الحياة أقوى من الدمار



Resultado de imagen de inundaciones sahara
حين كنا نحن الكبار نبكي خلسة، نغضب، نحزن، نتكلم، نناقش، نتشاجر ونكتب في محاولة لإيجاد حل لغرق مخمياتنا،،و سقوط بيوت أهالينا، كان الأطفال يعلموننا درسا يعيدنا أطفلا مثلهم، ويعيد أحلامنا صغيرة وبرئية وجميلة مثل أحلامهم.. غضبنا نحن الكبار ، دخنَّا الكثير من السجائر لنحول عدم قدرتنا على التفكير والعمل إلى دخان، تحدثنا عن عجزنا وعن سوء تقديرنا وعن ضعف حيلتنا، وتبادلنا التهم بشأن التقصير، وتبدلنا سهام الانقتادات..

في هذا الخضم الهائل من الوحل والغرق والركام والحطام والخسائر المادية والمعنوية والنقاش الساخن والحزن يخرج الأطفال من بين كل هذا يحملون أقلامهم وألوانهم يرسمون لوحة رائعة للحياة.. فماء ذلك الفيضان الهائل الذي كان يجرف بيوتنا وأعشاشنا ويدمر مملكاتنا ويُهجرنا إلى المرتفعات كان الأطفال هبة سماية وهبها الله لعالم الطفولة.. كان الأطفال يقفزون إلى عمقه ويسبحون فيه، رغم تلوثه بالطين ووالغبار وهم يضحكون.. كان كل منهم يتباهى أمام الآخرين ان البركة التي غرق فيها بيت أهله أكبر من بركة جاره، وكانوا يضحكون من قلوبهم.. وحين كنا نحن الكبار ندعو الله في سرنا أن يوقف عنا المطر، كان الأطفال يرفعون أيديهم الصغيرة يطلبون السماء أن تسكب مزيدا من الماء والمطر.. ذلك الوحل الذي غرقنا نحن الكبار فيه كان بالنسبة لهم بحر، كان متعة طفولية لن يتلذذ بها إلا من هو في سنهم..
وحين كان بعضنا يعرف أن ساعة سقوط بيته قد حانت، وكان الغضب يدمر قلبه، كان الأطفال يتجمعون قرب ذلك البيت الذي سيسقط ويعدون بصوت مرتفع: واحد، إثنان، ثلاثثثثثة، وحين يسقط البيت يضحكون، ثم يذهبون يبحثون عن بيت آخر مؤهل للسقوط ليكررون عميلة الحساب: واحد إثنان، ثلاثة، ثم يكررون متعة الضحك العالي مرة أخرى.
وحين عدنا نحن الكبار إلى خسائرنا نتفقدها حين طلعت الشمس، ونلحس جراحنا الخفية، كان الأطفال يحزمون متعهم الصغير وحقائبهم ويحملون أدواتهم ويحزمون مُتعهم الصغيرة في قلبوهم ويخرجون في رحلة إلى خارج المخيم أين توجد بُرك مياه كبيرة يستطيعون السباحة فيها بحرية رغم البرد.. لا يهمهم لا تحذير الأطباء من المخاطر ولا من الأمراض المعدية ولا أي شيء من هذا.. يكفيهم ان يعيشوا للحظة مثلما حلموا بها، ويرون البحر، والمسبح الذي كان في مخيالهم فقط وهو يتحرك بين أحياء مخيمهم وفي ساحاتهم التي طلما حرقتها الشمس ولهبتها سنوات طويلة..             

بين ذلك الركام وذلك الطوب الذائب يحول أطفال مخيمات اللاجئين الصحراويين الهزيمة إلى نصر، ويحولون ساحة الحزن إلى ساحة لرسم لوحة بلا حدوو للحياة بكل أشكالها: يضحكون، يرسمون على الرمل المبتل، يبنون قلاعا خرافية من الطين الذائب، ويجعلون قطار الحياة يمضي من جديد متحديا ذلك الركام وذلك الدمار..         

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء