فيضان ولاية أوسرد في وادي الماء سنة 1986م


في سنة 1985م كانت أنتصاراتنا العسكرية والدبلوماسية ملء السمع والبصر، وكنا ننتفخ بفعل تلك الأنتصارات، وأصبحنا نفختر حقيقة أننا شعب قوي يُحسب له حساب في المنطقة.. تلك الأنتصارات التي كان صداها يصل إلى أصقاع الأرض، حركت في كل صحراوي سمعها غيرة ومجدا كانا دفينين في عمقه منذ زمن.. بدأ الصحرايون يتوافدون على المخميات ليرونها وليسكنون فيها، وليقتربون من الأسطورة التي سجل الصحراويون في تلك الحمادة، وبدأت العائلات تلتحق من الجوار ومن البوادئ ومن كل مكان حتى ضاقت الولايات الثلاث التي كانت في اللجوء بالبشر... أنتفخت تلك الولايات وكبُر حجمها حتى أمتلات عن آخرها.. صعُب تسييرها والتحكم فيها، وأصبحت أكبر مما يمكن التحكم في تسييره التقني.. تم التفكير على مستوى عالي بخلق ولاية جديدة رابعة يذهب إليها الفائض من البشر في الولايات والدوائر، ويتم خلق متنفس جديد للدوائر، ويتم نقل إليها المتلحقين الجدد بالمخيمات..
وكعادتنا آنذاك\ الآن\ ودائما، حين يتعلق الأمر بحدث وطني كبير يتم تشكيل لجنة "سياسية" للإشراف على الحدث.. تم إنشاء لجنة خاصة بإنشاء تلك الولايات الولاية التي أطلق عليها اسم ولاية اوسرد.. ضمت تلك اللجنة خيرة إطاراتنا السياسية المثقفة والمنورة، لكن، وهنا يكمن الخطأ، لم يكن فيها أي شخص ممن يعرفون المنطقة جغرافيا، ويعرفون أين يجب أن تقام الخيمة، وأين يجب أن يتم بناء المؤسسة.. كانوا كلهم إطارات كبيرة المستوى فقط.. خمنت اللجنة طويلا وقررت، بعد الكثير من الأجتماعات، أن تتوجه إلى "وادي الماء" شمال شرق ولاية أوسرد الحالية.. ومن تسمية الوادي يستطيع أبسط فرد، حتى لو كان أغبى من دجاجة، أن يستنتج أن هذا الوادي تمت تسميته بهذا الاسم نتيجة أنه يسيل دائما ويفيض إذا سقط المطر، وأنه في فم الكثير من المرتفعات القاسية التي لا تشرب الماء، وبالتالي فكلما سقطت نقطة ماء ستسيل أتجاه الوادي لإنه لا يوجد ما يمتصها. إذن، التسمية لم تكن عبثا، والأوائل الذين أطلقوا عليه اسم "وادي الماء" كانوا يعرفون، بعد الكثير من التجارب، أنه يفيض،  وأنه فاض في الكثير من المرات وقضى على كل من كان فيه، لكن لم يحدث دمار لإن سكان الأرض، بسبب معرفتهم بها، كانوا يعرفون أين يبنون خيامهم، ويعرفون كيف يلعبون لعبة اليربوع( الجربوع) مع الطبيعة..                      
حين شاهد الشيوخ الذين يعرفون "وادي الماء" الخطير الشاحنات تنقل الأجور، وشاهدوا البناء قائما على قدم وساق ضحكوا من سخافة فكرة بناء ولاية كاملة بمؤسساتها وهياكلها في عمق ذلك الوادي الذي يُسمى " وادي الماء". تغامزوا سرا، لكن لا أحد فيهم تجرأ ساعتها على انتقاد تلك الفكرة لإن النقد كان ممنوعا، خاصة للسلطات التي ان الجميع يثق فيها..
بعد بناء المؤسسات وصرف الأموال الطائلة، ونقل السكان للولاية الجديدة وهم يزغردون ويهتفون بالانتصار وبالكثرة العددية وبالمؤسسات، استقرت الولاية، وبدأت الحياة تسير مثلما سطرت لها اللجنة. وحتى اللجنة كانت تنتفخ زهوا، وأفرادها  ينظرون من تحت نظاراتهم السوداء إلى الولاية يوم تم تدشينها لإنها فكرتهم..
في غمرة الإحساس بنشوة الانتصار، نسى الجميع الوادي.. يقول الصحراويون أن الوادي لا أمان فيه، وأنه يفيض بلا مطر، وأنه خطير ولا يبنون خيامهم في قعره.. في ليلة ما حين كان الجميع نائما فاض وادي الماء وعبث بكل ما تم بنيانه وتحول كل شيء إلى طمى وطين.. هرب الناس بجلودهم إلى المرتفعات القريبة وباتوا يكوون أظافرهم..
بسبب تلك الكارثة تم تكوين لجنة أخرى وطنية للإشراف على البحث عن مكان جديد للولاية الجديد المنكوبة، وتم صرف أموالا مثل الأموال التي تم صرفها في المرة الأولى التي تم فيها بناء ولاية أوسرد في وادي الماء..      


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء