المرأة الصحراوية: الطلاق( التخلية)(دراسة يتبع)

                                    
Resultado de imagen de mujer saharaفي الكثير من المجتمعات العربية أو غيرها تعني صفة "مطلقة" وصمة عار بالنسبة للمرأة : لا تعود في الكثير من الأحيان إلى بيت أهلها، يُنظر إليها أنها امرأة فاشلة لم تستطيع أن تحافظ على زوجها وأسرتها. ومما يُصعب وضعيتها أنها قد لا تتزوج مرة أخرى لأن النظرة السائدة عند الرجال هي أن المطلقة لا بد أنها طُلقت بسبب نقص ما أو عيب ظاهر أو باطن فيها.  بمعنى أن الرجال بلا نقائص وأن العيب كله ملصق دائما بالمرأة. وليس هذا فقط؛ فالمطلقة تحس أيضا نفسياً أنها غير مرغوب فيها وتنأ بنفسها بعيدا عن محيطها الطبيعي معتمدة على نفسها تعمل وتكسب عيشها خاصة إذا كانت أماً ولديها أطفال. بتعبير آخر تتحول المطلقة إلى ضحية وفريسة سهلة للواقع الذي لا يرحم ولا يقدم الزهور للضعفاء.

في المجتمع الصحراوي القديم نرى صورة أخرى للمطلقة مختلفة تماما عن الصورة التي ترسم لها مجتمعات أخرى، ونرى نظرة أخرى لها لا تمت بشيء إلى ما رأينا. فالمطلقة الصحراوية تعود مكرمة محترمة إلى بيت أهلها، وبدل أن ينبذها المجتمع يحتفل ويحتفي بها. في الصحراء تعود المطلقة مع أبنائها إلى بيت وأسرة والديها لتعيش بينهم كما كانت مدللة معززة خاصة إذا طُلقت من زوجها الأول.
إن الحرية التي يمنح المجتمع الصحراوي للزوجة وعادة عدم نبذها يساعدها كثيرا كي تجد فرصا للزواج أكثر من الثيب.
إن استقبال المطلقة بحفاوة في الصحراء من طرف الأسرة والمجتمع يرجع إلى عدة عوامل مختلفة منها – أولا- أن المجتمع يشعر بما قد يخلفه الطلاق من وقع نفسي على المطلقة فيحاول التخفيف عنها، و- ثانيا- يحس الأبوان ببعض المسئولية اتجاه فشل زواج أبنتهم خاصة إذا طُلقت من زوجها الأول. فكما رأينا من قبل كانت البنت حفاظا على العفة تعتبر إن تدخلها في زواجها للمرة الأولى هو عيب لا يغفر. المجتمع من جانبه كان أيضا يحرض البنت الثيب بواسطة الكثير من العادات والتقاليد أن تحزن للزواج بدل أن تفرح. إن عادات مثل هذه جعلت كلمة الولدين هي الفصل في تزويج البنت زواجها الأول؛ أي أن الوالدين هما المسئولان عن اختيار الزوج الأول، وكنتيجة لذلك إذا صلح الزواج فهو مسئوليتهما وإذا انتهى بالطلاق فهو مسئوليتهما أيضا. إن استقبال المطلقة بحفاوة في الصحراء الغربية يرجع في غالب الأحيان إلى أن لا مسئولية لها في اختيار الزوج الأول.

إن الطلاق في الصحراء الغربية هو ظاهرة وهو في نفس الوقت سهل للغاية. هو ظاهرة لإن نساء الصحراء الغربية قديما كن متشددات في تعاملهن مع تجاوزات أزواجهن، وكن أيضا حساسات لكل ما يتعلق بقضية كرامتهن. فمثلا كلمة واحدة في غير محلها من الزوج قد تدفع المرأة، رغبة منها في الحفاظ على كرامتها، إلى طلب الطلاق من زوجها. كان أيضا سهلا لإن المرأة لا تخاف تبعاته. فالمطلقة ستعود إلى خيمة والديها لتعيش معهم، ولن تتشرد أو تعرض لتحقير أو تجريح وستتزوج.
إن سبب طلب الطلاق من طرف المرأة، بالإضافة إلى أنه قد يكون لمجرد كلمة بذيئة من طرف الزوج، قد يحدث أيضا بسبب مجرد إشاعة أو خبرا سمعته حول رائحة علاقة ما لزوجها مع نساء أخريات. ففي الكثير من الأحيان يقال إن فلانة طلبت الطلاق لإن " زوجها طَّول عليها العين" ( أي أصبح ينظر إلى نساء أخريات غيرها". ولا تكمن سهولة الطلاق في كل ما ذكرنا فقط؛ فهو سهل أيضا لأنه يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها؛ أي انه لا يحتاج إلى إجراءات إدارية ولا إلى انتظار أو أية تعقيدات مهما كان نوعها. فيكفي فقط حتى يتم الطلاق إن يقول الزوج لزوجته أنت طالق ويكتب رسالة طلاقها ويعطيها لها أو لأحد أقاربها أو للقاضي. ورغم أن الإسلام يشترط في الطلاق تكرار كلمة " أنت طالق" ثلاث مرات من طرف الزوج إلا إن رسالة الطلاق المكتوبة ضرورية عند المجتمع الصحراوي. فإذا حدث الطلاق لفظيا فقط لا يصدقه الناس؛ وحتى الزوجة حين يقول لها زوجها "أنت طالق" تقول له:" أعطيني رسالتي ذريك أباش اتجد علي"؛ أي ( أعطيني رسالة طلاقي حتى اصدق". كان الناس أيضا حين يسمعون أن امرأة لها ذرية وعلاقتها جيدة دائما مع زوجها طُلقت يقولون" نقرأ رسالة طلاقها ما صدقت"؛ أي( أقرأ رسالة طلاقها ما صدقت ذلك).
إن الزوج الذي يطلق زوجته عليه إن يدفع غرامة هي ما يسمى " ما تبقى من المهر." . إن دفع الرجل لغرامة حين يطلق زوجته هي إجراء مهم للحد من ظاهرة الطلاق. 
وباختصار كانت المطلقة الصحراوية تعود مكرمة ومعززة إلى أهلها ويتم استقبالها بحفاوة في بيت أهلها وتعود كما كانت أبنتهم ومنهم. وليس هذا فقط فالمجتمع كان يولي عناية خاصة أيضا بأبناء البنات ويفضلهم في الحفاوة والتكريم على أبناء الأبناء. ففي الثقافة الشعبية إن " اللي جاع أيكيس أخوالوا واللي خاف إكيس أعمامو"( من أحس بالحاجة عليه أن يذهب إلى أخواله ومن أحس بالخوف فليذهب إلى أعمامه).


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء