المقاومة الصحراوية السلمية: الأعتقال، التعذيب، التعسف، العنصرية( دراسة)

 تجريم الاعتقال التعسفي ونقل المعتقلين خارج الأراضي المحتلة

إن ما حدث للصحراويين الذين اعتقلوا يدخل ويصنف في خانة الخطف، الاعتقال التعسفي، الاختطاف القسري والنقل خارج الأراضي المحتلة. فكل الذين اعتقلوا تم نقلهم سرا إلى سجون ومخابئ ودهاليز سرية تحت الأرض لا يعرف أي أحد عنها شيئا في عمق المغرب، وهو عمل يحرمه ويجرمه القانون الدولي.. 

في 9 يوليوز 2004م أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا حول جدار الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين، تقول عنه أنه جدار غير شرعي. إن نفس الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى بناء جدار الفصل العنصري في فلسطين، هي التي دفعت المغرب، سنوات كثيرة قبل هذا، ببناء جدار فصل عنصري في الصحراء الغربية. إن الهدف هو واحد: منع سكان الإقليم الحقيقيين الصحراويين من الاتصال فيما بينهم؛ منعهم من استغلال ثرواتهم؛ منعهم من التنقل بحرية في وطنهم. فحين نتحدث عن أن المغرب بنى الجدار من أجل الثروات فهذا يعني أننا نقصد أن الجدار كان وسيلة لمنع الصحراويين من استغلال ثرواتهم، من جهة، ولحماية قوات الاحتلال حتى تسرق هذه الثروات دون إزعاج. فالجدار تم بناؤه كسياج حول كل المناطق التي توجد بها ثروات معدنية أو منجمية في الصحراء الغربية. وكي نضرب مثالا على ذلك نذكر أن المغرب بنى الجدار الأول والثاني حول مناجم الفوسفات فقط وسماه جدار حول المثلث المفيد.
إذن إن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل في فلسطين المحتلة، واعتباره غير شرعي، ينطبق، تماما، على جدار الفصل العنصري في الصحراء الغربية مع اختلاف وحيد وهو أن الجدار المغربي في الصحراء لا تمكن مقارنته، بسبب خطورته( ملغم، مسيج باسلاك كهربائية )  مع الجدار الإسرائيلي في فلسطين.                    






فمن جرائم الحرب تعمد حرمان ا لأسرى، المعتقلين، والمختطفين أو أي شخص محمي طبقا للقانون المدني الأساسي من حقه في محاكمة عادلة وبصورة قانونية وبدون تحيز.
فحسب اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م – المادة الثالثة والثلاثين- " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب."
في المادة السابعة( 7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر1966م نجد:
"لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر."
 ووفقا للمادة 7\1\ه من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعترف بها عالميا فإن الاعتقال، الاختطاف أو السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية، بما يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي، يعد جريمة ضد الإنسانية. أيضا حين نعود لاتفاقية جنيف الرابعة نجد أنها تقول في مادتها  49 على أنه  "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي  دولة الاحتلال. واستنادا للمادة 8/ب/ 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنه يعتبر من جرائم الحرب إبعاد أو نقل جزء من سكان الأرض المحتلة إلى دولة الاحتلال أو خارج الأراضي المحتلة .وبموجب المادة 7/د من نفس النظام، فإن الإبعاد أو النقل القسري للسكان المدنيين يعتبر جريمة ضد الإنسانية (1 .
التعذيب كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية
 وفقا للمادة الثامنة(8) 2/ من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، يعتبر التعذيب من جرائم الحرب،  ومخالفة خطيرة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام1949م. فقد نصت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين زمن الحرب على أن " المخالفات الجسيمة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية: القتل العمد، والتعذيب والمعاملة القاسية " ، كما تعتبر ممارسة التعذيب بشكل واسع النطاق أو منظم جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة7 1/و من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
إن المغرب متهم بارتكاب جرائم التعذيب وجرائم الاختطاف القسري، وهي أيضا، مثل باقي الجرائم الجسيمة لا تموت بالتقادم.
جريمة التمييز العنصري.. وجريمة الفصل العنصري
جريمة التمييز العنصري
 حسب الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري التي اُعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965م فإن تعريف هذه الجريمة (التميز العنصري) الوارد في الجزء الأول المادة 1هو كالأتي :" في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الأثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة."([1]) 
سيكون من الصعب جدا، أو من شبه المستحيل تقريبا، الحديث عن جرائم الاحتلال وجرائم المستوطنين دون الحديث عن جريمتين آخرين ذات ارتباط وثيق بوضع الاحتلال وافرازاته هما: جريمة الفصل والتمييز العنصريتين. إن التمييز العنصري والفصل العنصري، بسبب أثارهما المدمرة على التعايش بين الأجناس، بين المجموعات البشرية وبين الأعراق، ترقيان إلى رتبة جريمة ضد الإنسانية.
بالرجوع إلى التاريخ على مر العصور، نجد إن جريمتي التمييز العنصري والفصل العنصري، كانتا دائما ظلا للاحتلال؛ فأينما وُجد الاحتلال كان التمييز العنصري حاضرا ومُمارسا ببشاعة. فمثلا حين أنقض البيض، بوحشية حيوانية، على السكان الأصليين في أمريكا نتج عن ذلك الاحتلال والاستعباد والإبادة تمييزا وفصلا عنصريا سيبقى مكتوبا على جبين البشرية. حين تغلب، عددا وعتادا، البيض على السود في أمريكا كان التمييز العنصري، على أساس لون البشرة، هو سيد الحياة: مقاعد للسود ومقاعد للبيض، مطاعم للبيض ومطاعم للسود إلخ.
في عصرنا الحالي اشتهر مصطلح "نظام الأبارتيد"( نظام مبني على التمييز العنصري) الذي مارسته الأقلية البيضاء  على الأكثرية السوداء في جنوب إفريقيا حتى صار مصطلحا عالميا. في فلسطين مارس الاحتلال الإسرائيلي التمييز العنصري ضد الفلسطينيين حتى جعل حياتهم لا تطاق. في هذا السياق، سنجد أنفسنا مضطرين إلى الحديث عن التمييز العنصري الذي مارسه الاحتلال المغربي على الأقلية الصحراوية في المدن المحتلة. فمنذ أن أحتل المغرب بوحشية وبشاعة الأراضي الصحراوية، بدأ يمارس بتلذذ، بدون رادع ولا وازع، كل مظاهر التمييز العنصري وتجلياته. ففي البداية تم طرد الصحراويين وتشريدهم على أساس أنهم صحراويون، ثم بعد ذلك بدأت عمليات التخلص منهم بشتى الطرق: التهجير، المضايقات، التهجم، الطرد، انتزاع الممتلكات، انتزاع مناصب الشغل. وليس فقط الطرد والمضايقات، إنما أيضا من جانب أخر، بدأ الاحتلال ووسائله من مخزن ومستوطنين يرتكب جرائم أخرى تتم على أساس الهوية مثل الاختطاف القسري، السجن، الملاحقات، المداهمات، الاعتقالات في أماكن سرية. كل هذه الجرائم، رغم أنها توضع في سلة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، هي أيضا جرائم تمييز عنصري. 
فمن بين أشكال التمييز العنصري التي لجأ إليها الاحتلال المغربي هي الدعاية للحرب والتحريض على تصفية الصحراويين. ففي الخطاب الرسمي المغرب هناك تعبئة واضحة تمارس على الصحراويين حسب الهوية. فالتحريض المغرض الممارس من طرف السلطة في المغرب ووسائل إعلامها ودعايتها وأجهزتها القمعية تصب كلها في تهييج المغاربة ضد العنصر الصحراوي. فالصحراوي هو "انفصالي"، هو "أداة بيد الجزائر"، هو شخص يريد أن "يبني" دولة على جزء من أرض المغرب، هو شخص يريد أن يعيش دون أن يعمل، هو شخص يريد امتيازات خاصة لا يتمتع بها المغاربة. إن هذه الدعاية والتحريض جعلت الصحراوي يُنظر إليه بنظرة غير طبيعية من طرف المغاربة أينما تواجدوا. ففي كل مكان تواجد فيه الصحراوي في المغرب مثلا إلا وتم النظر إليه على أنه مصاب بوباء أو أجرب أو عميل وخائن.
وبسبب مجاهرة الصحراوي بحقه في الحرية، تنظر دولة الاحتلال المغربية إليه نظرة غير طبيعية. فأينما ذهب الصحراوي، أيا كان جنسه أو عمره، إلا وتبعه البوليس السري المغربي يتحرى عنه ويلاحقه. فأي صحراوي ذهب مثلا إلى مدن المغرب الشمالية لابد أن يكون تحت المراقبة المستمرة؛ فهو إما جاسوس أو مكلف بمهمة ضد المملكة المغربية ونظامها أو هو ذاهب في مهمة لصالح شعبه وقضيته. وزاد من تفاقم ظاهرة التمييز العنصري ضد الصحراويين، خيبة أمل النظام البوليسي المغربي في كسب ودهم وقلوبهم. إن عدم ترويض الصحراويين وتذويبهم وجعلهم، بعامل الوقت، ينسون قضيتم ووطنيتهم جعل التميز العنصري ضدهم يتفاقم. فمثلا لا يخرج صحراوي من مدينته إلا وتم تفتيشه واستجوابه مئة مرة قبل إن يصل إلى المكان الذي يقصد، ولا ينوي صحراوي مغادرة المغرب إلى دولة أجنبية إلا وتم فتح محضر له ملئ بالأسئلة والاستفسارات. فمن الإجراءات التمييزية التي يلجأ إليها المغاربة ضد الصحراويين أنهم أحيانا ينزلونهم من الحافلات ويفتشونهم دون سواهم من الركاب، أو ينزلونهم ويتركونهم في العراء أو يقيمون نقاط تفتيش خاصة بهم. إن أشكال التمييز العنصري ضد الصحراويين لا تكاد تنهي. فهناك لا للحصر مجموعات كثيرة مدربة، معبأة ومجندة لغرض استفزاز الصحراويين عنصريا. فمثلا هناك عناصر تبدأ، رغبة منها في الاستفزاز والاحتقار، وكلما التقت بصحراوي، بترديد شعارات عنصرية أو شعارات تقول إن الصحراء هي " مغربية"، وهذا يحدث في المدارس، أماكن العمل وفي الشارع.  فالطلبة الصحراويون الذين يذهبون للدراسة في الجامعات المغربية يسمونهم ي الجامعة ووسائل الإعلام "خوارج الجامعة المغربية" «الانفصاليين» و«مثيري الشغب» و«مدللي المقاربة الامتيازية».
 وحتى الثقافة تم توظيفها للتمييز العنصري؛ فالمغاربة يقومون بتشويه الزي الصحراوي، خاصة زي النساء، ويقومون بتشويه الثقافة المحلية كأن يقلون مثلا إن الغناء الصحراوي هو نباح إلخ.        
في المدارس أيضا يقوم الاحتلال المغربي بتقسيم الطلبة\ التلاميذ الصحراويين إلى مجموعات قليلة ويوزعهم على الأقسام ذات الأكثرية المغربية، وهنا يتعرضون – عمدا طبعا- لكل أشكال الإهانات والاستهزاء والسخرية العنصرية. ولا يتعرض الطلبة والأطفال للتمييز المحط للكرامة في الفصول الدراسية فقط، إنما وهذا اخطر طبعا، تفرض عليهم معتقدات وأفكار لا يقتنعون بها، فمثلا يفرضون عليهم أن يحفظوا النشيد الوطني المغربي، ويفرضون عليهم أن يقولون أن الصحراء هي "مغربية" وما إلى ذلك من إهانات عنصرية.
       
تجريم التمييز العنصري
كل القوانين والاتفاقيات الدولية تجعل من التمييز العنصري جريمة. ففي اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في غشت سنة 1949م، خاصة مادتها الثالثة\ ج نجد أن  الحديث عن تجريم الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة"؛ أي أنه تمنع وتعتبر جريمة أي معاملة تحط من كرامة الشخص، والتمييز العنصري يهدف في مجمل تجلياته إلى الاعتداء والحط من كرامة مجموعة بشرية ما.

حين نعود إلى الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدت من طرف الأمم المتحدة بقرار الجمعية العامة 2106  (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965م نجد ما يجرم التمييز العنصري:
فمثلا في المادة الرابعة (أ) اعتبار كل نشر للأفكار القائمة علي التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض علي التمييز العنصري، وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض علي هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، هو جريمة يعاقب عليها القانون،"([2])
أيضا في نفس المادة ( الرابعة) : (ب) إعلان عدم شرعية المنظمات، وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية، التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات وا[3]عتبار الاشتراك في أي منها جريمة يعاقب عليها القانون،
(ج) عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه."
أيضا حين نعود لإعلان الأمم المتحدة([4]) للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963 (قرار الجمعية العامة 1904 (د-18)) نجد أنه يؤكد رسميا "ضرورة القضاء السريع علي التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها."
- في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتُمد وعُرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200  (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966م نجد أنه في المادة 26 يقول:" الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يَحظر القانون أي تمييز، وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي، سياسيا كان أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب." [5]
نبقى في نفس الاتفاقية، المادة 27، لنرى أنه " لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم."
في مادة أخرى (49) من نفس العهد نجد:
1.- يحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2 -  تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. ()                   
إن الإطلاع على كل هذه المواثيق والاتفاقيات التي تجرم التمييز العنصري تجعلنا نقتنع إن المغرب ينتهك القانون الدولي الإنساني ويعبث به في الصحراء الغربية التي أحتلها عام 1975م، وانه يجب إن يبدأ تحرير تُهم ضده بارتكاب جريمة التمييز العنصري.



- جريمة الفصل العنصري في الصحراء الغربية( الجدار "الدفاعي" الرملي نموذجا )
 حسب ﺍلاﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻘﻤﻊ ﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ التي اُﻋﺘﻤﺩﺕ ﺒﻤﻭﺠﺏ ﻗﺭﺍﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻸﻤﻡ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ 3068 (ﺩ-28)، ﺍﻟﻤﺅﺭﺥ ﻓﻲ 30 ﺘﺸﺭﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ/ﻨﻭﻓﻤﺒﺭ 1973م فإن تعريف جريمة الفصل العنصري قد وردت في المادة الثانية من الاتفاقية كما يلي:" ينطبق مصطلح "ﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ"، ﺍﻟذي يشمل ﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﻭﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺯل ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺯ ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻴﻴﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﺒﻬﺔ ﻟﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻤﺎﺭﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻭﺏ ﺍﻷﻓﺭﻴﻘﻲ، ﻋﻠﻲ ﺍﻷﻓﻌﺎل ﺍﻟﻼﺇﻨﺴﺎﻨﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺭﺘﻜﺒﺔ ﻟﻐﺭﺽ ﺇﻗﺎﻤﺔ ﻭﺇﺩﺍﻤﺔ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﻓﺌﺔ ﻤﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻋﻠﻲ ﺃﻴﺔ ﻓﺌﺔ ﺃﺨﺭﻱ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﺸﺭ ﻭﺍﻀﻁﻬﺎﺩﻫﺎ ﺇﻴﺎﻫﺎ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ."[6]     
  إن الفصل العنصري هو خلق وضع - مبتكر أو مقلد- من طرف مجموعة بشرية – احتلال مثلا- بقصد جعل مجموعة ب[7]شرية أخرى تعاني، تُحرم وتتعذب من جراء هذا الوضع. في الصحراء الغربية لم يسلم الصحراويون من جريمة الفصل العنصري أيضا. فحتى لا تبقى جريمة واحدة ووحيدة من الجرائم المعروفة ضد الإنسانية لم يرتكبها المغرب ضد الصحراويين لجأ المغرب، مثله مثل إسرائيل والدول العنصرية في التاريخ، إلى بناء الجدران العنصرية.  هنا كنموذج للفصل العنصري نذكر الجدار الذي بناه المغرب في الصحراء الغربية.
 
ان الحزام الرملي الذي بنته القوات المغربية منذ نهاية سنة 1980م، لا يمكن ان يقارن


 بأي مشروع عسكري في التاريخ ماعدا سور الصين العظيم. ان وجه المقارنة يكمن 



في الطول المسافاتي فقط( 2200كلم)، لكن من حيث الخطورة لا مجال للمقارنة، 



فسور الصين أرحم بكثير من الحزام الرملي المغربي. إن عمل المغاربة لا يمكن أن 



يسمى سورا دفاعيا  فقط، لكن يسمى حزام الموت وجدار العزل العنصري. لقد تم 



تصميمه بأحدث طريقة عصرية يمكن أن يتم ابتكارها؛ فالذي يقترب منه يجب ان لا 



يعود سالما، فإذا نجا من الألغام المزروعة عند جبهته الأمامية لا ينجو من السياج، وإذا 



نجا من هذا الأخير، فإن الرشاشات ستكون بالمرصاد له، وفي حالة تخطي المقترب 



منه لكل هذه الوسائل، فإن الهاونات كفيلة بالقضاء عليه.


تزامنت بداية بناء الحزام الرملي سنة 1982م في الصحراء الغربية مع بداية الإفلاس 



الذي أصاب الخزينة المغربية نتيجة للمصاريف الكبيرة التي كانت تنفق على الجيش 



الذي يتخبط في الهزائم. انه لم يكن من المنطقي بتاتا، في تلك الفترة، ان يقوم المغرب، 



المفلس المهزوم، ببناء مشروع أسطوري مثل هذا باعتماده على نفسه، نظرا لحجم 



الأموال المصروفة فيه. ان الذي حدث عليه اتفاق، في كل المصادر، هو أن الحزام 



ممول من طرف السعودية بتكلفة بلغت بليون دولار أمريكي، واشتركت في تنفيذه فرنسا



وأمريكا وإسرائيل، وهناك معلومات موثوق بها تقول أن أريال شارون وباراك زاروا 



الحزام الرملي المغربي أثناء بنائه رفقة خبراء إسرائيليين.


إذن فكرة الجدار وتجهيزه هي إسرائيلية وأمريكية، أما التمويل فهو سعودي وعربي، 



أما التنفيذ، المهمة السهلة في المشروع، فقام بها الجيش المغربي في تلك الصحراء 



القاسية، أما الضحايا فهم شعب صغير، مسالم اسمه الشعب الصحراوي.  


لكن ما هو دور الولايات المتحدة الأمريكية في بناء الأحزمة الرملية الدفاعية في 



الصحراء الغربية,؟
لقد بذلت الإدارتان،  الأمريكية والإسرائيلية،  جهودا مضنية للمشاركة في بناء الأحزمة الرملية العنصرية 

في الصحراء الغربية، لكن من زاوية ثانية حاولتا قدر الامكان، خاصة الإدارة الأمريكية، أن لا ينكشف 

أمرهما، وان تنجزا مهمتها تحت جنح الظلام بسرية تامة. لقد تزامنت بداية إنجاز الحزام الرملي المذكور 

مع فوز رونالد ريغان، الذي تشير الدلائل انه ركز، ضمن مخطط إدارته المخصص للمغرب، على بناء 

دفاعات قوية في الصحراء الغربية، ورفع القيود عن استعمال المغرب للسلاح الأمريكي في الحرب ضد 

البوليساريو. في مخطط واشنطن المذكور، يحمل الحزام الرملي الدفاعي اسم " الحل الأخير"، ويوصف 

بأنه" جدار الصين العظيم في الصحراء الغربية" ومعه ملحق تام للتفاصيل الدقيقة التي يتطلب بما في ذلك 

وسائل الدفاع والإنذار المبكر،  وهناك معلومات تشير إلى أن الجنرال " فرنون والترز" أشرف على 

عمليات البناء.

في الوقت الذي كان فيه الجيش المغربي منهمكا في بناء الحزام الرملي العملاق، كانت كتائب البوليساريو 

تراقب العملية عن كثب، ومن حين لآخر تشن عمليات خاطفة أطلقت عليها، عمليات عرقلة بناء الأحزمة، 

وفي بعض الأحيان تختطف جنودا مغاربة من بين الذين يقومون بعمليات البناء ذاتها. كانت أخبار تقدم 

إنجاز الحزام تصل تباعا إلى قيادة البوليساريو العسكرية، عن [1]طريق وحدات الاستطلاع الصحراوية، 

وفي مرات عديدة كانت المعلومات تقول أن هناك عناصر غريبة وسط الجيش المغربي بمواصفات معينة. 

كانت العناصر المقصودة وحدات أمريكية متخصصة في حرب العصابات تسمى "القبعات الخضراء"، 

وجاءت تحت غطاء " تدريب وحدات سريعة التدخل من قوات الدليمي لتقاتل بفعالية ضد البوليساريو في 

حرب الصحراء. ([2])

أهداف الجدار الرملي
- هو جدار يهدف إلى منع الصحراويين، السكان الأصليين، من العودة إلى وطنهم، ومن الانتفاع بثرواتهم. 

ففي البداية تم بناؤه فقط حول المدن الكبيرة والمناطق التي تضم المعادن والمناجم مثل الفوسفات وحول 

الشاطئ البحري الطويل.

رغم أن المغرب يسميه " جدار الدفاع" إلا أن تسميته الحقيقية هي جدار الفصل العنصري أو جدار العار. 

فالجدار المذكور أُنشئ من أجل تقسيم أرض ووطن، جغرافياً، إلى قسمين أحدهما، الغني والمهم استراتيجياً، 

محتل والآخر فقير وصحراء.

-    ولا يقسِّم الجدار الأرض تقسيما جغرافيا فقط، إنما، وهذا هو الأخطر والذي يعتبر بمثابة جريمة فصل 

عنصري وجريمة ضد الإنسانية، قسَّم شعب( مجموعة بشرية) إلى قسمين ممنوع عليهما التواصل ماديا.

-    إنه جدار مكمل لجدار الحصار الذي أقامه الاحتلال على الصحراويين في المناطق المحتلة. فحتى يمنع 

الصحراويين من التواصل عمد المغرب إلى المنع، مع سبق الإصرار، على الصحراويين التواصل المادي فيما 

بينهم.  

-    . وبالإضافة إلى أنه يقسم مجموعة بشرية إلى قسمين، وهذا يعتبر جريمة في القانون الدولي، فإنه أيضا 

يفصل بين العائلة الواحدة إلى قسمين أو أكثر؛ أي انه يمكن أن نجد نصف عائلة ما في الجزء المحتل ونصفها 

الآخر في الجزء الأخر.

-    يشكل الجدار الرملي، أيضا، مصدر خطر تاريخي دائم على السكان، فحتى لو انتهى الاحتلال وانتهت معه 

أسباب إقامة الجدار، فإن الخطر سيبقى كامنا في المنطقة التي أقيم عليها. أنه من الصعب، مهما أقيم به من 

أعمال دقيقة لتنظيف المنطقة، إزالة كل الألغام وأدوات الموت التي زرع الاحتلال المغربي في الجدار، خاصة 

إن المنطقة صحراء وكثيرة الرمال.

-    يمنع الجدار الصحراويين من تنمية اقتصادهم البسيط. فالصحراويون بعد أن أحتل المغرب أرضهم ومنعهم، 

بالقوة والعنف، من الاستفادة من ثرواتها لجئوا إلى العيش من ريع اقتصاد هش هو التنمية الحيوانية والتجارة. 

فحتى يحافظ الصحراويون، قديما، على تنميتهم الحيوانية كانوا يلجئون إلى التنقل في الصحراء بكاملها؛ أي أنهم 

كانوا يقضون الشتاء مثلا في الجنوب، ويقضون الصيف والخريف في الشرق. حين تم بناء الجدار المذكور تم 

القضاء على الثروة الحيوانية لإنها مُنعت من التنقل الذي يضمن لها الحياة.                         






[1] - المؤلف من كتاب الموقف الامريكي من قضية الصحراء دار اليانثا كولتورال سنة 2006م اسبانيا ص 66

               

الجدار الرملي جريمة فصل عنصري وجريمة ضد الإنسانية
- تجريم الفصل العنصري
إن أعمال الفصل العنصري التي لجأ إليها المغرب ضد الصحراويين، في وطنهم، هي جرائم ضد الإنسانية، فبالإضافة إلى عزل الصحراويين في أحياء ومحاصرتهم على الهوية، فإن الجدار الصخري يعتبر أكبر نموذج على هذا النوع من الجرائم. ففي الاتفاقيات الدولية فإن الفصل العنصري جريمة، ولنأخذ نموذجا:
"الاﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻘﻤﻊ ﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ" التي صادقت عليها ﻗﺭﺍﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻸﻤﻡ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ في قرارها 3068 (ﺩ-28) ﺍﻟﻤﺅﺭﺥ ﻓﻲ 30 ﺘﺸﺭﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ/ﻨﻭﻓﻤﺒﺭ 1973م، نجد ما يلي:  
1- ﺘﻌﻠﻥ ﺍﻟﺩﻭل ﺍلأﻁﺭﺍﻑ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍلاﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ ﺠﺭﻴﻤﺔ ﻀﺩ ﺍلإﻨﺴﺎﻨﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻷﻓﻌﺎل الاﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺠﻤﺔ ﻋﻥ ﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﻭﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺕ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ ﻭﻤﺎ ﻴﻤﺎﺜﻠﻬﺎ ﻤﻥ ﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﻭﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺯل ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺯ ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻴﻴﻥ، ﻫﻲ ﺠﺭﺍﺌﻡ ﺘﻨﺘﻬﻙ ﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ، ﻭﻻ ﺴﻴﻤﺎ ﻤﺒﺎﺩﺉ ﻤﻴﺜﺎﻕ ﺍﻷﻤﻡ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ، ﻭﺘﺸﻜل ﺘﻬﺩﻴﺩﺍ ﺨﻁﻴﺭﺍ ﻟﻠﺴﻠﻡ ﻭﺍﻷﻤﻥ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﻴﻥ."  
2. ﺘﻌﻠﻥ ﺍﻟﺩﻭل وﺍلأﻁﺭﺍﻑ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍلاﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺘﺠﺭﻴﻡ ﺍﻟﻤﻨﻅﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﻭﺍلأﺸﺨﺎﺹ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺭﺘﻜﺒﻭﻥ ﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﻔﺼل ﺍﻟﻌﻨﺼﺭﻱ.
وكتحصيل حاصل فإنه حسب الاتفاقيات الدولية، فإن المغرب هو بلد متهم بارتكاب جرائم فصل عنصري. إن جريمة الفصل العنصري، مثلها مثل الجرائم الجسيمة الأخرى، هي جرائم لا تشطب بالتقادم ولا يتم نسيانها.
- جريمة تجويع الصحراويين
إذا كان الصحراويون قد تعرضوا لمختلف الجرائم ضد الإنسانية فإنهم من جهة خطيرة أخرى تعرضوا لجريمة أخرى تُضاف إلى لائحة الجرائم السابقة هي جريمة التجويع والتفقير ونهب الثروات. إن الصحراويين أو العالم أجمع يُجمعون أن احتلال الصحراء الغربية من طرف المغرب تم فقط من أجل حرمان الصحراويين من ثرواتهم، وأنه بمجرد إن يتم إخلاء الصحراء من جميع ثرواتها وتحويلها إلى أرض فقيرة فإن المغرب سيخرج منها.  
فمنذ سنة 1980م، عمد الغزو المغربي، بعد أن تحول إلى احتلال، إلى أتباع طريقتين:
الأولى هي فرض على الصحراويين الرحل التخلص من ماشيتهم وترحيلهم قسرا إلى المدن المحتلة بالعسكر والمستوطنين بحجة أن المنطقة هي عسكرية. أيضا، وتحت نفس الحجة، منع على الذين منهم كانوا يمارسون التجارة من موريتانيا أن يتنقلوا إليها بسهولة. فكل شخص كان يرفض مثلا ترك قطعان إبله في الصحراء كان الجيش يقضي عليها بالتغذي بها أو بإباداتها بالرشاشات أو تسميم مياه شربها.  
الطريقة الثانية، هي المسارعة إلى احتلال المناجم مثل الفوسفات ووضعها تحت مراقبة وتسيير عسكريين وتابعة مباشرة للملك، وطرد الصحراويين منها. وحتى لا تتم مهاجمتها من طرف ثوار البوليساريو، قام الاحتلال ببناء جدران رملية حولها سماها جدران لحماية المناطق المفيدة.       

إن وجود شعب صحراوي قليل في مساحة شاسعة وغنية مثل الصحراء الغربية، كان يفترض، لو وُضع الإقليم تحت وصاية دولية، أن تذهب ثرواته إلى سكانه لا إلى المحتل. لكن على ما يبدو كان يحدث العكس: يتم تجويع وتفقير الصحراويين أصحاب الأرض، وبالمقابل يستمتع المستوطنون المغاربة بالثروات. فرغم غِنى الإقليم الفاحش ( ثروات، شواطئ هامة عالمياً ) كانت نسبة الصحراويين الذين يعانون الفقر المدقع، تصل أحيانا إلى حوالي 70%، وفي ذات الحين نجد أن نسبة المستوطنين التي تتمتع بوضع اقتصادي جيد ورفاهية مريحة هي نسبة مرتفعة. فمثلا في سنة 1975 دخل حوالي مليون مستوطن مغربي إلى الصحراء الغربية في المسيرة السوداء أو بطرق أخرى، وحوالي 300 ألف جندي دون عد القوات المساعدة. في البداية كان هؤلاء المستوطنون يعيشون على أطراف المدن في أكواخ من القماش والزنك، يقتاتون على جمع الجلود والخشب والألواح والنحاس المرمي ويشحنونها إلى التل كمصدر رزق لهم. وبسبب صعوبة وضعهم كان الصحراويون، السكان الأصليون يجودون عليهم بكل بما يستطيعون من أكل ولباس.  في سنة 1991، ستة عشر سنة بعد دخولهم، أصبح المستوطنون المذكرون يعيشون وضعا جيدا اقتصاديا وحصلوا على منازل وامتيازات ووظائف وسيارات. في نفس السنة دخلت دفعة أخرى – مسيرة سنة 91- من المستوطنين تصل إلى حوالي 200 الف. ومثلهم مثل من سبقوهم أقاموا أكواخهم الواهنة على الأطراف في تجمعات يسمونها "مخيمات الوحدة"، وبدؤوا، هم أيضا، يجمعون الجلود والنفايات يقتاتون منها. في سنة 2010م تحول كل أولئك المستوطنون أيضا إلى أغنياء لهم وظائف، ممتلكات، سيارات. كل ذلك كان يحصل على مرأى ومسمع من الصحراويين الذين أصبحوا أقلية مهمشة فقيرة. بالنظر من زاوية أخرى يمكن أن نقول أن الوضع انقلب: فالصحراويون الذين كان الأسبان يحسدونهم على قلتهم وغِنى وطنهم، وبدل أن يصبحوا مثل سكان الكويت أو قطر مثلما كان يظن العالم، أصبحوا يعيشون في الشوارع على الهامش يطالبون بالعمل والتوظيف والقوت اليومي.
وإذا كان المستوطنون قد شبعوا من الصحراء الغربية ونهبوها فإن الجيش المغربي كان، أيضا، من أكثر المستفيدين: ميزانية الجيش المغربي المتواجد في الصحراء الغربية وامتيازاته كلها مصدرها الثروات الصحراوية. فحتى يبقى الجيش المغربي في الصحراء يقاوم الظروف الصعبة، كان لا بد له من مقابل نفعي اقتصادي مغري. فالآن يتمتع الضباط المغاربة في الصحراء بوضع اقتصادي جيد، فهم يفعلون ما يحلو لهم: لهم بواخر كبيرة للصيد البحري، يحصلون على نسبة كبيرة من المعادن والمناجم الصحراوية والسياحة.     
في القانون الدولي والاتفاقيات التي تُعنى بحقوق الشعوب والأقليات، خاصة الواقعة تحت الاحتلال، لا يجب حرمان هذه الشعوب من ثرواتها الطبيعية. فمثلا في العقد الخاص ب" السيادة الدائمة علي الموارد الطبيعية" الصادر عن الجمعية العامة 1803 (د-17) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1962 نجد ما يلي:(1)
1)يتوجب أن تتم ممارسة حق الشعوب والأمم في السيادة الدائمة علي ثرواتها ومواردها الطبيعية وفقا لمصلحة تنميتها القومية ورفاه شعب الدولة المعنية.
2 ) ينبغي أن يتمشى التنقيب عن تلك الموارد وإنماؤها والتصرف فيها، وكذلك استيراد رأس المال الأجنبي اللازم لهذه الأغراض، مع القواعد والشروط التي تري الشعوب والأمم بمطلق حريتها أنها ضرورية أو مستحسنة على صعيد الترخيص بتلك الأنشطة أو تقييدها أو حظرها.
- المادة 7- يعتبر انتهاك حقوق الشعوب والأمم في السيادة علي ثرواتها ومواردها الطبيعية منافيا لروح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه ومعرقلا لإنماء التعاون الدولي وصيانة السلم.
 في نفس الاتفاقية تعتبر الأمم المتحدة أن السيادة على الثروات هي جزء من تقرير المصير. فالشعوب، حتى لو كانت مستقلة، وتوجد قوة أخرى تتصرف، بفعل تفوق تكنولوجي أو احتلال غير مباشر بثرواتها، فإن تقرير مصيرها سيظل ناقصا.
والمشكلة إن المغرب ينهب ثروات إقليم موضوع من طرف الأمم المتحدة في لائحة الأقاليم التي يجب إن تتم تصفية الاستعمار منها. أكثر من ذلك هناك رأي قانوني صدر سنة بتاريخ 29 جانفي2002م من طرف المستشار القانوني للأمم المتحدة السيد هنس كورلHans Corell، يقول أن استغلال المغرب وتنقيبه عن المعادن في الصحراء الغربية، وتوقيعه على عقود مع شركات أجنبية ليس قانونيا لإن اتفاقية مدريد سنة 1975م بين ا[10]لمغرب وأسبانيا وموريتانيا، لا يعطي ولا يخول المغرب بتاتا السيادة على الصحراء الغربية.([11]) 

وليس فقط نهب الثروات هو الذي يعتبر غير قانوني، إنما حسب الأمم المتحدة، إن إخضاع جماعة ما عمداً لأحوال معيشية ضنكة بقصد إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً، هو جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية. إن كل هذا حصل في الصحراء الغربية، وبموجبه سيبقى المغرب ملاحقا بجريمة نهب وسرقة ثروات ومن الواجب، طبقا لكل القوانين الدولية والإنسانية، أن تتم ملاحقته كي يقدم تعويضات للصحراويين مستقبلا.  
ورغم كل هذا فإن الذي انشغل به الصحراويون في المدن المحتلة في السنوات الأولى للاحتلال( 75- 82) كان هو التصدي للجرائم التي كانت تهدف إلى إبادتهم والقضاء عليهم. ففي سبيل التصدي للإبادة تم تكريس كل الفعل الوطني أينما وُجد لتبقى الوحدة الوطنية الصحراوية متماسكة وقوية، ويبقى الهدف، دائما، هو نفسه: تقرير المصير والاستقلال. فالتفكير كان كله منصبا على التوعية على الصمود والثبات وعدم التأثر بما حدث. وإذا كان ما حدث على الأرض من تصفية عرقية، بوسائل مختلفة، هو عمل بشع، مقزز وخطير، فإن الصحراويين في المدن المحتلة، رغم قلتهم، استطاعوا أن يفوتوا الفرصة على الاحتلال. فرغم كل الباشاعات التي كانت تُمارس على الأرض إلا أن ذلك لم يخيف أو يثبط من عزم الصحراويين. بقوا كتلة واحدة، قوية، ثابتة، صلبة، وبدل ان تخيفهم التصفية، كانت حافزا لهم كي يستميتوا أكثر وينتظروا حتى يقومون بردة الفعل.         

[1] -  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965
[2] - بقرار الجمعية العامة 2106  (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965م
3- قرار 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963 (قرار الجمعية العامة 1904 (د-18))

[5] - قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200  (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966م
[6] - ﻗﺭﺍﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻸﻤﻡ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ 3068 (ﺩ-28)، ﺍﻟﻤﺅﺭﺥ ﻓﻲ 30 ﺘﺸﺭﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ/ﻨﻭﻓﻤﺒﺭ 1973م


[8] - المؤلف من كتاب الموقف الامريكي من قضية الصحراء دار اليانثا كولتورال سنة 2006م اسبانيا ص 66

2-  رأي قانوني صدر سنة بتاريخ 29 جانفي2002م من طرف المستشار القانوني للأمم المتحدة السيد هنس كورل Hans Corell

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء