في القانون الدولي،
الغزو والاحتلال بالقوة، سواء كانت الجيش أو الغزو البشري بالمسيرات مثلا أو أي
وسيلة أخرى تحدث بواسطتها غلبة مجموعة لمجموعة أخرى والاستيلاء على وطنها، أرضها
أو فضائها الجغرافي، هو ممنوع وخارج سياق العصر وقواعده وقوانينه. فمنذ اتفاقية
لاهاي سنة 1907م إلى يومنا هذا والعالم ينادي بأن الاحتلال ممنوع ومُجَرَّمْ.
حين
نتصفح القوانين واللوائح الدولية، الخاصة بالاحتلال والاستيطان، نعثر على نصوص
واضحة تضع المغرب، بعد احتلاله للصحراء الغربية، في خانة الدول التي تمارس
الاحتلال وتنتهك القانون الدولي الإنساني، وأكثر من ذلك وأخطر، تُحمله مسئوليات
جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
فمنذ
اليوم عمد المغرب إلى ارتكاب مخالفتين، أو جريمتي حرب وجريمتين ضد الإنسانية في
آن:
-الغزو
العسكري بالجيش والقوة ثم تحويله إلى احتلال، وهو انتهاك لكل المعاهدات والقوانين
التي تحدد طرق التعامل بين الأمم، الشعوب والدول.
-
بالتوازي مع الاحتلال العسكري بالقوة، حدث احتلال أخر محرم دوليا، يشبه الغزو
العسكري، تمثل في تعمد المغرب إغراق الصحراء الغربية بجيوش من المستوطنين في شكل
مسيرة مؤطرة ومنظمة. إن المسيرة التي تكونت من 350 ألفا التي زج بها المغرب في
الصحراء كانت بهدف تجريد السكان الأصليين من أرضهم، ممتلكاتهم ومن كل ما في
حوزتهم، وفتح الطريق أمام الاستيطان. إن المسيرة التي سماها المغرب " المسيرة
الخضراء" كانت وسيلة ترويع خطيرة للسكان الأصليين. فالذين شكلوا تلك المسيرة
وشاركوا في صفوفها الأولى كانوا، كلهم من دون استثناء، من ذوي السوابق العدلية،
المسجونين الذين أطلق سراحهم مقابل مشاركتهم في المسيرة، المخمورين والقمارين،
رجال العصابات الذين كانوا ينشطون في الشوارع المغربية في الدار البيضاء والرباط
ومراكش. إن كل هؤلاء ذوي العقليات المتشبعة بثقافة العنف، السرقة والجنحة تم
تهييجهم ضد السكان الصحراويين الأصليين ووعدهم بالثراء والثروة في الصحراء.
ولم
يتوقف الأمر فقط عند اقتحام وغزو عسكري ومدني للإقليم المنكوب، بل أنه، أيام بعد
ذلك، وبعد أن عبَّد الجيش والمسيرة الأولى الطريق وأمَّنوا المدن، بدأت جموع
المستوطنين الجدد، الذين سيصبحون فيما بعد نواة الاستيطان، تتوالى إلى الصحراء.
كان المستوطنون المغاربة مندفعين وراء داعية وتحريض عنصري قام بهما النظام الملكي
بعد استيلائه على الصحراء بالقوة. فبعد حوالي شهر من غزو الصحراء الغربية، تعمد
المغرب إعادة مئات من رجال المخزن من الذين شاركوا في المسيرة "الخضراء"
إلى الأحياء الفقيرة الهشة في المدن المغربية الكبيرة لينشروا بين الناس دعاية
تقول أن " الصحراء جنة، فيها الذهب، فيها السكن، فيها المعادن وفيها
العمل". إن مثل هذه الدعاية المقصودة الوردية التي تعِدُ الفقراء والخارجين
عن القانون بالثراء السريع، كانت تملأ رؤوس الكثير من المغاربة بالأحلام الوردية
وتحرضهم على الغزو والاحتلال. فالذين كانوا يسكنون في أكواخ الصفيح والبلاستيك في
نواحي الدار البيضاء ومراكش، صدقوا فعلا دعاية الحكومة المغربية، وبدأت تتراقص
وتتلاعب أمام أعينهم الأشياء الجميلة التي حُرموا منها، وحُرم منها آباؤهم وربما
أجدادهم في الماضي. خمسة عشر سنة بعد ذلك، في سنة 1991م، قام المغرب مرة أخرى
بإرسال مسيرة أخرى تتكون من 200الفا بحجة " أنهم صحراويون سيشاركون في
الاستفتاء"، لكن الحقيقة أنهم كانوا كلهم مغاربة ولم يكن الزج بهم في الصحراء
الغربية بهدف مشاركتهم فقط في الاستفتاء، بل كدعم جديد للاستيطان. لقد تم بناء
وتشييد لهم مخيمات على هوامش المدن الصحراوية تحمل اسم " مخيمات العودة"
وبقوا هناك حتى استفادوا، سنوات بعد ذلك، من مساكن ووظائف واستقروا.
كان المستوطنون مكلفين بأكثر من مهمة مثل:
1)-التضييق على السكان الأصليين
للصحراء المحتلة، وجعل حياتهم قطعة من الجحيم بخنقهم ودفعهم بالوقت وبالمضايقات،
إلى ترك الإقليم إما إلى الخارج أو إلى البوادي أو إلى الدول المجاورة.
2)- المهمة الثانية تتمثل في تكريس
الاستيطان وتحويله من احتلال إلى استعمار؛ أي أن الدولة المغربية ستساعد
المستوطنين على الاستقرار في الصحراء المحتلة وجعلها " وطنا" لهم. فمثلا
نجد أن الذين دخلوا الصحراء الغربية في المسيرة الأولى سنة 1975م، تركوا السكن في
دور وبنايات الصفيح وحصلوا على مساكن بُنيت خصيصا لهم في المدن الصحراوية. أيضا
حصلوا، بسهولة ويسر، على وظائف وسيارات أصبحوا من المتمكنين في مفاصل الحياة في
المدن التي استوطنوا فيها.
3)-إن جل المستوطنين المغاربة، رغم
أنهم يعملون ويتقاضون أجورا من أعمالهم المستقرة، فهم يتقاضون أيضا رواتب قارة من
الدولة المغربية التي تستعين بهم لقمع المظاهرات في المدن الصحراوية. فكلما خرجت
مظاهرة صحراوية تنادي بتقرير المصير، يتم الهجوم عليها من طرف المستوطنين
المدنيين. فمثلا لا يحتاج المستوطنون لأوامر أو تنظيم حتى يهاجمون الصحراويين؛
إنهم منظمون جيدا ويعرفون ما يفعلون. فكلما شاهدوا مظاهرة صحراوية أو تحرك في
الشوارع يخرجون ويتجمعون عند نقاط محددة ثم يهجمون على المتظاهرين
الصحراويين.
إن الغزو بالقوة العسكرية الذي قام به المغرب،
والذي تبعه احتلال طويل واستيطان يندرج في إطار جريمة العدوان وجريمة إرهاب الدولة
أو الجماعة. فحسب المقترحات المقدمة للأمم المتحدة من طرف الخبراء واللجان المختصة
الخاصة بتعريف جريمة العدوان نجد ما يلي: " إن
جريمة العدوان تعني: الضربة الأولى من قبل دولة ضد دولة أخرى بدون مبرر قانوني، أو
بدون أن يكون هناك عمل استفزازي من جانب الدولة المعتدَى عليها، وأن يكون على مدى
واسع النطاق. وتقع مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة على رئيس وقادة الدولة
المعتدية."
وبسحب التعريفات التي أقترحها أصحاب الاختصاص وفقهاء
القانون، فإن المغرب أقترف الكثير من أركان جريمة العدوان ضد الصحراويين. ورغم أن
الدولة الصحراوية أعلنت، بطريقة قانونية،
في الأيام الأولى للغزو، إلا المغرب تمادى في ارتكاب جرائم العدوان التالية
ضد شعبها:
- الغزو، المهاجمة، الاحتلال المسلح، القصف،
الحصار وإرسال فرق مسلحة أو غير مسلحة للقيام بأفعال قاسية في البلد المحتل.
1
إن كل ما قام به المغرب، حين ندقق
في استعمال المصطلحات، هو جريمة عدوان اكتملت شروطها ضد الصحراء الغربية وشبعها؛
فلا يوجد هناك أي مسبب\ مبرر، ولو بسيط، أو يوجد شبه اتهام، يجعل المغرب يقدم على
ما أقترف من جريمة غزو واحتلال. إن الصحراء الغربية أو شعبها لم يكن لديه أي
مشكلة، لا حدودية ولا سياسية، مع المملكة المغربية. أخطر من ذلك وأبشع إن جريمة
العدوان تمت بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية قراراها يوم 16 أكتوبر 1975م، والذي
أعلنت فيه صراحة إن المغرب لم " تكن له سيادة على الصحراء تاريخيا."
وإذا
أكدنا، بتعنت وبوعي حاد، على وقوع جريمة عدوان ضد الصحراويين، فإن هناك جريمة أخرى
لها ارتباط وثيق مع جريمة العدوان هي جريمة الإرهاب، خاصة إرهاب الدولة أو
الجماعة. فإرهاب الدولة هو " ﻫﻭ ﺍلاﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺍﻟﺘﻌﺴﻔﻲ ﻟﻠﻘﻭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺎﺤﺔ ﻤﻥ ﻗﺒل
ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺒﻌﺔ ﻟﻬﺎ، ﺃﻭ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺍلنافذة ﻓﻴﻬﺎ، ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻭﺠﻪ ﻀﺩ ﺃﻤـﻥ
وسلامة ﻭﺴﻴﺎﺩﺓ ﺩﻭﻟﺔ ﺃﺨﺭﻯ، ﺃﻭ ﻀﺩ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﻴﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻫﻭ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺍﻟﻭﺴﺎﺌل
ﺍﻟﻤﺤﺭﻤﺔ ﻹﺒﺎﺩﺓ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﻗﻭﺍﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ لأﺨﺭﻯ، ﺃﻭ ﻀﺩ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﻴﻥ الموجودين ﻓﻲ
ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺍﻷﺨﺭﻯ ﻷﺴﺒﺎﺏ ﻋﻨﺼﺭﻴﺔ، ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺃﻭ ﺇﻴﺠﺎﺩ ﻅﺭﻭﻑ ﻤﻌيشية ﺘﺘﻨﺎﻓﻰ ﻤﻊ
ﺤﻘﻭﻕ ﺍلإنسان ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻬـﺎ ﺘﻬﺠﻴـﺭﻫﻡ ﺒﺎﻟﻘﻭﺓ ﻤﻥ ﺃﺭﺍﻀﻴﻬﺎ أو إغراق تلك لأراضي
بالمستوطنين ". 1
و[1]يضرب
كمثل لإرهاب الدولة سلوك الأقلية البيضاء ضد الأكثرية السوداء زمن الابارتيد في
جنوب إفريقيا. نفس التصرف والسلوكات، مارسها\ يمارسها الاحتلال المغربي ضد
الصحراويين: التمييز العنصري، الفصل العنصري، الجرائم، المضايقات وما إلى ذلك من
مثل [2]هذه
التصرفات. ففي الحالة الصحراوية لم يمارس المغرب فقط مهمة الاحتلال أو الاستعمار،
إنما أرتكب جريمة الإرهاب. ففي الحالة العادية، ولنا في التاريخ أمثلة، يستهدف
الاحتلال أو الاستعمار الأرض كغاية، وبدرجة أدنى يستهدف سكانها، كأن يحاول مثلا إن
يستميلهم لكسب ودهم من خلال تعليم اللغة ورفع الأجور، فتح المشاريع. بالنسبة
للمغرب، كاحتلال، لم يستهدف فقط الأرض ينهبها ويسلبها ويسرقها، إنما ركز، بالدرجة
الأولى، على تصفية الصحراويين، وحاول إخلاء الأرض منهم. فمن طرق الإرهاب التي
مُورست بفظاظة ورعونة على الصحراويين، نذكر إرهاب المجموعات المنظمة. فالمغرب، بعد
غزوه واحتلاله للصحراء الغربية، قام بتجنيد جماعات من المستوطنين مختصة في إرهاب
السكان لأصليين. إن عمل الجماعات المذكورة يتركز على اللجوء إلى كل أنواع
المضايقات والترويع التي يمكن أن تخطر على بال. فمن بين الأعمال التي تقوم بها هذه
المجموعات( العصابات) نجد التخويف، الاتهامات، التبليغ للجهات البوليسية،
الاعتداءات، التهديد المباشر، استعمال العنف، اللجوء إلى كل أنواع الجريمة والجنحة
وممارسة كل أنواع التمييز العنصري. إن انتشار مثل هذه الجماعات في كل مدن الصحراء
الغربية، جعل الجو مكهربا، وأصبحت حياة
الناس المستهدَفين قطعة من الجحيم. إن الدمار النفسي الذي تلحقه المجموعات
المذكورة بالسكان الأصليين، يعتبر أكثر
تأثيرا مما قد يلحق بالأرض من دمار. إن هذا النوع من الإرهاب ( الإرهاب الجماعي
المنظم) محرم، هو الآخر، في القوانين والشرائع الدولية، ويُعرَّف كما يلي: " هو إرهاب
تقوم به جماعات منظمة تديرها وتشرف عليها دول(...) أو مؤسسات أو هيئات مختلفة[3].
ولم يرتكب المغرب فقط جريمة
إرهاب الدولة وجريمة إرهاب المجموعات، إنما، وفي نفس السياق، أرتكب جريمة أخرى هي
الإرهاب العفوي الذي تقوم به الجماعات غير المنظمة. فهذا النوع من الإرهاب تقوم به
مجموعات غير منظمة؛ أي مجموعات غير مؤطرة وغير تابعة لجهاز ما في الدولة. إن هذا
النوع من الإرهاب يكون أصحابه عادة مدفوعين بإيديولوجية سياسية، بحث عن تفوق عرقي،
أو رغبة في تحقيق انتصار جماعي. فمثلا حتى المستوطنين غير التابعين للحكومة
المغربية ولا للمخزن شاركوا، مدفوعين بغريزة التفوق والانتصار لحكومتهم، في إرهاب
الصحراويين في المدن المحتلة. فالمستوطن العادي يقوم كذلك، وهو يدري، بنوع من
الإرهاب الاجتماعي ذي التأثير المعنوي والنفسي. فمثلا حين تلتقي مجموعة من
المستوطنين العاديين مع الصحراويين في الشارع ينتهي لقاءهم عادة بمشادة أو عراك
بسبب تهجم المغاربة على الصحراويين واستفزازهم والتحرش بهم. هذا النوع من الإرهاب
يدخل في إطار أعمال العنف الاجتماعي التي يتم تعريفها في تُعرَّف كما يلي:
"هي الأعمال الإرهابية
الموجهة ضد المجتمع لفرض إيديولوجية معينة لجماعة ما على مجتمع يرفض مثل هذه
الايديولوجية لتعارضها مع الأفكار التي يتبناها. وقد تبرر هذه الجماعات الأعمال
التي تمارسها بغطاء ديني أو سياسي لتغيير السلوك الاجتماعي بالقوة."2
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء