يريدون أسدا بمقاييس ثعلب

أنهكت الحرب في سوريا الجميع، ولا احد من أطرافها يريد أن يرفع الراية البيضاء قبل الآخر، لكن، في نفس الوقت، ومن جانب آخر، الكل يريدها أن تنتهي. فتحت اسم الديمقراطية والربيع العربي اشتعلت سوريا ودخلت في حرب استنزاف أهلية جعلتها تتحول إلى ركام بعد أن كانت هي الدولة العربية الوحيدة المرشحة لتخرج من العالم الثالث والعالم العربي وتصبح متقدمة مثل الدول الغربية. الآن، كل الإمكانيات التي كانت سوريا ستعتمد عليها لتصنع منها ريشا وجناحين لتحلق في فضاء العالم المتقدم سيتم توجيهها لبناء ما دمرته الحرب. سوريا الآن، مثلها مثل العراق وليبيا واليمن، هي دولة تحولت في غضون سنتين إلى رماد وركام وجرحى ودماء ومقابر.. سوف لن تعود سوريا إلى سابق عهدها إلا بعد ستين سنة تقريبا.. هو حال مؤلم وواقع صعب جدا، لكنه حقيقة..
المهم، أنهكت الحرب الأطراف وأصبح الجميع يجر سلاحه في ساحات الحرب أعرجا ومائلا.. الماسأة تسكن في كل ركن من أركان هذا البلد الذي كان يفوح برائحة الأزهار والثمار والسكر والعطر. وحتى الحدائق تحولت إلى مقابر جماعية وفردية، والماء الرقراق تغير لونه.
الآن، لا أحد من الأطراف ربح، لكن لا أحد منها خسر أيضا، وفقط كل طرف يتمنى أن تتوقف الحرب ليتفقد الخسائر في البلد الذي كان جميلا رغم الديكتاتورية..
الحرب في سوريا دخلها الجميع وأشترك الجميع في صب البنزين على نارها: السعودية، قطر، تركيا، الولايات المتحدة، إيران، وإسرائيل. إسرائيل هي آخر بلد يذكره  المحللون العرب حين يتحدثون عن داعمي الحرب في سوريا، لكنها في نفس الوقت هي الرابح الكبير.. سيتم التفاوض مع الأسد على نقطة مهمة وهي منع تزويد حزب الله بالسلاح، والأسد سيقبل لإنه انهزم في العمق..
حين بدأت الحرب حمل الجميع على الديكتاتور الأسد، وبدوؤا ينتظرون أن يسقط مثلما سقط مبارك والقذافي وصدام وصالح وزين العابدين، بل بدؤوا يهللون ويقولون أن أي حل لتلك الحرب ولذلك الربيع العربي هي رأس الأسد ولبدته، وأنيابه.. الحل هو خروج الأسد وهزيمته وتركه للسلطة. لكن الأسد ونظامه الديكتاتوري تمسكوا بالسلطة بشراسة رغم الدماء والموت والمجازر. وقفت إلى جانبه روسيا والصين فتنفس ماديا ومعنويا خاصة في الأمم المتحدة..
الآن يبدوا أن طرفي الصراع انهزما و، في نفس الوقت، أنتصرا. الوحيدة التي انهزمت هي سوريا الشعب، سوريا الثقافة، سوريا الحضارة،  وليست سوريا الاسد.. الشعب انقسم إلى شعب لاجئ تتلقاه هروات الأوروبيين والحاقدين وشعب ميت وشعب فقير..
الآن، بعد أن أنهكت الحرب الجميع أصبح هذا الجميع يريدها أن تتوقف، لكن بأي ثمن.. الأسد يريد ان يبقى في السلطة ليشمت بالرؤساء الذين اسقطهم الربيع العربي ويشمت بقطر وبالسعودية، والمعارضة تريد أن تتفاوض وأمريكا تريد أن يبقى الأسد لبعض الوقت بعد أن كانت تقول أنها تريد سوريا خالية من رائحة الأسد، وروسيا تقول أن لا سوريا بدون الأسد، وأنه رغم الجراح لا زال أسدا..
حتى أسرائيل تريد الآن الأسد أن يبقى، لكن بأي ثمن.. أكبر متضرر من دمار سوريا هو حزب الله.. سيقبل الأسد البقاء طمعا في إنهاء الحرب عنه وفي احتفاظه بعرشه لكن ستكون الشروط قاسية: من بين الشروط القاسية هي وقف إيقاف الأسلحة عن حزب الله.. فحزب الله الذي أصبح يتحين حربا ليضرب تل ابيب، يجب ا نيتم تقليم أظافره، والطريقة الوحيدة هي منع السلاح عنه. سيقبل الأسد توقف الحرب وسيقبل التضحية بدعم حزب الله وسيمنع عنه السلاح الإيراني مقابل "الانتصار" والتفاوض من جانب قوة..
الأسد  "المنتصر" المنتظر سيبقى رئيسا واسدا لكن بدون أنياب وبدون أظافر، ولا يزأر ولا يسمح بإرسال السلاح لحزب الله.. حزب الله فهم اللعبة، وفهم أنه سيكون الخاسر الأكبر من الحرب فدخلها إلى جانب الأسد رغم أنفه حتى إذا ما توقفت الحرب سيبدأ بالمن على الأسد أنه ساعده ويجب أن لا يتوقف عنه الدعم.. حتى الأسد طلب ممن حزب الله المشاركة في الحرب حتى يبقى الدعم متواصلا في المستقبل في حالة أنتصار الأسد..                
إذن، إذا انتصر الأسد وعاد للسلطة سيعود مهزوما وفي سيكون في موقف الثعلب.. ومثلما في الصورة المرفقة الأسد خرج صفرا، لكن صفر على كرسي حكم متحرك..
        

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء