يوم إسقاط المقاتلين الصحراويين لطائرة كادير، مسؤول الطيران الموريتاني سنة 1977م ( الحلقة 1 من 2)

  


الكثير من الصحراويين أو غالبيتهم لا يعلمون أن جيشهم، خلال حرب التحرير الأولى، ضد المغرب وموريتانيا، القى القبض على قائد الطيران المغربي في الصحراء الغربية، واسقط طائرة قائد الطيران الموريتاني الذي انقذه الحظ فقط من الوقوع أسيرا. هنا سنتطرق إلى القصتين بالتفاصيل. 

كادير، قائد الطيران الموريتاني الذي أغضب الموريتانيين الشرفاء والصحراويين 

بقيت حرب الصحراء الغربية منقوشة في الذاكرة الموريتانية خاصة نهايتها، وانقسم الموريتانيون، بشأنها، إلى قسمين: قسم الشرفاء وهو الأغلبية، واعتبر مشاركة موريتانيا في تلك الحرب قمة العبث، وأنها غير أخلاقية ولا تشرّف العلاقات التي تربط موريتانيا والصحراء الغربية تاريخيا، أما القسم الآخر، وهم أقلية، فتبعوا المخطار ولد داداه في فكرته الحمقاء، واستبسلوا في معاداة الصحراويين بطريقة سخيفة، ورفضوا الرجوع إلى طريق المنطق. 

كادير، هذا، هو طيار موريتاني اسمه محمد ول إِبّ ول عبد القادر، وخلال مشاركة موريتانيا غير الأخلاقية في حرب الصحراء الغربية، كان هو قائد الطيران الموريتاني.  ينتمي كادير إلى شلة أو لوبي المغرب في موريتانيا مثل ولد داداه، وحمدي ول مكناس ومن تبعهم من الذين لا أخلاق ولا عادات ولا ضمائر لهم. قبل أن نتحدث عن كادير ومغامراته ومحاولات قنصه، وقصة إعدامه، سنعرج على وضع الطيران الموريتاني غداة اندلاع حرب الصحراء الغربية، وكيف ارتبط هذا الطيران، كله، بالطيار كادير. حين بدأت الحرب نهاية سنة 1975م، لم تكن موريتانيا تمتلك طائرات مقاتلة عسكرية، وكل ما كانت تمتلك هو ثلاثة أو أربعة طائرات مهترئة  خاصة بالنقل والشحن. ورغم أن تلك الطائرات غير عسكرية إلا أنها شاركت في الحرب، وكان الموريتانيون يتندرون على تلك الطائرات بسبب عدم جاهزيتها ويقولون أن بعض اجزاءها مشدود بالحبال وجلد الإبل. التندر على تلك الطائرات كان لا بد أن يكون كادير حاضرا فيه، أيضا، أو يكون هو محوره. يقولون أن كادير، أثناء هجوم موريتانيا على مدينة لكويرة نهاية سنة 1975م، أمر مساعديه النقيب براهيم ول علي نجاي والنقيب اتييه برمي القذائف يدويا على المقاتلين الصحراويين من باب الطائرة الخلفي كأنهما في حلقة تصوير لفيلم كوميدي هوليودي أو فيلم رسوم متحركة. ورغم أن هذا القول هو أقرب إلى النكتة الموريتانية إلا أنه، حسب مذكرات كادير نفسه، كان حقيقة.  

ليلة عاشر يونيو 1976م، كان كادير فرِحا، وكان مزهوا ب"نصر" يعتقد هو أنه كان مفتاحه، وأنه شارك في احرازه. هذا الانتصار الذي كان كادير محتفلا به في نواكشوط تلك الليلة، هو استشهاد الولي مصطفى السيد، قائد البوليساريو، والذى كان عائدا لتوه من تنفيذ عملية في عقر نواقشوط سقطت بعض قذائفها في السفارة المصرية وقرب القصر الرئاسي الموريتاني. وإذا كان الكثير أو الغالبية من الموريتانيين حزنوا، ولو سريا، على استشهاد فتى الصحراء، الولي، فإن كادير كان فرِحا، ويحكي بعض الموريتانيين أن فياه ولد المعيوف نهره مرة بسبب دعايته غير الأخلاقية وغير المقبولة حول مساهمته في مقتل الولي. الموريتانيون الذين احترموا الولي، بعد مقتله، وهم كُثر، يُرجعون ذلك إلى عادة عربية قديمة يحافظ عليها عرب موريتانيا، وهي إنهم يقدسون العدو الذي يموت ممتشقا سلاحه، ولا يهينونه، والولي وجدوه مستشهدا ممسكا بسلاحه في يمينه يقاتل من خندقه.  

**

وظل كادير يكرر في كل المنتديات واللقاءات أنه ساهم في كشف القوة التي يقود الولي، وأنه ابلغ عنها. يقول كادير في مذكراته:" تم ابلاغي بمواقع العدو، فأقلعت على الفور نحو العدو الذي لم أتأخر في كشفه، وقد نشر قواته في ام التونسي() عندها قمت باستهداف العدو مركزا جهدي على موارده اللوجستية.(1). 

 وإلى الآن لازال نجل كادير يفتخر بتلك الأسطورة غير الواقعية التي حاول والده كتابتها ودخول التاريخ عن طريقها. يقول نجل كادير:" تدخل قائد القوات المسلحة الجوية الموريتانية شخصيا المرحوم المقدم محمد ولد عبدالقادر على متن طائرته، وفك الحصار عن قواتنا المطوقة على مشارف انواكشوط منقذا العاصمة من احتلال العدو"(2).

شارك كادير، تقريبا، في كل تدخلات الطيران الموريتاني ضد الصحراويين أثناء الحرب، وظل يعاند حتى يوم 16 جويلية 1977م، الذي كان آخر يوم يصعد فيه كادير إلى السماء ليقاتل الصحراويين. كانت الأخبار التي تصل من الموريتانيين الشرفاء إلى إخوانهم الصحراويين تقول لهم أن كادير هو الذي يرمي عليهم القنابل، وأنه لازال يفتخر أنه ساهم في مقتل الولي ولو بطريقة غير مباشرة. وضع الصحراويون كادير في تقاطع صليب الرماية، وبدوا يتحينون الفرصة للإيقاع به وإسقاط طائرته، بل أصبح اصطياده عملية ملحة. 

محاولة اصطياد طائرة كادير في قليبات لكلية

ابتداء من عملية عين بنتيلي، ركّز الصحراويون هجوماتهم على موريتانيا، وتحولت ثكنات الجيش الموريتاني قرب المدن وبداخلها إلى  أهداف سهلة للقوة الصحراوية الساحقة. فحين يشن المقاتلون الصحراويون هجوما على مدينة موريتانية، تكون هناك، دائما، قطعتا سلاح مضاد للطيران في حالة جاهزية لقنص الطائرات أو، تحديدا، لقنص طائرة كادير الذي كان الطيار الوحيد المعروف لدى المقاتلين الصحراويين. في عملية كليبات لكلية 8 فبراير 1976م، تم تثبيت مدفعي هاون 10B على السهب أسفل المرتفع، وهو المكان الذي يقال أن الطائرة الموريتانية التي تأتي بالذخيرة يمكن أن تنزل فيه، وأنها في مرات سابقة نزلت في ذلك المكان. يقول محمد عالي()، رامي أحد هاونات 10B الصحراوية، الذي حاول اصطياد طائرة كادير في تلك العملية:" رأينا الطائرة تقترب من السفح. كان علينا أن ننتظر حتى تلامس الأرض لنطلق نحوها قذائف هاون ب10 لندمرها. اقتربت الطائرة من السهل ونزلت وقت العصر. في سباق مع الزمن، وجَّهنا نحوها الهاون، وبدأنا نضبط المسافة بسرعة. حين أصبحت القذيفة جاهزة لإصابة الهدف طارت الطائرة. كانت المدة التي فصلت إقلاع الطائرة وسقوط القذيفة في مكانها لا تكاد تصل إلى 5 ثواني فقط. أحد الأسرى الموريتانيين الذين أُلقي عليهم القبض في تلك العملية اعترف لنا أن تلك الطائرة كان يقودها كادير."(3). يتبع

-

1-  مذكرات كادير، الانترنيت 

-2-  مجلة نوافذ، بتاريخ 12\7\2016 

3- تدوينات باليد، إنتاج الناحية الثالثة الصحراوية عن ملاحم جيش التحرير الشعبي الصحراوي، المسابقة العسكرية سنة 1993م 

blog-sahara.blogspot.com.es 

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء