المقاومة الصحراوية السلمية: تأسيس البوليساريو والدولة الصحراوية كنوع من تقرير المصير

تأسيس البوليساريو والدولة الصحراوية كنوع من المقاومة لممارسة حق تقرير المصير 
 
 إن خيبة أمل الصحراويين في أن تفعل المنظمات والهيئات الدولية أي شيء يمكنهم من تقرير مصيرهم جعلهم يقتنعون أن لا تقرير مصير بدون مقاومة وكفاح على الأرض. فانتفاضة الزملة السلمية سنة 1970م كانت هي أول عمل دشن به الصحراويون كفاحهم الطويل الذي اتى بعد ذلك، والذي كان في بعض الأحيان سلميا وفي بعضها الآخر بالسلاح. إن الكفاح المرير والشاق الذي خاضه الصحراويون كان يرمز إلى أن هناك قناعة أصبحت مترسخة في العقلية الصحراوية مفادها أن تقرير المصير وتصفية الاستعمار لا بد لهما من مقاومة مادية. ولم يكتف الشعب الصحراوي بملحمة الزملة كي يؤكد للعالم ولنفسه أنه أصبح مقتنعا أن لا تقرير مصير بدون كفاح، إنما أعلن عن تأسيس جبهة البوليساريو والدولة الصحراوية لينظم قواه ويبدأ الكفاح حتى يجسد تقرير المصير على الأرض. ولم يقتنع الشعب الصحراوي بتنظيم نفسه وبداية المقاومة من أجل تقرير المصير، لكن، من جهة أخرى قرر أن يقوم بجميع أنواع المقاومة والكفاح في سبيل التمتع بهذا الحق المكفول في جميع القوانين الدولية. ففي حين كانت الجماهير الصحراوية المسالمة تخوض الكفاح السلمي في المدن المحتلة كان جيش التحرير الشعبي الصحراوي يخوض المعارك العسكرية الكبيرة كي يؤكد للعالم أن هذا الشعب سوف لن يتراجع عن هدفه وهو الحرية والاستقلال( تقرير المصير).  
 
تأسيس الدولة الصحراوية كنموذج للمطالبة بتقرير المصير
إن تأسيس\ إعلان الدولة الصحراوية في فبراير 1976م لم يكن، حسب تقدير الكثيرين، كتأسيس\ إعلان أي دولة في العالم. فمعنويا ورمزيا تأسيس دولة، للمرة الأولى في التاريخ، للصحراويين أو للعنصر الصحراوي فقط؛ دولة لها عَلَم واسم ولها وطن محدد بخريطة ولها جواز سفر هي لحظة تاريخية لا تُنسى أبدا. فالصحراويون المتعبون تاريخيا من الحروب والحصار والمطاردة والتمزق والاستعمار؛ الصحراويون الممزقون بين دول شتى والذين تطاردهم، هم وجمالهم واندروفيراتهم،  دوريات حراسة الحدود من الشمال والجنوب، وتفتشهم مراكز الدخول عند كل مُقار في الطنطان، التندوف وزويرات؛ الصحراويون الذين لا أوراق ثبوتية لهم ولا هويات ورقية ولا فيزات، الذين يدخلون الدول المجاورة ليلا وسرا، مسحوا، أخيرا، عرقهم وأصبحت لهم دولة.. ورغم إنهم كانوا موجودين ماديا، ثقافيا وتاريخيا على الأرض، على أرض الصحراء الغربية أو الساقية الحمراء ووادي الذهب، لكن كان العالم، وبالخصوص جيرانهم، ينظر إليهم على أساس أنهم ناس أشداء خارجين عن القانون. كان أيضا الذين لهم احتكاك وتواصل معهم أو الذين يسمعون عنهم يسمونهم كل حسب جبلته: الاستعمار الأسباني يسميهم "أبناء الغيوم والرجال الزرق"؛ الموريتانيون يسمونهم "أهل الساحل" وربما إن بعضهم كان يقول لمن أغضبه: "الله يرسل لك أهل الساحل" كناية عن شدة المراس. في الشرق كان الجزائريون ينادونهم "ناس الصحراء" أما المغاربة أو المغربيين فكانوا يسمونهم "لعريبات" وكانوا يخشونهم منذ زمن السلطان المنصور الذهبي. أما المشارقة، أو عرب المشرق، فكان الذين سمعوا منهم بالصحراويين فيقولون لهم " أهل الساقية" والأولياء وربما إن منهم من ينسب نفسه إليهم.
كان الصحراويون موجودين كشعب فرض نفسه وقاوم الابتلاع والاستعمار والتفكيك والتفتت والذوبان، لكن الدولة، كدواليب ونظام مدني وبناء ومؤسسات، فلم تكن سوى حلما مطحونا بسبب قهر الاستعمار الأسباني. فعلى مدى قرون من وجود الشعب الصحراوي وتوفر كل مقومات الدولة: أرض، ثقافة، كيان، لغة وتاريخ مشترك، إلا أن الحروب لم تترك هذا الشعب، ولو مرة واحدة في التاريخ ، أن يؤسس دولته. كانت الصحراء مشتعلة دائما حروبا ونارا ودخانا: الصحراويون هم من منع البرتغاليين والأسبان من استعمار القارة الإفريقية في القرن الخامس عشر؛ هم من منع سلطان المغرب، المنصور الذهبي، من الوصول إلى ذهب إفريقيا في القرن السادس عشر، وهم من منع فرنسا من السيطرة على شمال غرب إفريقيا كله في القرن العشرين، وهم إذا أردنا قول الحقيقة، أخر مقاومة وضعت السلاح في المنطقة. أما حين تأسست الدولة الصحراوية، سنة 1976م، فلا نستطيع إلا أن نسجل أن الصحراويين كان لهم الفضل في وقف الزحف المغربي التوسعي نحو موريتانيا ونحو الحدود الجزائرية الغربية. لكن كل هذا الوجود الحافل بالأمجاد غير المدونة لم يتم تجسيده كدولة إلا في سنة 1976م. فكأنما حدث مخاض طويل، صعب، عملية قيصرية، أو كأنما تكسرت قوقعة شديدة الصلابة كانت تفصل هذا الشعب عن العالم الخارجي.   

إنها سخرية قدر أو شيء له أسرار في ما وراء الطبيعة أن يظل الحرب والنار والبارود مرافقين للشعب الصحراوي. فحتى إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، يوم 26 فبراير 1976م، كان تحت النار، القصف، المعارك والبارود.
من الناحية القانونية الإعلان كان يتوافق مع كل المبادئ ومع مجريات ما يحدث على الأرض: أسبانيا انسحبت دون أن تمكن الشعب الصحراوي من فرصة يقرر فيها مصيره؛ الأمم المتحدة لم تعترف للمغرب وموريتانيا بالسيادة على الأرض ما دامت فرصة استشارة الشعب الصحراوي لم تتم. .    
إن إعلان الدولة الصحراوية، كان بمثابة وضع اسم الصحراويين في قائمة العالم وقائمة الدول والشعوب. أصبح الصحراوي المطارد على الحدود، المشتت بين الدول والكيانات؛ الصحراوي الذي تتاجر به أسبانيا وتطلب وده موريتانيا والمغرب، أصبح له عَلَم له ظل، له جواز سفر واسم معترف به. أصبح له جيش قوي تُدرس عملياته في الموسوعات العسكرية العالمية؛ جيش تخشاه جيوش المنطقة؛ أصبح الصحراوي يجول في كل العالم باسمه الخاص وليس باسم آخر، بل وصل به الأمر إلى إن أصبح يمر بدون جواز سفر.
إن إعلان الدولة الصحراوية الذي تزامن مع الغزو هو أكبر تعبير على القدرة على تجسيد تقرير المصير وعلى السيادة والتمسك غير القابل للنقاش بالاستقلال. فحين يتم إعلان الدولة، فإن هذا يعني لا تراجع عن الاستقلال مستقبلا، حتى لو كلف ذلك فناء الشعب بأكمله.

من خلال ما رأينا يمكن القول بالكثير من العناد أن الشعب الصحراوي له الحق في أن يواصل كفاحه ليس السلمي فقط، إنما أيضا، المسلح كذلك حتى يحصل على استقلاله. فكل القوانين والمواثيق الدولية وكل المحاكم المعترف برائها أعطت الضوء الأخضر لشعب الصحراء الغربية كي يقاوم بكل الأشكال.
على الأرض أيضا نجد أن الصحراويين كشعب لم يخذلوا القانون الدولي الذي يقف إلى جانبهم، بل عاضدوه حتى يبقى قائما؛ فهم، حتى قبل أن تخرج أسبانيا من أرضهم، لم يتوقفوا عن الكفاح بكل أشكاله، مسلحا كان أم سلميا، وعلى ما يبدو أن فإن مقاومتهم لا توجد مؤشرات أنها ستفتر أو تنقص. فحين طلب العالم وقف إطلاق النار أوقف الصحراويون الحرب وبدؤوا المقاومة السلمية، لكن إذا لم يحصل شيء من المفاوضات والمساعي الأممية فإنه من الأكيد أن العودة للكفاح المسلح هي ورادة أو مؤكدة.
إن الذي جعل حق تقرير المصير في الصحراء الغربية يبقى قائما هو أن الشعب الصحراوي لم يبق يطالب به فقط نظريا في المحافل الدولية إنما أرفقه بالمقاومة والكفاح على الأرض، وأكد للعالم أنه يستحقه فعلا.          
















يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء