مطر في مخيمنا

Resultado de imagen de ‫فيضانات في مخيم تندوف‬‎
ليلة المطر تلك في مخيمنا كانت مخيفة.. منذ فيضان ولاية العيون وسكان مخيمنا يرتعدون إذا شاهدوا غيمة ولو يتيمة تتسلق وجه السماء.. لاينامون تلك الليلة ولا يرتاحون إلا إذا شاهدوا شمسهم الكبيرة الصفراء تتربع في كبد السماء.. أبسط غيمة عابرة لسمائهم تخيفهم فيقضون الليل "عيونهم حمراء يحسبون النجوم" حسب تعبيرهم الشائع.. ليس لدى سكان مخيمنا ما يصدون به المطر ما عدا معنوياتهم وصبرهم.. المشكلة أن المنطقة التي بنينا فيها مخيمنا لا تشرب الماء.. فإذا سقطت قطرة واحدة تسيل بسرعة منزلقة ومتزحلقة على وجه تلك الصحراء الجافة حتى تصل إلى الكثبان الرملية.. وحدها الكثبان الرملية عطشى منذ الأزل.. لا يوجد شيء يروي ظمآها..
تلك الليلة أكفهر الجو فوق مخيمنا.. جو رمادي صامت ومخيف.. إنذار بسقوط المطر.. مخيمنا متعود على أن المطر يسقط فيه دائما في الليل.. هو مخيم بلا أضواء ولا يعرف الكهرباء، والبطاريات الصغيرة التي تختزن الضوء الذي تمتصه من خلية الطاقة الشمسية لا تكفي لمراجعة الأطفال وتلفزيونهم.
فعلا حين أنتهت طاقات البطريات، وأنطفأت عيون المصابيح في المخيم بدأت قطرات المطر الأولى.. لم تأت في النهار حين تكون الشمس قاهرة.. كأنَّ بين المطر في تلك الصحراء والشمس حرب كر وفر. حين تكون شمس مخيمنا الكبيرة القاهرة في السماء لا تسقط ولا قطرة مطر.. المطر يخجل من الشمس في مخيمنا او يخافها أو العكس.. بدأت إغارات المطر تلهب جدران بيوتنا الطينية الخارجية بقوة.. تعرف قطرات المطر تلك أن بيوتنا هشة ولا تحتمل المطر... حين أصبح المطر أكثر قوة خرج سكان مخيمنا من البيوت الطينية.. دخلوا إلى الخيام التي كانت تسيل هي الأخرى من كل مكان..لم يبق وقت طويل على سقوط البيوت.. هم يعرفون ذلك بفعل التجربة.. سبق لبيوتهم أن سقطت مرات كثيرة فأعادوا بنائها بصبر وصمت وبالكثير من الخسائر المادية والعرق والجراح..
مع توالي الزخات المطرية بدأت أصوات البيوت تتهدم. بين الفينة والآخرى يسمع الناس صوت بيت أرتطم بالأرض بقوة. تلك الارتطامات القوية أصبحت أكثر قوة مع مرور الوقت.. الكل يفكر في نفسه في كيف سيبني البيت الذي سيتهدم مرة اخرى. البناء في مخيمنا بالطين عذاب... عمل العمر كله بالكاد يبني لك بيتا في مخيمنا.. كان سكان مخيمنا يسمعون أصوات بيوتهم تسقط ولا يصدر عنهم ولو تعليق واحد..     

        

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء