في المؤتمر تحمّل جيش التحرير الشعبي الصحراوي مسؤولية نجاح المؤتمر، وقبض بيد من وفاء لدماء الشهداء على صمام أمان الوحدة الوطنية. لم يكتف الجيش بتحمل المسؤولية في إعلان الحرب وتصدّر المشهد في المؤتمر، لكن بدا حريصا على الوحدة الوطنية متمسكا بها، ومستعد للدفاع عنها بكل ما يملك من سمعة وقوة. لا تهمه لا انتخابات ولا مسؤوليات ولا اصطفافات، لكن الوحدة الوطنية كانت خطا أحمرا. الوضع وضع طوارئ وحرب ولا يحتمل مزيدا من التنظير والخطابات وتفصيل القوانين بقدر ما يحتاج وحدة وطنية والالتحاق بالميدان في اليوم الموالي. الحرب ليست لعبا والذين لا علاقة لهم بالميدان والقتال ولا يقفون في حفرة النار يفقد خطابهم الكثير من المصداقية أو كلها. خلف الجيش يصطف جيش آخر من المناضلات والعريفات دفاعا عن الوحدة الوطنية. تلاحم الجيش والعريفات والمناضلات يرفع تيرموميتر المعنويات ويبصم على نجاح المؤتمر.
**
نُخيلات العين البيضاء
الوقوف أمام نخيل دائرة العين البيضاء يشكل لحظة مميزة ونادرة لزوار ولاية الداخلة. صورتك وأنت تقف أمام نخيلات دائرة العين وتلتقط صورا سيلفي يعادلها في المخيلة وقوفك أمام برج ايفيل أو برج بيزا المائل في باريس أو روما. تمثل تلك النخيلات الصامدة رمزا لولاية الداخلة أو تعتبر هي شعارها. لحظة وصولي إلى النخيلات كان شيخ يقف هناك يتأمل النخيلات. احمد سالم، مقاتل متقاعد. سألته عن قصة أو تاريخ النخيلات، وبعد أن تأملني سألني: هل أنت أحد ابناء الداخلة العائدين من إسبانيا ام جئت مشاركا في المؤتمر؟ بعد السؤال واصل حكيه: نحن هنا يابني في ولاية الداخلة نعاني من البعد ومن اللجوء مرتين. ولايتنا لا تتبدل ولا تتغير، تعيش هنا صامدة تقاوم الحر والبعد والعواصف وأحيانا الفيضانات، لكن بكبرياء. هذا المشهد الذي يرسمه المؤتمرون وهذا الغبار وهذا الصخب وهذا الجو الاحتفالي الذي ترى سينتهي، وتعود ولاية الداخلة إلى صمتها الأبدي وإلى حياتها الصامتة". ويصمت ينظر إلى النخيلات تتراقص أغصانها في الأعلى، ثم يضيف " نعم، هذه النخيلات قديمة، وكانت بداخلها عين ماء تحمل اسم عوينة بلقرع. إنها قصة قديمة، ويمكنك أن تسأل عنها الاباء". يصمت من جديد، ينظر إلى أعلى. تتراجع ذاكرتي إلى الماضي. من هو هذا البدوي الذي يُسمى "بلقرع" الذي أتت به الأقدار إلى هنا ليحفر البئر ويزرع النخيلات التاريخية التي ستعطي لهذا المكان بعدا تاريخيا، ويصبح يسمى ولاية الداخلة الرائعة.
أين كانت تلك الخيمة؟
لم تجذبني نخيلات دائرة البيضاء فقط، لكن جذبتني ذكريات قديمة تعود إلى سنة 1989م. في تلك السنة، وأنا مقاتل في فيلق الشهيد الناجم التهليل، فزت بمسابقة ادبية وطنية، وكان عنوان النص الفائز هو " لماذا لا تقتل الليل يا أبي؟ احتفى بي الجيش، وتم استقبالي وحدي في دائرة العين البيضاء، وحين دخلت إلى الخيمة أخبر مرافقي صاحبة الاستقبال إنني كاتب. بعد تبادل السلام قالت لي تلك السيدة: "بما أنك كاتب، هل ستكتب عن ولايتنا. نحن لاجئون مرتين". ورغم مرور السنوات لازالت تلك الكلمات ترن في قاع ذهني. ها أنا الآن أقف أمام نخيلات دائرة العين البيضاء، غير بعيد عن مكان الاستقبال سنة 1989م. سأتسلل كلص ينتعل خفين من مخمل واهبط إلى أسفل فربما اهتدي إلى مكان خيمة تلك السيدة التي نسيت اسمها فربما تتذكرني، وربما أكتب أنا أيضا عن ولاية الداخلة. كانت قرب خيمتها، آنذاك، شجيرة صغيرة. الآن هناك اشجار كبيرة كثيرة وخريطة المكان تغيرت وتغيرنا نحن كثيرا. لم اهتد إلى المكان ولا إلى الزمان. لم يبق إلا انتظار مغادرة ولاية الداخلة رفقة ذلك الاحساس الأزلي أن تلك الولاية تعيش في مكان اخر وفي زمن آخر. يتبع
blog-sahara.blogspot.com.es
من صفحة السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء