المقاومة الصحراوية السلمية: صمت الأمم المتحدة أجج الانتفاضة( دراسة)

Resultado de imagen de intifada aaiun
إن تعامل بعثة  مينورصو بسلبية، وبعينين مغمضتين مع الفظاظة والفظاعةالمغربية ضد الصحراويين في المدن المحتلة، خاصة بعد انتفاضة 92م، بدد الوهم وأزال المساحيق الزرقاء التي كانت تحجب الوجه الحقيقي للأمم المتحدة. فهي منظمة لا يوجد منها إلا الاسم والهالة التي تسبق تواجدها إلى مكان ما، أما ما عدا ذلك فهي مظلة تستعملها الدول الفاعلة فيها لتصفية حساباتها مع القضايا الجيو-استراتيجية التي لا تعجبها.
إن تقاعس الأمم المتحدة، التي كان من المفروض أن تتحكم في الإقليم منذ تواجدها فيه، وحقد العصا المغربية، جعل الصحراويين يعتمدون على أنفسهم ويمعنون في الانتفاضة السلمية الشرعية حتى الحصول على حقهم الشرعي وهو الاستقلال.
خرج كل صحراويي المدن المحتلة، مدعومين معنويا بصحراويي المناطق المحررة ومخيمات الصمود، إلى الشارع عفويا لخوض معركة جديدة بأدوات جديدة وفي زمن جديد لتحقيق حلمهم. فبالنسبة لهؤلاء، وقف إطلاق النار لا معنى له، وهو ليس إلا توقف مؤقت لإحدى المعارك التي لا تعني بالضرورة توقف الكفاح أو نهايته.

نهاية شهر غشت 1994 م بدأت الأمم المتحدة محاولة تحديد هوية السكان الصحراويين في المناطق المحتلة، لكن تلك العملية كانت حربا نفسية بشعة ضد الصحراويين. ورغم أنه من المعقول أن تتولى بعثة المينورصو عملية تسجيل الصحراويين، وفتح مكاتب خاصة لهم قبل تحديد هويتهم، كونهم هم أصلا المعنيون بالاستفتاء، إلا أن العكس هو الذي حدث: تولت الإدارة المغربية الاستعمارية العملية وقامت بها بعنصرية لا مثيل لها. ففي حين كانت هذه الإدارة تجلب المستوطنين من أقصى المغرب كي يشاركوا في العملية، كانت تقصي الصحراويين الذين جاءت الأمم المتحدة من أجلهم. كان الصحراويون يتقدمون إلى مكاتب التسجيل بخوف كبير تحت مراقبة الشرطة المغربية وتهديدها. فحين يحاول أحدهم التقدم ليسجل نفسه تحقق معه عناصر تابعة للأمن، وإذا كانت لديه سوابق في التظاهر مثلا يتم وضع سطر أحمر تحت اسمه أو يقال له انه لا يتوفر على مقاييس تحديد الهوية، أو يُمنع من الدخول. حتى الشرطي البسيط الواقف عند الباب كان يقول للصحراويين مهددا" إذا لم اسمح لكم أنا بالدخول فلن تدخلوا، ولن تحددوا هويتكم. الأمم المتحدة لن تساعدكم." لمًا بدأت عملية تحديد الهوية اكتشف الصحراويون أن الكثير منهم حُذف من اللوائح، والذين حضروا منهم كانت كاميرات رجال مغاربة تأخذ لهم صورا أثناء العملية. حين تحروا الأمر بعد ذلك اكتشفوا أن هؤلاء المصورون هم رجال أمن مغاربة سمحت لهم اللجنة بالدخول، في حين منعت الصحافة من فعل ذلك. ولا تنتهي العملية المرعبة عند هذا الحد، بل كانت السلطات المغربية تحشر الصحراويين في حافلات صغيرة وتنتزع منهم الوصل الذي سلمته لهم الأمم المتحدة حتى لا يبقى عندهم دليل يؤكد حضورهم..         
وحتى لا يقدمون شكاوي أو طعون، كان ممنوع عليهم التحدث مع أعضاء البعثة أو الاقتراب من مقرها، وإذا شوهد أحد ما يريد الاتصال بها أو حاول مكالمتها يتم اعتقاله. كانت أيضا الهواتف مراقبة والطرق مراقبة، واقرب نقطة يمكن أن يصل إليها صحراوي من مقر البعثة هي حوالي 300م. البعثة أيضا أغلقت أبوابها وتلفوناتها وصمتت.

شهر ماي 1995م التهب الشارع الصحراوي أكثر، وشملت المظاهرات السلمية كل المدن الصحراوية المحاصرة فارتكبت العصا المغربية، كالعادة، أعمالا شنيعة في حق المتظاهرين العزل. ومرة أخرى وقع كل شيء أمام أعين البعثة الأممية وعلى مسمع منها. وحتى عمليات التعذيب والتنكيل تم العلم بها من طرف مجلس الأمن، لكن حسب تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر 1996م، فإن الأمم المتحدة:" كانت شاهدا سلبيا صامتا على خروق فظيعة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية(...) وحفظة السلام كانوا مجرد متفرجين في مايو 95م ويونيو 95م عندما قمعت مظاهرات حاشدة سلمية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية."(1)[1]

يوم 17يونيو 95م خلد الصحراويون في المدن المحتلة الحدث التاريخي الوطني – انتفاضة الزملة-  بمظاهرات عارمة كرمزية أن الانتفاضة بدأت في ذلك التاريخ. خلفت المظاهرات المذكورة وراءها الضحايا والمعتقلين، وحدثت محاكمات جائرة للمعتقلين المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة محاكمة المجموعة التي اعتقلت في العيون. لم يعجب ما حدث جبهة البوليساريو فاحتجت أمام الأمم المتحدة، وقررت إيقاف عملية تحديد الهوية إلى غاية اتضاح اللون الأبيض من الأسود في مهمة المينورصو.              

على المستوى السياسي سببت الانتفاضة صداعا حقيقيا للنظام المغربي فعاد إلى أسلوبه المتوحش في القمع والسجون. ولم تقتصر الهمجية المغربية على معاملة الصحراويين المتظاهرين بفظاظة، ولكن عمد النظام من جديد إلى فرض الحصار على المدن الصحراوية حتى لا يعلم أحد بالانتفاضة المتواصلة، فأصبح لا يدخل إليها أحد ولا يخرج منها أحد، خاصة الوفود الدولية الحقوقية والإعلامية التي كانت تريد الوقوف على حقيقة الوضع. ففي ظرف قصير قُطع الهواء، تقريبا، عن الصحراء الغربية، وأصبحت تعيش في كوكب أخر خارج الكرة الأرضية، وممنوعة من الاتصال بالعالم الخارجي. ومبالغة في إخفاء الوضع أكثر في الظلام إعلاميا، كانت القوات المخزنية تقوم بتفتيش أعضاء بعثة الأمم المتحدة أنفسهم الذين يذهبون لقضاء عطلهم خوفا من أن ينقلوا للعالم الخارجي صورا ناطقة عن ما يجري في الإقليم المحتل. كانوا يقومون باحتجاز الكاميرات وأشرطة الفيديو المملوكة من طرف أعضاء البعثة، وكانوا يمنعون عليهم التصوير وحمل وسائله في الشوارع حين يتجولون.
ولم يقتصر التعامل المهين للمملكة على أعضاء البعثة الأممية فقط، بل شمل أيضا الأجانب الراغبين في زيارة المنطقة خاصة الصحافة والبرلمانيين والحقوقيين. كان الأسلوب المنتهج لابتزازهم يتمثل في منحهم تأشيرات من السفارات المغربية فيشترون التذاكر ذهابا وإيابا ويسافرون، لكن حين يصلون إلى مطارات الصحراء الغربية يستقبلهم رجال الأمن المغاربة [2]فيفحصون أسماءهم ويخبرونهم انه غير مرغوب فيهم وعليهم العودة مباشرة إلى بلادهم ومن المطار ذاته وعلى نفس الطائرة.
مثل هذا الوضع زاد من حراك الصحراويين السلمي في داخل الإقليم المحتل لتمزيق الغلاف الذي يحيطهم. كان العناد والإمعان في الانتفاضة هو الحل المتبقي بين أيديهم بعد أن وجدوا أنفسهم أسرى لوضع ما كانوا يتصورون أنه سيكون بمثل هذه السلبية والضبابية.( يتبع)





[1] - تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر 1996م،

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء