ارتكاب جرائم ضد الإنسانية..
هتك حقوق شعب.. وهتك القانون الدولي الإنساني، المعاهدات والاتفاقيات
انتهاك القانون الدولي الإنساني
يعرف القانون الدولي الإنساني بأنه " فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح وما أنجر عن ذلك النزاع من آلام."([1])
لقد تطور القانون الدولي الإنساني
عبر مراحل، لكن اشهر اتفاقية قانونية وأخلاقية تحمي، أو تحاول، ولو نظريا، حماية
المدنيين من العنف زمن الحرب، كانت هي اتفاقيات جنيف، خاصة الاتفاقية الرابعة،
الصادرة في شهر أغسطس 1949م. إن اتفاقية جنيف الرابعة تُعنى بمراقبة وتحسين وضعية
المدنيين خلال وقت الحرب، النزاعات والعنف، وتُعتبر هي أم القانون الدولي الإنساني
الحديث. إن الذي يعنينا هنا هو كيف هي وضعية المدنيين في القانون الدولي الإنساني
ومن هم الأشخاص الذي يحميهم القانون.؟
يعتبر القانون المدني الإنساني " أي شخص لا ينتمي إلى القوات المسلحة شخصا مدنيا، وحتى في حالة الشك في وضعه يعتبر
مدنيا أيضا." ويمتد نطاق الحماية بموجب المادة 4 من اتفاقية جنيف الرابعة إلى "الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وفي أي ظرف كيفما كان، عند قيام حرب أو احتلال، في أيدي أحد الأطراف المتحاربة أو دولة احتلال ليسوا من مواطنيها".
فكل ما توصل إليه العالم وأتفق
بشأن تجريمه أو منعه وتحريمه عن طريق قوانين أو معاهدات يمكن إن يوضع تحت عباءة
القانون الدولي. وحين يتحدث أحد ما عن حدوث انتهاك ما لهذا القانون والاتفاقيات،
فإنه يعني أن من قام بفعل الانتهاك ولم يلتزم بما اتفق العالم عليه وما خرج عن
مؤسساته القانونية والحقوقية، مجرم ويحق عليه العقاب. فحين يقال أنه تم ارتكاب
جرائم ضد الإنسانية، ارتكاب جرائم حرب، ارتكاب إبادة جماعية أو تورط في جريمة
الفصل العنصري، فهذا يعني أن الدولة، المجموعة أو الجهة التي فعلت هذا انتهكت
القانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة به.
فإذا انطلقنا من هذا التعريف
الموجز للقانون الدولي الإنساني وكيف يتم انتهاكه وخرقه، سنجد أنفسنا مجبرين – لا
مخيرين ولا منحازين- كي نقول أن ما حدث في الصحراء الغربية، وما حدث ضد شعبها
الأعزل المدني منذ احتلالها في سنة 1975م من جرائم ضد الإنسانية، من إبادة، من
تمييز عنصري ومن جرائم أخرى من هذا القبيل هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني
وللمعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة به.
كل ما حاق بالصحراويين العزل من
أعمال عنف بشعة، ظلما وعدوانا، بدون سبب ولو بسيط، يجب تصنيفه وتعريفه(1). إن
انتهاك حق شعب بأكلمه في الحياة –حتى لا نقول في الحرية فقط- واستعمال ضده كل ما
اخترعته العقل البشري من وسائل تدمير نفسية وجسدية، من حط للكرامة، من استيطان، من
اختفاء قسري، من تشريد على مدى عقود من الزمن، لا يوجد له تعريف آخر في اللغة
والقانون الدولي ولا في الأعراف ولا في أي قاموس آخر، ما عدا تصنيفه كانتهاك واضح
وخطير للقا[2]نون
الدولي الإنساني الذي يجرم كل من ارتكب الجرائم التالية: جرائم ضد الإنسانية،
إبادة جماعية، جرائم الحرب، الانتهاكات الجسيمة، التمييز العنصري إلخ.
نعم انتهاك للقانون الدولي
الإنساني.. ورغم الوقع المرعب، المخيف والخطير لاستعمال مصطلح "انتهاك"
المعاهدات، ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، الإبادة إلا انه لا بد من استعماله حين
نريد أن نتحدث عن ما حصل للصحراويين على أيدي المحتل المغربي. فكل الجرائم
العنيفة، غير الإنسانية والهمجية المرتكبة من طرف البشر ضد البشر على مدى التاريخ،
وقعت كلها على الشعب الصحراوي. إن وصف تعرُّض الشعب الصحراوي كله لجرائم ضد
الإنسانية فهذا، بكل تأكيد، تعبير، رغم شموليته، دقيق جدا. وحتى نكون أكثر دقة
ووعي في الإصرار على استعمال مصطلح " جرائم ضد الإنسانية" نستدل بما
يلي:
- العنف الذي تعرض له الصحراويون
كان يتم بقصد وبوعي حاد مع سبق الإصرار، ويهدف إلى الإبادة الجماعية المتعمدة
لمجموعة بشرية.
- إن الجرائم ضد الإنسانية طالت
الصحراويين كلهم: لم تميز بين شريحة وأخرى، لم تستثني أحدا دون احد، وبالتالي كان
الشعب كله( مجموعة بشرية محددة) عرضة للتدمير من الداخل. إن تصرفا من هذا النوع (
التصفية الجماعية)، يتم حسب الهوية هو أعلى درجات الجريمة التي ترتكب في حق
الإنسانية.
لقد لجأ المغرب، بهدف التصفية
المحضة للصحراويين ولا شيء آخر، إلى اقتراف كل الجرائم المعروفة على مدى التاريخ
والتي حرمتها، فيما بعد، الشرائع والقوانين البشرية. فالصحراويون تعرضوا للاحتلال،
للنفي، للتجريد من الممتلكات، للطرد، للتشريد، للتفقير، للتمزيق، للقرصنة،
للترهيب، للتفرقة، للسجن، للحبس، للاعتقال، للإعدام، للعنصرية، للاغتصاب، للتمييع،
للتهجير، للتشويه ولكل ما يمكن أن يخطر على بال أي شخص مختص في تعداد أنواع
الجرائم عامة.
إن الذي يدلل أكثر إن المغرب كان
يقصد التصفية العرقية لمجموعة بشرية( الشعب الصحراوي) هو أنه كان يقترف الجريمة
على الهوية: ينتهك حق وحريات كل من هو صحراوي لأنه صحراوي فقط
الحرمان
من تقرير المصير
كانت أول جريمة
ارتكبها الاحتلال المغربي هي جريمة حرمان الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير
والاستقلال. لقد منع المغرب بالقوة، بالمؤامرات وبانتهاج سياسة الاندفاع المتهور
إلى الأمام، المجتمع الدولي من أن يقوم بتنظيم استشارة شعبية في الصحراء الغربية
ليعرف ماذا يريد شعبها. ففي سنة 1975م، حين أراد ت الأمم المتحدة والدولة
الاستعمارية آنذاك- أسبانيا- تنظيم استفتاء لتقرير المصير احتل المغرب الإقليم
بالقوة واضعا بذلك نهاية عنيفة لكل محاولة من شأنها أن تعطي للصحراويين الفرصة كي
تتم استشارتهم. في بداية سنة 1976م حين عرض الأمين العام للأمم المتحدة، النمساوي
كورت فالدهايم، مخططه لتقرير مصير الصحراء الغربية ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة
إلى أن يقرر سكانها مصيرهم رفض المغرب الخطة، وبدل أن يتعاون مع المجتمع الدولي
قام بتهجير ومحاولة إبادة سكان الصحراء الغربية بالقوة.
في
سنة 1992م، حين أجمع المجتمع الدولي كله، بما في ذلك مجلس الأمن، على ضرورة تنظيم
استفتاء للصحراويين ليختاروا بين الاستقلال والانضمام رفض المغرب في النهاية وعبث
بكل ما قامت به الأمم المتحدة من مجهودات خلال سنوات وأعاد القضية إلى الصفر. (يتبع)
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء