أخترع بيكر خطة أخرى
سماها" مخطط سلام لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية." لا تبتعد كثيرا عن
الأولى؛ تنص على قيام حكم ذاتي لمدة 5 سنوات في الصحراء الغربية، يجري بعده
استفتاء يشارك فيه الصحراويون والمستوطنون. ورغم قبول الولايات المتحدة الأمريكية
وإسبانيا والجزائر والبوليساريو وموريتانيا لها إلا أن المغرب رفضها. في مجلس
الأمن تمت المصادقة على الخطة، ووصفها قرار مجلس الأمن رقم 1495(03) " أنها
تشكل حل سياسي واعد مبني على اتفاق بين الطرفين." لكن المغرب وفي رسالة مؤرخة
يوم 9 أبريل 2004م إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تملص من كل التزاماته السابقة
مع الأمم المتحدة والوحدة الإفريقية، وكتب يقول أن" النظرة الرسمية المغربية
توضح أن حل الحكم الذاتي(..)، الذي يستثنى منه بالتحديد خيار الاستقلال، سيُعطى
لسكان الإقليم. كذلك سيكون من غير المقبول أن يناقش المغرب مع أي كان وحدته
الترابية."([1])
مخطط بيكر الثاني لا يبتعد
كثير اعن خطة غير شرعية كانت الأمم المتحدة قد طبقتها في " غينيا الغربية
الجديدة" التي كانت تسمى قديماIrián Occidental ، ويسكنها شعب أسمه البابويس. فحين حصلت اندانوسيا
على استقلالها، في بداية الخمسينات، من هولندا، بدأت تطالب بإقليم غينيا الغربية
الجديدة الواقع أيضا تحت السيطرة الهولندية. رفضت هولندا والأمم المتحدة معالجة
الموضوع، فقامت اندنوسيا بشن حرب عصابات على هولندا في الإقليم المذكور بين سنتي
1961 و1962م. تدخلَ الأمين العام للأمم المتحدة يوتانت، وعين مبعوثا خاصا اسمه
بونكر من أمريكا إلى الأطراف( نفس الشيء فعله عنان حين عين بيكر مبعوثا خاصا
للصحراء الغربية). قام المبعوث الأممي\ الأمريكي آنذاك، بونكر، بدعم غير مباشر من
أمريكا بإجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين الهولندي والاندنوسي تكللت بالاتفاق على
خطة تقضي بتسليم الإقليم إلى الأمم المتحدة، وهذه الأخيرة تسلمه إلى أندنوسيا لمدة
خمس سنوات ثم يجري استفتاء لتقرير المصير يشارك فيه المستوطنون وتقرر نتيجته جماعة الأعيان. وفعلا جرى الاستفتاء بعد ست سنوات
طويلة، لكن لم يشارك فيه الشعب، إنما شارك فيه وجهاء وشيوخ القبائل فقط، وقبلوا
الانضمام إلى اندنوسيا. ورغم أن العملية غير شرعية لإن الشعب - صاحب السيادة- لم
يشارك فيها، إلا إن الأمم المتحدة قبلت ذلك وطوت الملف في واحدة من أفشل تدخلاتها
في قضايا تصفية الاستعمار.
خطة بيكر أو مخططه الثاني
يقضي بتسليم الإقليم إلى المغرب لمدة خمس سنوات، يتبعها استفتاء غير مضمون التنظيم
تشرف عليه الأمم المتحدة التي تريد التخلص من قضية الصحراء الغربية- ولو لصالح
المغرب- مثلما تخلصت في سنة 1969م من قضية غينيا الجديدة.
رفض المغرب خطة بيكر أو
مخططه. في العمق كان الرفض بغمزة أمريكية. المهم، أقتنع بيكر أن المغرب لا يريد
النقاش معه بعد الآن، فملَّ ورمي المنشفة واستسلم في النهاية. من زاوية ثانية لا
بد أن تكون المقايضات السياسية حاضرة في قضية الاستقالة. قبل أن يستقيل بيكر بشهر،
كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بوش الابن، يتفاوض مع المغرب لجعله "
الحليف الأول الذي لا ينتمي لحلف الناتو" في المنطقة، والظاهر أن قبول المغرب
لهذا العرض جعله يشترط ضرورة أن يقنع بوش،
صديق العائلة القديم – بيكر- بالاستقالة. وليس هذا فقط، بل أن المغرب قَبِلَ إن
يتم فتح سجون على أراضيه لمعتقلي طالبان والعراق، وأن يتم استعمال أرضيه من طرف
أمريكا " لمحاربة الإرهاب.".
قبل إعلان الاستقالة، كتب بيكر مذكرة بعثها إلى أعضاء مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والعربية السعودية. في متن
المذكرة قال أن "سبب الاستقالة راجع إلى العراقيل المختلفة التي أدت في
النهاية إلى طريق مسدود."([2]) لم تكترث الولايات المتحدة
الأمريكية وفرنسا بما حصل، بينما رجاه العالم الآخر أن يعدل عنها، في حين أن
الصحافة المغربية الرسمية وصفت الاستقالة بالانتصار الساحق. كان غير قادر على تحمل
المزيد من الضغط المعنوي والنفسي. لقد اكتشف انه لا توجد جدية في مجلس الأمن لحل
هذه القضية، وأنها قضية خاضعة لمساومات أكبر من قدرة الأشخاص وأكبر من قدرة الأمم
المتحدة نفسها. لقد تعب حصان كوفي عنان الذي امتطاه طيلة توليه لمنصب الأمين العام
ليجد حلا لقضية الصحراء الغربية العصية. ورغم إن بيكر لم يقدم الكثير لصالح الحل
الديمقراطي والشرعي للقضية إلا أنه شكل
إزعاجا حقيقيا للمغرب بسبب صلابته وعدم اختراقه مثل سابقيه. ورغم ذهابه أو إقالته
أو استقالته إلا انه ترك القضية في إطارها العام وهو تصفية الاستعمار.. في يوم 19
اوت 2004م، صرح بيكر لقناة تلفزيونية بريطانية، قائلا:" عندما كنا في أقرب
نقطة إلى تطبيق مخطط التسوية، وكنا قريبين جدا من ذلك(...) كان المغاربة يبدؤون
متشنجين أمام احتمال إن لا يربحوا الاستفتاء(...) لقد توصل المغاربة إلى نتيجة وهي
أنهم سوف لن يكونوا قادرين على المجازفة في قبول استفتاء مثل هذا وفي مثل هذه
الظروف.(..) كان المغرب متعنتا أن يبقى هناك(..) مع ذلك هناك أمل لإنني لا أعرف
بلدا واحدا في العالم يعترف بمطالب المغرب في الصحراء الغربية(..) إن المغرب يحتاج
تشريع عالمي بمطالبه، ولهذا فإنه من مصلحته الخاصة أن يجد خلا ويتخلص من
المشكلة."([3])
ومضى كوفي في محاولة الابتعاد عن سكة الشرعية
الدولية شيئا فشيئا، لكن الحضور الصحراوي، خاصة في المناطق المحتلة بالانتفاضات،
لم يتركه يفعل. الانتفاضة المتواصلة أقنعت العالم أن الشعب الصحراوي ليس
البوليساريو فقط، إنما هناك شعب كامل رافض للاحتلال في المناطق المحتلة. في مجلس
الأمن تم تبني قرار يوم 28 أكتوبر 2004م، تحت الرقم 1570 يتمنى" التوصل إلى
حل عادل ودائم ومقبول يسمح بتقرير مصير الشعب الصحراوي في إطار المبادئ والأهداف
العامة المنصوص عليها في قانون الأمم المتحدة."
لم تذكر التوصية مخطط بيكر
ولا مخطط التسوية.... بعد ذلك أصبح عمل الأمم المتحدة مقتصرا على إصدار توصيات لا
تعني أي شيء على الأرض، ماعدا تمديد تواجد البعثة في الإقليم، والحث على تقوية
احترام قوانينها في تناسي تام أنها أصبحت، منذ فشل مخطط التسوية ومخطط بيكر، فاقدة
لشرعية التواجد.
عدم نجاح بيكر في مهمته رجع
بالدرجة الأولى إلى أن كوفي كان لم يكن مقتنعا بفكرته وهي محاولة تنظيم الاستفتاء.
ومثله مثل ديكويار الذي تمت مكافأته من طرف المغرب على انحيازه الواضح للاطروحة
المغربية، فإن كوفي عنان أيضا، تمت مكافأته من طرف المغرب بالطريقة نفسها. ففي حين
كان كوفي عنان أمينا عاما للأمم المتحدة كان أخوه الشقيق سفيرا لبلده غانا في
المغرب. في عطلته التي تلت خروجه من المبنى الأزرق، كان كوفي عنان يطير إلى المغرب
ليقضي تلك الأيام الجميلة هناك وليحصل على مكافأته التي كان من بينها فيلات كبيرة
في الدار البيضاء والرباط.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء