ارتياح الجيش
بدا الجيش أكثر ارتياحا بعد نجاح المؤتمر. بالنسبة لهم، المؤتمر هو محطة شغلتهم شهورا عدة عن الاهتمام بالحرب واختراع الأساليب الناجعة لمواجهة عدو متحالف مع رموز الإجرام ومع الشيطان. كان لا بد من توقّف كل التحضيرات العسكرية حتى يتم المرور من فوق جسر المؤتمر الإجباري؛ أول مؤتمر يُعقد منذ العودة إلى الحرب. الانطباع العام قبل الموعد أن المؤتمر سيكون حساسا، وسيكون مؤتمرا للحرب خاصة أن العدو، المدعوم بإسرائيل، أصبح متواجدا في السماء وفي الأرض وفي الهواء وعلى الحدود، ويمكن أن يرتكب حماقة في أية لحظة. لكن من يرى الجيش، بكل اذرعه، كتلة واحدة يقِظة متحفزة، يعرف أن الوحدة الوطنية لا يمكن استهدافها، وأن الشعب الصحراوي محمي بالله وبالجيش.
بعد نهاية الجلسات الحاسمة ونجاح المؤتمر، حدث انقلاب في حديث الجيش. نسوا ما دار في المؤتمر، ونسوا تلك النقاشات الطويلة وتلك الاقتراحات التي كان المشاركون يتداولونها. بدأ حديث مختلف عن موضوع آخر يشغل بال المقاتلين ويزعجهم. "يجب ايجاد السلاح لإسقاط طيران العدو، خاصة الدرون". يرفع معنويات المقاتلين التلميحات التي جاءت على لسان الرئيس أثناء رده على التساؤلات الخاصة بالتقرير الأدبي. "تفوّق درون سيصبح من الماضي، وسيُهزم مثلما هُزم طيران جغوار في السبعينات". الحديث يتشعب، يتفرع ثم يلتقي في نقطة المنتصف أو المحور وهي كيف نهزم الطيران المُسير، ومتى سنحصل على السلاح. التلميحات مشجعة: عما قريب ستتغير المعادلة، لكن يجب التحضير جيدا. لم اسمع أحدا يتحدث عن كذا وماذا مما لا يخدم موضوع الحرب والقتال. بالنسبة للجيش، لا يوجد موضوع آخر مهم للنقاش ما عدا القتال وكيفية تطويره.
**
غير بعيد عن نخيلات دائرة العين البيضاء يوجد مَعلمان آخران من معالم ولاية الداخلة هما مدرسة الشهيد سيدي حيذوك ومدرسة الشهيد السيد يحظيه ورگة. هما مدرستان تاريخيتان أو هما-بالإضافة إلى مدرسة 10 ماي- أول مدارس في الولاية، وإن لم تكن الأولى فهي الأشهر. وقفت امام باب مدرسة سيدي حيذوك متأملا. الاسم لازال مكتوبا عند المدخل، لكن المدرسة خالية لأن التلاميذ في عطلة.
عمْر المدرسة المذكورة قد يعود إلى سنة 1977م، وتحمل اسم البطل الشهيد سيدي حيذوك الذي قاد الكتيبة الأولى من الناحية الأولى، وحين استشهد كان يقود الناحية الأولى نفسها. يوم 12 سبتمبر 1976م، كان سيدي حيذوك، قائد الناحية الأولى، يرافق الكتيبة الأولى من نفس الناحية، بقيادة حرطن ولد زويدة للهجوم على عوينات الحلفة غير بعيد عن الزاك. على الساعة الثامنة مساءً حدث الهجوم على عوينات الحلفة واستشهد سيدي حيذوك وعمره 22 سنة. كان أول وأصغر قائد ناحية يستشهد رحمه الله.
حين كنت واقفا أمام مدرسة سيدي حيذوك خرج رجل من المدرسة القديمة المجاورة فسألته هل هو من ولاية الداخلة؟ اجابني أنه ازداد في ولاية الداخلة، ودرس في مدرسة سيدي حيذوك التي كنت أقف عند بابها، وتخرّج منها، وأنه الآن أب لثلاثة أبناء أكبرهم عمره خمسة عشر سنة.
المدرسة المجاورة هي اطلال الآن تعوي فيها الرياح، تربض فيها الشاحنات. كان اسمها، في البداية، مدرسة الشهيد السيد يحظيه ورگة، ثم أعادت دولة النمسا بنائها فأصبحت تحمل اسم مدرسة النمسا. لكن السيد يحظيه ورگة يبقى بطلا خالدا. هو الآخر، مثله مثل سيدي حيذوك، قاد الكتيبة الأولى من الناحية الأولى واستشهد مثله في السنوات الأولى للحرب. تتجاور المدرستان اللتان تحملان اسم بطلين قاتلا متجاورين معا، وقادا نفس الكتيبة البطلة التي ستحمل، فيما بعد، اسم كتيبة الشهداء واستشهدا في السنوات الأولى للحرب بعيدا إلى الشمال. الاثنان استشهدا في أقصى الشمال، والاثنان حاول شعبهم تخليدهما بإطلاق اسميهما على مدرستين متجاورتين في ولاية الداخلة؛ في أقصى نقطة من منطقة اللجوء.
في الأخير، شكرا لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي على سهرهم على مصير شعبهم، وشكرا لولاية الداخلة على روعتها وعلى حسن ضيافتها.
blog-sahara.blogspot.com.es
من صفحة السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء