خطأ المغرب: المماطلة ليست استراتيجية


الكثير من الدول، خاصة الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية، تكون قد ملت من المماطلة المغربية في التسويف والانتظار. فالمغرب دآب على تهدئية غالبية الدول بمهدئ أن القضية سيتم حلها في غضون شهور أو عام أو عامين، وأنه من غير المنطقي التسرع والأعتراف بدولة يمكن أن يصبح سكانها، في فترة وجيزة، جزءا من المغرب وتصبح أرضهم مقاطعة مغربية.
فكلما تحركت دولة وأعلنت أنها يمكن أن تتفهم وضع الصحراء الغربية ووضع شعبها وأنها يمكن أن تدرس قضية الأعتراف بها يسارع المغرب إلى تلك الدولة ويقول لها أنه من غير المنطقي الأعتراف بدولة أرضها متنازع عليها وتوجد عليها الأمم المتحدة، ويمكن أن تصبح أرضها " مغربية"
فقبل أن يتم تبني الاستفتاء في الأمم المتحدة سنة 1991م كان المغرب يهدئ العالم قائلا له أن البوليساريو ماهي إلا مجموعة من المرتزقة وسيتم سحقها في عدة أيام أو خلال سنة، ورغم أن الميدان والحرب كانت تقول غير ذلك إلا أن المغرب واصل سياسة الأبتزاز تلك للمجتمع الدولي وتمكن من الإفلات من المحاصرة لإن الصراع يقع في نقطة ميتة في صحراء بعيدة عن التغطية الإعلامية والسياسية .. وحدها منظمة الوحدة الإفريقية تعاملت مع الموضوع بحزم وعاملت المغرب باللغة التي يفهم . فحين تأكد للمغرب، في سنة 1981م، أن الجمهورية الصحراوية سيتم قبولها في منظمة الوحدة الإفريقية أعلن قبوله للأستفتاء، لكن حين بدأ المماطلة وأظهر نية في محاولة التخلص من وعوده بتنظيم الأستفتاء عاقبته القارة الإفريقية: تم طرده من منظمة الوحدة الإفريقية وتم قبول الجمهورية الصحراوية في المنظمة.       
منذ وقف إطلاق النار تغيرت لغة المغرب. لم يعد في لغته الدبلوماسية يستعمل تكتيك " سيتم القضاء على البوليساريو"، ايتبلد ذلك التكتيك بدق طبول الأستفتاء، وكلما حاولت دولة أن تعلن أعترافها أو تدرس وضع الصحراء الغربية القانوني يذهب المغرب إليها ليقَبِّل يديها ورجيليها ويقول لها ان القضية في طريقها للحل، وأن الأمم المتحدة متواجدة في الإقليم وسيتم تنظيم أستفتاء في أقرب الآجال، وبالتالي فإنه من المنطقي الانتظار وعدم التسرع.. على هذا النحو بقى المغرب على مدار 17 يدحرج كرة الانتظار على صدره حتى وصل إلى سنة 2007م، هي السنة التي أعلن فيها أنه يتقدم للمجموعة الدولية بمشروع الحكم الذاتي بسبب أن الأستفتاء فشل، وأنه صعب التطبيق وغير منطقي..
من سنة 2007م، تم تغيير في الاستراتيجية. تم تغيير خطاب التسويف والانتظار، وتم استبدال لننتظر نتائج الاستفتاء بلننتظر نتائج الحكم الذاتي، وكلما أرادت دولة أن تعترف بالجمهورية الصحراوية يهرع المغرب إليها ليقول لها: لا داعي للتسرع، الإقليم سيتم منحه حكما ذاتيا تؤيده أمريكا وفرنسا ويحوز على رضى غالبية الصحراويين..
منذ 2007م إلى الآن- ثماني سنوات- لم يتم لا منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا ولا فيديراليا، وكل ما في الأمر هو أن الحكم الذاتي الذي كان المغرب يرقص على إيقاعه وينفخ به أشداقه تم إقباره وأنتهت حكايته مثلما بدأت.. الآن الحكم الذاتي أصبح في خبر كان وزادت حساسية الصحراويين من ذكره أو وروده في اي قرار أممي، وبااتالي تم أنتزاع من المغرب ورقة مهمة هي ورقة التسويف والأنتظار.
فحين ذهب المغرب إلى السويد مؤخرا لم يحمل إليها أية حجة، فلا هو حمل إليها مهدئ الحكم الذاتي ولا مهدئ الاستفتاء، وكلما فعل هو أنه، حمل إليها مهيج التهديد والوعيد.. فالذهاب إلى دولة ذات سيادة وتهديدها في قعر دارها ومحاولة فرض عليها أن تنتظر السراب يمكن أن يجعل الوضع ينقلب على المغرب. فطرد الشركات وتنظيم مسيرة غوغائية أمام السفارة السويدية هو دليل على النرفزة فقدان السيطرة على الأعصاب. فلو كانت السويد استقبلت الوفود المغربية وتفهمت ما ذهبت به هذه الوفود ما كان تم طرد الشركات السويدية ولا تم تنظيم المسيرة الغوغائية، وكان تم ردم الموضوع ووضع الطلاء عليه، لكن يبدو أن الوفود المغربية لم تتفاهم مع السويديين لإنها لم تحمل لهم أي جديد، حينها لجأ المغرب إلى النرفزة وفقدان السيطرة على والرد بالتهديد..
الآن يمكن أن تتوسع بقعة الزيت، ويمكن أن تنتقل العدوى.. فبريطانيا، خاصة بعد تحول المعارضة إلى الزعيم النقابي جيرمي كوربن، وبروز ضغط كبير من ايرلندا لصالح الأعتراف بالجمهورية الصحراوية، وتململ داخلي يريد صراحة دعم القضية الصحراوية، من الممكن أن يكون هناك في الأيام القادمة بعض التطور على صعيد دعم قضية الشعب الصحراوي.
وليست بريطانيا وحدها هي المؤهلة أن تعلن عن موقف مثل موقف السويد لكن إيطاليا والدنمارك وفنلدنا وهولندا، ومن أمريكا اللاتينية البرازيل والارجنتين ودول أخرى محتلمة..
إن هذه الدول لا تحقد على المغرب ولا تريد تسجيل أنتصار ضده، لكن المغرب هو الذي وقع في الفخ. فالأعتماد على سياسة الهرولة إلى الأمام والحلم بحل للقضية الصحراوية في غضون شهور أو في غضون عام، وسياسية انتظروا سنجد حلا كانت دائما خائبة، وجعلت المغرب في الأخير يُقدم بغباء سياسي لا نظير له على محاصرة نفسه بتهديدات دبلوماسية تخرج له من حيث لايحتسب. مالذي سيقوله المغرب غدا لبريطانيا إذا قالت أنها ستحذو حذو السويد؟ هل سيقول لها سينظم الاستفتاء، هل سيقول لها انتظري حتى يتم منح الإقليم حكما ذاتيا؟  أم سيُقدم على التصعيد ضدها مثلما فعل مع السويد فيطرد الشركات ويحاصر السفارة.  إن استنفاذ مهدئيات انتظار تنظيم الاستفتاء وانتظار منح الإقليم حكما ذاتيا يجعل المغرب يصبح أمام سيناريوين:
الأول السكوت عن ما ستقوم به بعض الدول في القادم من الأيام لصالح دعم القضية الصحراوية، وبالتالي يتحمل الضربة العمودية الموجعة على القفا ويسكت يلحس جرحه ويمضي في تحديه للأمم المتحدة والمجتمع الدولي ويضيف إلى عبء خرق القانون الدولي عبئا آخرا هو غضب الدول عليه.
السيناريو الثاني هو التصعيد مع أية دولة قد ترفع صوتها بدعم القضية الصحراوية، وفي هذه الحالة سيصبح المغرب محاصرا من جميع الجهات وسيتلقى المزيد من الضربات ليس على القفا لكن على الوجه ومباشرة

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء