الاستيطان
تعتبر الجريمتان التاليان جريمتي
حرب يعاقب عليها القانون الدولي:
"قيام دولة الاحتلال بنقل بعض سكانها إلى الأراضي التي تحتلها أو
ترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي.
- ممارسة التفرقة العنصرية
وغيرها من الأساليب المبنية على التمييز العنصري والمنافية للقيم الإنسانية والتي
من شأنها النيل من الكرامة الشخصية."
إن الجرائم، خاصة الجسيمة منها مثل
الإبادة، العدوان، جرائم الحرب التي أقترفها المغرب وقعت على شعب برئ، طيب، نقي
نقاوة الطبيعة التي كان يعيش فيها؛ شعب صغير يحلم حلما بسيطا، جميلا، نقيا نقاوة
السماء الشاسعة في الصحراء: الحرية . وربما أن هذا الشعب ظن، في لحظة من اللحظات،
إن هذا الحلم أصبح قريبا، بل اقرب مما يتوقع. فأسبانيا، التي كانت تخيف الصحراويين
بقولها لهم أنها ربحت 99 حربا، انكسرت، وبدأت تجمع أشياءها من هنا وهناك ولم يبق سواء
إعلان الاستقلال.
حين حدثت جريمة الغزو المغربي كان الوقع قاسيا،
مرعبا؛ كان كابوسا مفزعا يصيب كل من تعرض له بالصدمة. أول مرة في التاريخ يرى
الصحراويون الإبادة البشرية تحدث أمام أعينهم. ففي العُرف الصحراوي التاريخي تمنع
الإبادة حتى ضد الحيوانات والشجر. فالصحراويون كانوا يمنعون نحر مجموعة من الأبل
في يوم واحد، وكانوا يمنعون حرق الأشجار الخضراء ويعتبرونه جريمة. إنه لا يوجد
صحراوي واحد تصور أن دولة، مهما كانت رعونتها وبطشها، تستطيع أن تبيد البشر على
الهوية أو تدفن الناس أحياء أوترميهم في الطائرات. فرغم أن أسبانيا كانت تستعمرهم،
لكنهم لم يسمعوا من قبل بجريمة الاستيطان، الجرائم ضد البشرية، جرائم حرب والتمييز
العنصري. فبعد أن وقع عليهم العدوان وتبعاته، وراءوا أهلهم يُسحقون، يُسلخون،
يساقون إلى السجون، يُختطفون، أصبحوا يسمعون في إذاعات العالم وفي تقارير المنظمات
الدولية أن جرائم ضد البشرية ارتكبت في حقهم. لم يسمع الصحراويون أيضا، قبل الغزو
المغربي، الاختطاف القسري، الاعتقال، التعذيب، الاغتصاب، السب، الشتم، الخداع. لم
يسمعوا أيضا بالمخدرات، الخمر، السرقة الخطف، وبخلاصة كانوا شعبا بريئا جدا، جميلا
جدا. لم يكن أي صحراوي يتصور أنه من الممكن أن امرأة أو طفلا أو شيخا يدخلون السجن
قبل دخول المغرب أو يموتون فيه بسبب الإهمال والأمراض والتعذيب.
في
الثقافة السياسية المغربية، فإن السيادة على الصحراء الغربية لن تبسط، بسهولة
ويُسر، ما لم يقضى – قضاء تاما- على العنصر الصحراوي بتصفيته جسديا أو بتهجيره إلى
الخارج أو بتغريبه وتذويبه في المجتمع المغربي المعقد في الداخل. فمع بداية الغزو
سنة 1975م أغرق المغرب المدن الصحراوية بالمستوطنين المغاربة الذين كانت نسبة 15%
منهم تعمل لحساب المخزن المغربي الذي أعد مخططا في بداية الغزو، بالاتفاق مع وزارة
الداخلية، لتصفية الصحراويين في وطنهم ومدنهم بأتباع: تشريدهم إلى الدول المجاورة
أو ترحيلهم، بكل الوسائل، إلى الداخل المغربي، وبإختصار سحقهم وتجويعهم وتدميرهم.
في
البداية عمدوا إلى تغير وجه المدن الصحراوية بتغيير أسماء الشوارع والساحات
العمومية وكل ما له صلة بالحياة العامة أو الرموز الصحراوية. في الداخل بدأوا
يبثون دعايتهم بالترويج للثقافة المغربية والفكلور والأغاني. كانوا يطلقون العنان
لمكبرات الصوت في الشوارع والمقاهي لتشوش بالموسيقى على الحياة التي يعرفها السكان
الأصليون هادئة. وحتى يمعنون في التهديم ويحطمون حياة المواطنين الأخلاقية، مصدر
قوتهم، أغرقوهم في وحل كل ماله صلة بالملذات الجسدية والمادية. سمحوا بتداول كل ما هو محرم دوليا مثل الجريمة،
الخمر والمهدئات، وحتى المخدرات كانت تباع في واضحة النهار بأثمان زهيدة في شوارع
الصحراء الغربية في بداية الاحتلال. من جهة أخرى شجعوا الرذائل بمختلف أنواعها
خاصة الدعارة وكل أنواع الانحراف الاجتماعي الذي يأتي على تماسك النفس البشرية
ويدمر الجسد..
فبسرعة
غير متوقعة وجد الصحراويون، سكان الإقليم الأصليين، أنفسهم يعومون في بحر هائج من
المستوطنين المغاربة العدوانيين الباحثين عن الخمر، المخدرات، النساء، والذين
يتصرفون وفق خطة مدروسة تعتمد على التجسس والمضايقة والتهديد والعدوانية.
إن
الذين بعثتهم المخابرات المغربية ووزارة الداخلية كانوا يلبسون ملابس عادية غير
رسمية، يقضون أيامهم في المدن يتجولون ويتجسسون في المقاهي والشوارع لجمع
المعلومات التي تهمهم.. حين دخلوا الإقليم سكنوا مباشرة في المباني المهجورة أو
التي كانت مأهولة بالأسبانيين قبل رحيلهم. كانت لديهم الأوامر والحرية في كسر باب
أية دار يعرفون أنها مهجورة، وفي أحيان كثيرة كانوا يخرجون العائلات الصحراوية من
سكناتها ليحتلونها. لقد اعتمدت خطة هذا
الصنف من المستوطنين المغاربة على تحسس المدن في النهار والبحث عن التفاصيل، وفي
الظلام يقومون بمهمة أخرى سرية قذرة. في
الليل يتحولون إلى أشباح مدججة بالسلاح والعصي، أشباح تداهم المنازل والأحياء
السكنية الصحراوية، ترهب الناس وتبعث الذعر في نفوسهم، خاصة العائلات والنساء
والأطفال. فإذا خامرهم الشك في شخص ما، خاصة إذا كان رجلا، يتصلون بالعائلات
يهددونها؛ يهددون الأطفال بالاختطاف والصبايا بالاغتصاب وعادة ما يقولون للعائلة
قولوا له أن يخرج حالا والا سوف لن يعود إذا خرج مرة أخرى.
إن ما
يعنون بلغتهم التهديدية هو أنهم يشمون في المعني رائحة الانتماء للبوليساريو
والتعاطف معه أو رائحة كره الاحتلال وعدم حبه.
لقد
عانت العائلات الصحراوية من هذا الصنف من المستوطنين ورجال المخابرات، وخلق لها
مشاكل كثيرة من الرعب والألم والخوف. كانت استراتيجية هذه الفئة من المستوطنين
الواعيين بمهمتهم، المؤطرين في خلايا تعتمد على زرع الخوف في المدن والقرى
والبيوت، أما تكتيكها فاعتمد على تبادل الأدوار بين المدن الصحراوية؛ فمثلا الذين
يسكنون في العيون ينتقلون إلى الداخلة أو السمارة ويحل محلهم مستوطنو بوجدور،
وهكذا دواليك. إن هؤلاء خطرون، وهم الذين شاركوا بنسبة كبيرة في اعتقال الصحراويين
المطلوبين من طرف قوات الاحتلال في سنة 1975م فما بعد. فحين يتلقون الأوامر بالقبض
على شخص ما ينضمون إلى قوات الأمن بسرعة، وينقضون على ضحاياهم بطريقة مفاجئة ووحشية
وهمجية، فأحيانا يكسرون الأبواب ويهاجمون المطلوبين لديهم من الصحراويين بالهراوات
والعصي في الليل دون سابق إنذار أو أدنى حديث، وأحيانا أخرى يقومون بعمليات خداع
متقنة: يقولون للشخص المراد اختطافه أنه ذاهب في مهمة لمدة خمس دقائق، لكن تلك
المدة تعني في لغتهم سنوات طويلة في المعتقل.
أما
الصنف الآخر من المستوطنين المجلوبين للمضايقة فهم الجنود والقوات المساعدة،
وهؤلاء قاموا أيضا بدورهم في إرهاب الصحراويين في مدنهم وقراهم. كانت لديهم حرية
في دخول المدن والفساد فيها، وقد استعملتهم المملكة في إشاعة الرعب بين السكان الصحراويين
لطردهم من منازلهم. كانوا في مرات كثيرة يدخلون المدن في الليل مستغلين الظلام
ليسكرون ويبحثون عن النساء وأماكن الرذائل، ويهددون الحياة العامة للساكنة.
وللإمعان في الترهيب، كان هؤلاء يشيعون بين الناس أن القانون لا يحكم عليهم ولا
يعاقبهم وهم أحرار في تصرفهم. إن ترك جيشا من الجنود مطلق السراح في أحياء مدنية
تسكنها النساء والأطفال يشكل إرهاب معنوي خطير وضغط لا تمكن مقاومته. وحتى يقنعون
السكان أن القانون فعلا لا يحكم عليهم، كانوا مثلا يدخلون المتاجر الصحراوية
ويأخذون ما يشئون دون أن يدفعوا الثمن، وإذا حاول البائع أن يحتج يضربونه ويأخذون
منه أكثر. فمع حلول المساء، تغلق الأبواب والنوافذ، ويحدث حظر تلقائي للتجول بسبب
الرعب الذي تنشره هذه العناصر المخيفة التي تغزو المدن مثل الخفافيش.. أنهم عناصر
مفسدة وعنيفة، فأحيانا يكسرون الأبواب والمحلات ويسرقون ويعتدون وتتشاجر عصاباتهم
فيما بينها، وأثناء عراكهم كانت الشوارع تتحول إلى معارك، وهذه التصرفات تزيد من
خوف الناس منهم.
الصنف
الثالث من المستوطنين الذين أراد النظام المغربي من خلالهم تغير المشهد
الديموغرافي للإقليم، هم المغاربة العاديين الذين جاءوا إلى المدن بحثا عن الخبز.
لقد شارك هؤلاء، مستغلين تغاضي القانون عنهم، في الضغط على ساكنة الإقليم
ومضايقتها ومزاحمتها في العمل والسكن، ودافعهم في ذلك الحاجة ومحاولة إيجاد مكان
لهم فوق الأرض بعد أن ضاق بهم المغرب. كانت توجيهات وزارة الداخلية المغربية تقول
لهم أن هذه أرضهم وهذه فرصتهم وعليهم انتزاع حقهم بأيديهم. ففي وقت سريع استولوا
على الأماكن والسكنات الشاغرة والجدران غير المغطاة، وبدؤوا يؤسسون حياتهم الجديدة
منتهزين الفرصة التي خلفها نزوح الكثير من الصحراويين إلى اللجوء.
مع
حلول 1985م، أشارت بعض الإحصائيات أن عدد المستوطنين المغاربة في الصحراء الغربية
قد بلغوا 300 الفا، وهو عدد يضاعف عدد السكان الأصليين أكثر من مرة. من جهة أخرى
قدمت المملكة بعض التسهيلات المهمة لهؤلاء كي يغرسون جذورهم أكثر في الإقليم. لقد
تم عفوهم من الضرائب والجمركة وكل ما له علاقة بمصاريف الدولة، وخفضوا لهم أثمان
المواد الأولية وفتحوا لهم كل مجالات الاستثمار هناك..
التهجير... وسيلة من وسائل التصفية
وكطريقة
للاستيطان والتصفية شكل الغزو المغربي، بما رافقه من جرائم، وسيلة عنيفة لتهجير
الصحراويين وطردهم إلى خارج وطنهم. فالغزو العسكري لم يكن سريا فقط، إنما أعتمد
على بث دعاية مرفقة بارتكاب جريمة تهديد بالإبادة. كانت تلك الدعاية المتوازية مع
العنف والقتل تهدف إلى تهجير وطرد الصحراويين إلى خارج بلدهم. كان الجيش المغربي
يقوم مثلا بدفن الناس أحياء تحت الرمال، أو يرمونهم في البحر أحياء، أو يقتلونهم
بدم بارد ثم يبدؤون تهديد كل من واجههم بمصير مماثل. إن الفظائع التي ارتكبها
الغزو المغربي، عن طريق الجيش أو المستوطنين، كانت تصل إلى الصحراويين في كل مكان،
وحين يسمعونها يهربون غير آبهين بشيء، ويتيهون في الصحاري، فالمهم بالنسبة لهم هو
الهروب من أمام الغزو إلى أي مكان. لقد أدى الغزو المغربي ألي الهجرة القسرية
لمئات الآلاف من الصحراويين إلى مخيمات اللجوء والدول المجاورة. أما من لم يهاجروا
إلى الخارج، تحت التخويف والقوة، أو إلى اللجوء، فكان الجيش المغربي يأخذهم
ويحشرهم في شاحنات ويرمي بهم في داخل المغرب ويتركهم هناك بلا ماوى ولا شيء.
نهاية
سنة 1986م عرفت طرح تساؤلات جوهرية حول مدى نجاح عملية تصفية الصحراويين في قعر
دارهم بإغراقهم بالمستوطنين. كان الأمر والنهي بيد رجلين اثنين مكلفين بملف
الصحراء الغربية هما الحسن الثاني ووزير داخليته إدريس البصري. وحسب ما فهم البصري
أن سيده الذي يملكه لا زال يحس بالصداع الصحراوي في رأسه ولا ينام إلا قليلا ويفكر
كثيرا. فالملك ألمح لوزيره أن سياسته فاشلة في الصحراء الغربية، وعليه البحث عن
سياسة أخرى. أقترح إدريس البصري نقل الصحراويين، خاصة القوة الشابة النابضة
بالحياة، إلى داخل المغرب علها تذوب هناك داخل الوسط الشبابي المغربي الذي يتعاطى
كل وسائل التخدير كي ينسى الواقع.
مع
بداية 1987م بدأ ترحيل دفعات متتالية من الشباب الصحراوي إلى داخل المغرب تحت غطاء
تمويهي هو غطاء التعليم والتكوين. وجد الكثير من الشبان الذين كانوا مهمشين أنفسهم
فجأة يحصلون على منحة للدراسة في عمق المغرب وعلى تكوين ما كانوا يحلمون به.مع
نهاية 1987م وصل العدد إلى أكثر من 6000 شاب وشابة مهجر، وتم ذرهم في المدن
الكبيرة والمداشر، ومنحهم بعض المرتبات وتأجير السكن لهم من طرف الحكومة. في المدن
المغربية الكبرى، خاصة الدار البيضاء والرباط، عبدت وزارة الداخلية أمامهم الطرق
الملتوية، وفتحت لهم كل الغرف الحمراء ليدخلوها سالمين. مُنح الكثير منهم بطاقات
يدخل بها مجانا الأماكن التي لا يدخلها إلا الأثرياء، وسمح لهم أيضا الدخول إلى
ملاهي الرذائل والفساد وإلى المتنزهات التي يرتادها السياح فقط. ورغم هذه "
البحبوحة" إلا أن الهوة كانت عميقة بين تفكير الصحراويين والمغاربة، ومع
الوقت كانت تزداد عمقا واتساعا. تفطن الصحراويون في المدن المحتلة لعمق المناورة
فبدؤوا يسلحون أبناءهم، المفروض عليهم التهجير، بسلاح النضال، الوطنية والثقافة
الصحراوية.
وحتى
يفرض المغرب على الصحراويين، خاصة الفئة الشابة من جامعيين ومثقفين، الذهاب إلى
مدن الشمال، رفض بناء جامعة في الصحراء الغربية. إن بناء جامعة في العيون مثلا، من
وجهة نظر المغرب، ستكون معقلا للثورة المباشرة، وبدل أن تكون مركزا للدراسة ستكون
بؤرة للنضال والتظاهر ضد الاحتلال. فكل شاب صحراوي يحصل على باكالوريا يجد نفسه
مجبرا، إن أراد التحصيل، أن يذهب إلى المدن المغربية الكبيرة التي توجد بها
جامعات. أكثر من ذلك سيكون الطلبة مجبرين على البقاء في هذه الجامعات أكثر من
المدة المحددة. فحسب السياسة المغربية على إدارة الجامعة أن تعمل ما في وسعها، إذا
أمكن، أن يكرر الطلبة الصحراويين الفصل أكثر من مرة. وحتى تقلل وزارة الداخلية من
خطورة تجمعهم في مكان واحد، كانت تفرقهم وتوزعهم بين جامعات مختلفة. لكن تلك
الخطة، بدل إن تنجح حدث العكس: بدل إن يحدث النشاط النضالي الصحراوي في جامعة واحدة،
أصبح يحدث في كل الجامعات، وبدل أن تكون جامعة واحدة هي مسرح أحداث هذا النضال،
أصبحت الجامعات كلها في عين الإعصار. إن
المغرب يعتبر إن بقاء الطلبة الصحراويين في الجامعات هو كفيل بتذويبهم، بالوقت، في
المجتمع المغربي المعقد.
إن
الطلبة الصحراويين الذين تم تهجيرهم، بطريقة أو أخرى، إلى داخل المغرب، وبدل أن
يتبعوا لوزارة التعليم يتم إعداد ملفات لهم وتودع عند وزارة الداخلية. حين يتخرج
الطالب الصحراوي، بعد سنوات من التدمير النفسي في الجامعات المغربية، لا يتم
توجيهه للعمل في المدن الصحراوية، إنما يتم توجيهه إلى العمل في المدن المغربية
للبقاء والعيش هناك نهائيا.
وحتى
يحافظ الشباب الصحراوي في المهجر على تماسكه الثقافي، الوطني والأخلاقي، تكتل وبدأ
يناضل لصالح قضيته من داخل المغرب نفسه، خاصة في الجامعات والمعاهد. نقل هؤلاء
الصراع إلى الداخل، وبالضبط إلى الفئات التي لا يريدها القصر أن تعلم بخلفية
الصراع الحقيقية مثل الشباب والمثقفين. لقد تركزت استراتيجية الشباب الصحراوي
المُهجر أو الذي يتعلم في الجامعات على استهداف الشباب المغربي لتوعيته بحقيقة
القضية مستغلين الغطاء الإعلامي الذي توفره الحرب الدائرة آنذاك بين المغاربة
والصحراويين في الميدان. مع دخول الدفعات الشبابية الصحراوية الأولى الجامعات
المغربية بدأت مظاهر التظاهر والعصيان تتجلى في كل شيء، وعرفت هذه الجامعات أول
المظاهرات السياسية في تاريخها.
فمنذ
سنة 1980م، تاريخ ولوج\ تهجير أول طالب صحراوي إلى الجامعات المغربية لو تتوقف
الانتفاضات الصحراوية في الجامعات. كانوا دائما في الموعد، يخلدون الذكريات،
يرددون النشيد الوطني الصحراوي في غرفهم، يستمعون إلى الإذاعة الوطنية، يعلقون صور
الشهداء والأعلام في غرفهم، يفرحون حين يسمعون خبر انتصار عسكري في الجبهة، وكان
ضجيج ذلك الفعل يزعج السلطات المغربية. . كانوا منظمين، من تلقاء أنفسهم، في خلايا
ولجان تعمل لصالح القضية الوطنية. كان هؤلاء الطلبة يرددون الشعارات الصحراوية
علانية، يلوحون بالأعلام الصحراوية، ينظمون ندوات عن تقرير المصير والاستقلال،
يطالبون بإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين، وبالتالي أصبح الطلبة المغاربة مدهوشين
بهذا العناد الصحراوي، بل إن بعضهم أصبح يساندهم خفية.
الاستيطان
والتهجير وتجريمه في القانون الدولي
ظل المغرب يرفض – بل يعتبر ذلك خطا أحمر- نشر لوائح أو أرقام تتحدث عن
عدد المستوطنين المغاربة في الصحراء الغربية، أو لوائح للصحراويين الذين تم
تهجيرهم، قسرا، منها.. فالصحراويون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة يقولون أن
نسبة المستوطنين هي 67% من مجموع السكان. فإذا تغاضينا عن المستوطنين الذين دخلوا
على حسابهم الخاص، وأخدنا في الحسبان فقط أن 350 ألفا دخلوا في المسيرة الأولى سنة
1975م، و200الف دخلوا في المسيرة الثانية سنة 1991م، وهي أرقام تعترف بها المملكة،
نجد أننا أمام عدد كبير جدا يصل إلى حوالي مليون؛ عدد يستطيع أن يتحكم في الحياة
في المدن المحتلة، ولا يترك هامش حرية أو هامش حركة للسكان الأصليين حتى يعيشون
وضعا طبيعيا في وطنهم.
فحسب القانون الدولي إن الاستيطان هو محرم ويرقى إلى درجة جريمة ضد
البشرية.(1)
الاستيطان هو من جرائم الحرب بتعريف
القانون الدولي. ففي المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، والمادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول، نجد نصوصا
واضحة تقول أنه " لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها
المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها " . ويعتبر الاستيطان من الجرائم المستمرة التي تسبب معاناة يومية لسكان الأماكن( المدن الأقاليم) المحتلة". فإذا كان مجرد نقل
أشخاص أو ترحيلهم إلى وطن أو مناطق محتلة هو جريمة حرب، فإن الأفعال التي سيقوم
بها هؤلاء الأشخاص لاحقا، خاصة إذا كانوا مؤطرين، معبئين ومكلفين بمهمة، هي جريمة
أخرى تُضاف إلى جرائم الحرب، ويمكن أن تُصنف في خانة جرائم ضد الإنسانية. إن مثل
هذه الأفعال يُعاقب عليها القانون الدولي. فحين نعود إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نجد أن المادة 7\1 من القانون المذكور
تنص على أنه "لغرض هذا النظام يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين: القتل العمد ، الإبادة ، الأفعال غير الإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية" .ووفقا لما ذهب إليه الفقه القانوني فإن معظم الجرائم الداخلة في نطاق هذا التعريف يمكن أن يكون نتيجة لفعل دولة أو نظام، ويتم تنفيذها من خلال فاعلين ذوي سلطة أو غير ذوي سلطة،
والمستوطنون المغاربة ينفذون، بالنيابة والوكالة، سياسة الدولة المغربية في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء