تأملات بمناسبة ذكرى الوحدة الوطنية


في شهر أكتوبر سنة 1966م، وخوفا من قرار أممي قوي يدعم حجة تقرير المصير، ذهبت أسبانيا بوفد من الشيوخ إلى الأمم المتحدة كي تؤكد لتلك المنظمة أن الصحراويين متمسكين بالبقاء مع أسبانيا، وفي نفس الوقت دفع المغرب بوفد آخر إلى الأمم المتحدة يضم شخصيات من أصل صحراوي يقول انهم يريدون القول للأمم المتحدة أن الصحراء "مغربية"، وجاءت مفاجأة آخرى من موريتانيا التي دفعت هي الأخرى بوفد يضم شخصيات من أصل صحراوي يقولون أن الصحراء موريتانية. تخاصمت تلك الشخصيات فيما بينها في مقر الجمعية العامة، ووحدهم العقلاء منهم طالبوا بوحدة الشعب الصحراوي السياسية..
في سنة 1975م، قبل أتفاق مدريد بقيليل كان المغرب وموريتانيا يحضران لبعث وفود إلى الأمم كي تقول ان الصحراء ليست "مغربية وموريتانية" وتم تغييب للصحراويين، أصحاب الأرض الشرعيين.. في هذا الإطار تم عقد ملتقى الوحدة الوطنية، لكن على ما يبدو، وحسب ما نفهم حاليا غاب عن الذين ذهبوا إلى ذلك اللقاء ان يحددوا ما معنى تلك الوحدة الوطنية: هل هي وحدة سياسية، تجمع الصحراويين في تكتل سياسي موحد يقودهم ويتم سد الطريق أمام المغرب وموريتانيا فلا يستطيعان المتاجرة بالصحراويين سياسيا- أشدد على مصطلح سياسيا-.
-          هل هي وحدة قبائل في إطار شعب، أم هي وحدة سياسية صحراوية للسير خلف البوليساريو كتنظيم سياسي موحد يقود هذا الشعب، أم هي هذا وذاك..
الذي تكون أغلبيتنا قد فهمته هو أن الوحدة الوطنية هي وحدة قبائل في إطار تنظيم سياسي موحد، وبالتالي المرحلة كانت تتطلب وحدة القبائل في إطار شعب، ومن ذلك الحين إلى الآن ونحن نسير وراء مفهوم ان الوحدة الوطنية هي وحدة أجتماعية\ سياسية  لقبائل في إطار شعب..  
حسب ما يمكن أن نفهم الآن بعد الدراسة والتفكير أن الكتلة الصحراوية كانت تتوفر، قبل 12 أاكتوبر 1975م، على كل مقومات الشعب من تاريخ مشترك ولغة ودين ومصالح مستقبيلة وماضي وووو ، لكن هذا الشعب لم يكن يُطلق عليه فقط اسم الشعب الصحراوي بالمعنى الحديث، ولم يكن له تنظيم سياسي موحد يقوده مثلما هو الآن..
الذي ترسخ في عقلية الاجيال الجديدة، بفعل تركيز الخطاب التحريضي أن الوحدة الوطنية جاءت ضد القبيلة فقط، وأن السبب الذي جعل الشعب الصحراوي يبقى متخلفا وربما غير مستقل هو القبلية..  فكلما أقتربت ذكرى الوحدة الوطنية نبدأ في طحن القبيلة والتركيز على ان كل أسباب مصائبنا هو القبلية. وبالتالي نُحت في عقليتنا الجمعية أن القبيلة هي بعبع رابض في كل زاوية، وأنه سيطل برأسه ليعصف بكل ما فعل وحقق الشعب الصحراوي.. التركيز على بعبع القبيلة وتهديد الشعب الصحراوي بها خاصة الآن- أربعين سنة بعد الوحدة الوطينة-  قد يجعلنا نعتقد أننا أعداء أنفسنا قبل أن يكون المغرب هو عدونا، وأنه علينا محاربة القبلية قبل محاربة المغرب.. خلال هذه الأربعين سنة من تركيزنا على دحر القبلية قبل دحر المغرب لم يتقاتل أي أحد ولم تسيل قطرة دم بين القبائل ولم يحدث أي شقاق، ولم تحزم اية قبيلة خيامها وتلتحق بالمغرب. فوحدة الشعب الصحراوي هي أصلا موجودة تاريخيا قبل ان يتم عقد مؤتمر عين بنتيلي، والصحراويون، كلهم، واعون من قبل هذا التاريخ ان المغرب سيذبحهم كلهم بدون استثناء إذا تمكن منهم.. في تصوري الشخصي جدا أن الشعب الصحراوي هو حقيقة غير قابلة للشك منذ القِدم، ووحدته موجودة منذ القدم، وكل ما كان ينقصه هو تنظيم يوحد جهوده ولا يوحد قبائله التي كانت متوحدة دينيا وتاريخيا وثقافيا واقتصاديا وأجتماعيا ووو.
إذن، وعلى عكس تفكير الكثير منا وعلى عكس خطابنا التحريضي الذي يحاول دحر القبلية، أنا اتصور أن الوحدة الوطنية التي أعلنتها البوليساريو سنة 75م كانت وحدة سياسية في المقام الاول قبل أن تكون وحدة قبائل إذا كانت نخبتنا السياسية والثقافية لازالت تتصور هذا التصور وتصر عليه. فوحدة الشعب الصحراوي السياسية حتى لا يتم جره سياسيا من طرف المغرب وموريتانيا وتفتيته سياسيا هي التي كانت تنقص. لا ننسى أنه في سنة 1975م  كان الشعب الصحرواي مقسما سياسيا – أشدد على سياسيا- وكانت هناك قوى سياسية داخلية وخارجية تتجاذبه: البوليساريو، حزب البونس، جماعة الشيوخ ومن المغرب جبهة التحرير والوحدة وحركة مرحوب، وبالتالي أن النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر الوحدة الوطنية في 12 اكتوبر 1975م كان في الميدان السياسي قبل كل شيء. فبعده أختفى البونس واختفت جماعة الشيوخ واختفت جبهة التحرير والوحدة وألتف الشعب الصحراوي كله وراء تنظيم البوليساريو.. لكن إذا كان هذا الإنجاز السياسي كان هو البارز في مؤتمر عين بنتيلي فإننا لم نستثمره فيما بعد، وركزنا على محاولة دحر القبلية ونسينا أن نركز على الدعوة إلى الحفاظ على الوحدة السياسية والتمسك بتنظيم سياسي واحد بدل تنظيمات واحزاب سياسية مختلفة لإننا بسبب قلتنا العددية لا نستطيع أن نتقسم سياسيا..
فبسبب تركيزنا وتحريضنا على بعبع القبيلة وبسبب استفحال هذه الاخيرة  في مفاصل حياتنا أصبحنا نظن الآن نفسيا أننا لن نستقل ولن نحرر أرضنا بسبب عودة القبلية التي قضى عليها مؤتمر عين بنتيلي..
الدراسة الآن يجب ان تتركز على كيف يجب أن نقنع شعبنا أن يرحل عن القبلية، كأداة تخلف اجتماعي، بمعزل عن ربطها بالوحدة الوطنية، وبمعزل عن تخويفنا أنها هي التي ستمنع استقلالنا وأنها هي التي ستنفجر تحت اقدامنا..
الآن وبسبب هذا الخطاب الذي يخيفنا ويرهبنا من القبلية، ورغم التركيز في كل خطاباتنا على محاربتها فإن حالها اليوم، أربعين سنة بعد الإعلان عن أقبارها، هو مثل حالها سنة 1975م إن لم يكن أطم.
أظن أن المشكل يكمن في أننا لم نحاربها في اليوم الأول باالاسلوب المدروس المبني على طرق حديثة. فتجريم القبلية سياسيا على مستوى الأدبيات( خويمة صغيرة، القنبلة، مرتع سو)، وتخويف الناس من الأتهام بالانتماء للقبيلة وجعلهم يتزاورون سريا ويتبادلون السلام سريا، وأتهام كل من يسلم على قريب عائلي له بانه قبلي ومجرم وخائن لم يكن هو الطريق السوي لمحاربة القبلية. لو كان هو الطريق الصحيح كنا محوناها تماما الآن ولما كانت عادت بأكثر قوة الآن إذا كان ما تقوله نخبتنا صحيحا. فإذا كان الذين يطحنون الناس في النهار ويتهمونهم في خطاباتهم علنا أنهم قبليون هم انفسهم يمارسون تمظهرات القبلية في الليل فإن ذلك أسلوب آخر خطأ.
ففي غياب معارضة سياسية وطنية في الداخل- المعارضة ممنوع الترخيص لها إلى ما بعد الاستقلال-  وفي غياب هئيات مؤثرة من خارج النظام تنتقد الأداء السياسي وتقوم بالرقابة وفي حضور للإحساس بعدم العدالة، وبعدم التغيير كانت القبيلة هي الأداة الأكثر تحمسا والأكثر تنظيما للدفاع عن من وقع عليه ظلم سوى كان معنويا أو ماديا، وربما قد يتم استعمالها للضغط على النظام نفسه إذا بقيت الاساليب هي نفسها..                                                        
إذن، التركيز الآن يجب أن يتم على كيفية تفكيك القبيلة أجتماعيا وسياسيا وربط الناس بهئيات حضارية ضمن الدولة تضمن لهم أكثر مما  كانت ستضمنه له القبيلة. الشيء الآخر يجب ان نبتعد عن تخويف الناس من وهم أن القبلية هي التي تؤخر استقلالنا وأننا توحدنا أول يوم ضد القبلية.

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء