انقلاب الحسن الثاني على عهد والده



في الأديان، الأخلاق، العادات، التقاليد، الأعراف وبعامة في كل شيء متعارف عليه لا يوجد أي
نوع من البشر- كل البشر-  أينما تواجدوا، حتى في الكهوف والأدغال، حتى في المناطق التي لا زال فيها الناس لا يلبسون سوى أوراق الشجر، وحتى الكائنات مثل الحيوانات أو في الكثير منها لا يوجد من تسمح له نفسه أن ينقلب على أجداده وآبائه وصنيعهم ما عدا أبناء وأحفاد الملوك العلويين المغاربة. فهؤلاء كلما تربع أحدهم على العرش إلا واستل سيف العداء للوالد الميت وراح يردمه ويردم عهده قبل أن يجف ثراه بكل ما وأتي من قوة ودهاء حتى يحوله في نظر العامة إلى شبه مجرم.
فهذه الأسرة التي لا زالت تحكم في عصر غير عصر الأسر والمماليك معروفة تاريخيا أنها من أشهر الأسر الحاكمة التي عاشت بقوة الانقلابات الخفية والخدع والانتقام من عهود سابقيها وصفحات تاريخ المغرب مليء بالحوادث الشاهدة على ذلك.          
فملك المغرب الحسن الثاني متهم في الذاكرة الشعبية المغربية بالتآمر على والده، فيقال أنه كان الوحيد المسموح له بالدخول – عدا الأطباء- على والده محمد الخامس حين كان مريضا في المستشفى، وأن الوالد ربما كان يعاني من مرض خفيف جدا لا يرقى إلى الخطورة. حين مات بطريقة مفاجئة وُضعت علامات استفهام كثيرة  حول موته. لما أعلن القصر عن موته، بدأ الناس في الشارع يتساءلون عن سبب الموت الحقيقي،  خاصة أنهم كانوا يسمعون ان الملك تعافى، لكن حاكم القصر الجديد الحسن الثاني لم يترك مجالا للمزيد من الأخبار أن تشيع أكثر، فأمر بمعاقبة ومتابعة كل من يتحدث في الأمر. وفي واقع الأمر فإن المتهم الأول - حسب الشارع المغربي – بالتآمر على موت محمد الخامس لن يكون سوى ولده الحسن الثاني، لأن بعض التقارير قالت آنذاك  أن الملك المتوفى محمد الخامس كان قد خضع فقط لعملية بسيطة تجرى للناس في الشارع دون أن يشعروا بها. إن هذا أمر كان شائعا عند المغاربة والصحراويين المسنين، وهو أمر قد تبحث فيه الذاكرة الجماعية المغربية ذات يوم من أيام التاريخ القادم وتكشفه ليضاف إلى سجل هذه الأسرة العلوية المعروفة بانتقام بعضها من بعض، وتاريخها مليء بمثل هذه الانقلابات التي ينفذها الأبناء على آبائهم.
لكن لماذا يتهم الحسن الثاني بتدبير التخلص من والده محمد الخامس..؟
فبقراءة الواقع السياسي الذي كان سائدا آنذاك وصار الآن تاريخا، فإن فرنسا كانت على خلاف سري دائم مع محمد الخامس، وأنها نفته إلى مدغشقر بسبب عصيانه ضدها، وأنه خدعها بمصالحته معها. فمن خلال المصالحة التي حدثت بين فرنسا ومحمد الخامس حصل المغرب على الاستقلال الداخلي، وحصلت الأسرة العلوية على تشريع فرنسي ومغربي ببقائها في السلطة، وهو الأمر الذي استغله محمد الخامس جيدا ليظهر في عيون شعبه كبطل تاريخي يلتف حوله الجميع. فحين حصل على ما أراد بدأ يبتعد بقاربه عن شاطئ فرنسا شيئا فشيئا ويتجه ببلده إلى الاستقلال التام والخروج من تحت المظلة الفرنسية التي كان البقاء تحتها آنذاك فضيحة. لقد كان عصيان محمد الخامس غير المعلن لفرنسا وخداعه لها من الأسباب التي جعلتها تجذب الحسن الثاني من يده وتطلب منه أن يتربع على كرسي السلطة في المغرب، والمعني الخفي لذلك هو أنه عليه أن يتخلص من والده محمد الخامس .

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء