شنت آليات الناحية الثانية هجوما مضادا من الوسط على فيلق النجدة الذي يمثل دور قوة المطارَدة. تكلفت الناحية الثالثة والرابعة بالمحاصرة من الجانبين فرجع الفيلق مدحورا نحو المرتفعات المحيطة بمركز القلتة. حل الظلام وأعادت وحدات جيش التحرير الشعبي تشكيلها من جديد. تمت المهاجمة صباحا بفتح نيران جهنم على النجدة المتخندقة في الصخور. لكن القوة كانت ترد بصواريخ جديدة وقاذفات لم تدخل المعركة من قبل. ظل القصف متبادلا طيلة النهار حتى العصر. 

في تفكير قيادة المعركة الميدانية أن القضاء على فيلق النجدة سيجعل الجيش المغربي يركع. في ثلاثة أيام سيخسر العدو الفيلق الرابع وفيلقين مشاة والفيلق السادس. يجب ان لا يعود الفيلق السادس من القلتة. كانت ستتم محاصرته، لكن ضباب كثيف غطى المنطقة إلى ما بعد منتصف النهار. خرج الفيلق وقت العصر، فظنت الوحدات الصحراوية أنه سيمر مع الطرق العادي. اقامت له كمينا محكما في وادي اوليتيس في الشمال الغربي على بعد 55 كلم تقريبا. لم يخرج الفيلق مع الطريق العادي وفتح ثغرة من الجبال وخرج في اتجاه آخر. لكن من جديد تم التصدي له بالراجمات والآليات ورجع تحت القذائف إلى مكان تمركزه بالقلتة. لاحظ المقاتلون أن حجم نيران دفاعاته خفّ، وهذا يعني، عسكريا، أن ذخيرته نفذت أو أصبحت قليلة. لن يستطيع مقاومة حصار طويل. في الليل بدأت الوحدات الصحراوية تقترب من الموقع الذي تتمركز فيه قوة الفيلق السادس والغجدامي. من الشمال الغربي أحكمت الوحدات الصحراوية الحصار في انتظار الصباح. لكن الغجدامي الخبير في المناورة قام بتحريك قوات ذات أصوات ضخمة نحو الشمال الغربي بهدف التمويه، ثم خرج نحو الجنوب لتفادي المواجهة مع القوات الصحراوية. وصل إلى وادي الفيظة واختفى وراء سواتر "المنحر " وعاد. لم يقم الغجدامي باي نجدة، إنما كان يتفنن في كيفية الهروب من المواجهة والالتحام. للمرة الثانية ينجو الغجدامي بفيلقه من الدمار بعد نجاته سنة 1980م. لو كان تم تدمير ذلك الفيلق في تلك المعركة كانت الوحدات والآليات يمكن أن تنتقل إلى موقع آخر للعدو فتدمره قبل أن تعود إلى قواعدها. 

سام 9/ ستريلا ينطلق ليدمر طائرتين

انتهى دور سام 6 بتدمير ثلاث طائرات غالية الثمن وأسر طيار ومساعده وقتل ثلاثة. كل صاروخ من تلك الراجمة أصاب طائرة وحطمها في الجو. الدرس الذي تم استخلاصه هو أن سام 6 لا يخطئ ودقيق، ويتحمل الصحراء، وإذا انطلق في أثر طائرة فلن تنجو. كان على تلك المحطة التي انطلقت منها صواريخ سام 6 الثلاثة أن تبتعد، لكن الرجال كانوا يرون أنه عليها أن تبقى حتى نهاية المعركة. فحين تطير الطائرات من العيون وتلتقط وجود تلك المحطة في المحيط تعود أدراجها متعللة بوجود الخطر. تم الاستعانة بطائرات أخرى طارت من الداخلة لتدعم فلول القوة المشتتة التي كانت تُطارد في منطقة ام غريد. يوم 24 اكتوبر طارت ميراج F-5 يقودها الملازم لحسن بوغاني. لم يبصر ذلك الملاح أي وجود لراجمة سام 6 في منطقة ام غريد التي تبدو في الخريطة بعيدة، نوعا ما، عن شلخة اللبن أين كانت الصواريخ تنطلق. هو طيار شاب عمره 30 سنة فقط، تدرب في فرنسا والولايات المتحدة، وهذه أول مشاركة له كطيار في الميدان. كان يريد أن يناور في الجو ويقترب من القوة المدرعة للناحية الثانية التي كانت لازالت تطارد بقايا القوة المغربية التي تفرقت في الوديان والجبال. في منطقة ام غريد كانت وحدة السلاح الجو الصحراوي، السادسة "ج"، ترافق القوة الصحراوية لحمايتها. على الساعة العاشرة والنصف صباحا من يوم السبت 24 اكتوبر، أصبحت طائرة لحسن بوغاني فوق القوة الصحراوية، وحلقت مقتربة من صواريخ صحراوية أخرى فعالة هي صواريخ سام 9 – لحمار الذي ذكرناه سابقا. تحركت عربة سام 9 (BRDM) حتى أصبحت الطائرة في مجال رمايتها فانطلق نحوها صاروخ مثل شعاع مدمر فأسقطها. رآها المقاتلون تشتعل وتسقط غير بعيدة منهم. من التجربة، وكثرة إسقاط الطائرات، يعرف أولئك المقاتلون الأسود أن الطيار سيقفز بالمظلة فيتجهون بسرعة إلى مكان سقوط طائرته ويأسرونه. حين أصيبت الطائرة توجهت سيارات لاندروفير نحوها لتتلقف الطيار. ألقي عليه القبض دون مقاومة. كان في حالة كبيرة من الهلع، وكانت يده مجروحة. كان مصدوما، وفي حالة فزع حقيقية. بالكاد ذكر اسمه ورتبته ومن أين جاء. 

لم تكن طائرة لحسن بوغاني، ميراج F5، هي الوحيدة التي حطمتها صواريخ سام 9 في تلك الملحمة. تم اللجوء إلى طائرات PUMA، المروحية العمودية لتشارك. في نفس اليوم-24 اكتوبر- بعد الظهر حلقت هليكوبتر شينوك/ صنف PUMA، على متنها ثلاثة طيارين برتب مختلفة. كان يقودها الرقيب الفنوشي وعلى يمينه المساعد لعسيري والعريف أول العباسي احمد. رغم وسائل الكشف المجهزة بها، لم تنتبه تلك المروحية أنها أصبحت في مدار سام 9 – لحمار القوي. يعرف المقاتلون، بالتجربة، أن المروحية يمكن أن تُصاب في أحد محركاتها، لكن تنجو أحيانا وتهرب فتسقط في مكان بعيد عن المعركة. تم اعتماد خطة ان يتم إطلاق صاروخين على المروحيات في نفس الوقت حتى يتم ضمان تدميرها المطلق هي وطاقمها. حين أصبحت تلك المروحية في مدار رماية " الحمار"، سام9(BRDM)، انطلق نحوها صاروخان بدقة متناهية فأصاباها في نفس الوقت. تحولت إلى شظايا. مات الطقم الثلاثي الذي كان يقودها، وبعد معاينة حطامها يعتقد المقاتلون أنه كان على متنها أكثر من ثلاثة اشخاص. حسب الأسرى، من المواصلات اللاسلكية يمكن أن تلك المروحية كانت تحمل تقنيين إلى جانب الطيارين الثلاثة الذين هلكوا. تناثرت قطع الغيار في الأرض وتحولت كل شيء إلى لهب. يتبع .

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء