كتابة التاريخ بين لكرونولوجيا والتقييم


حين كنا في مرحلة الشباب كنا متحمسين لسماع حكي الشيوخ عن المقاومة ضد فرنسا، وبما أننا كنا نعيش انتصارات القلتة والوركزيز ولمسايل، لم يكن يهزنا حكيها وكنا نكتفي بسماع الإذاعة الوطنية. مرة ذهبنا إلى شيخ مجاهد اسمه خطاري ولد برهاه، وسألناه عن معركة ضد فرنسا اسمها الطريفية، فحاول المجاهد تذكر ذلك الحدث، لكن خانته التفاصيل، فقال لنا كلمة من ذهب وهي: إنتم  تسألوني عن حدث دونه خمسة وأربعين سنة. لقد نسيت التفاصيل. في سنة 2013م سألت أحد المقاتلين الأوائل اسمه محمد سالم، عن تفاصيل معركة لمسيد، لكنه مثله مثل المجاهد خطاري ولد برهاه، نسى هو أيضا تفاصيل معركة لمسيد، وقال أنتم تسألوني عن وقائع معركة دونها 30 سنة. لقد نسيت التفاصيل.
نحن الآن سنحاول النبش عن تاريخ المقاومة، وتاريخ الثورة الحديثة، لكن، رغم عوامل الوقت والنسيان والشك كيف سنكتب هذا التاريخ، هل سنكتفي بكتابة كرونولوجيا الأحداث الجامد بصيغة "حدث في مثل هذا اليوم" أم نقوم بتقييم موضوعي لتلك الاحداث، منطلقين من شبه الإجماع. كتابة كرونولوجيا الاحداث  عمل سهل جدا، ويمكن الإحاطة به بدقة لكن تبقى المعضلة وهي التقييم. تقييم التاريخ عبر كتابته وتدوينه هي جزء من تحويل هذا التاريخ إلى ناصع أو إلى باهت. دائما ننطلق من نقطة أن من كتب غلب، ومن سطر انتصر، ونصل إلى التراجيديا التي تقول أن التاريخ مثل المرآة من يرى وجهه فيه جميلا صقيلا يطربه النظر فيها، ومن لا يرى وجهه فيها جميلا يتمنى أن تنكسر. التقييم سيكون مشكلة عويصة، وفي تقديري أنه من الصعب أن نقبل أن نكتب في تاريخنا أننا أخطأنا، أو نقفز على اخطاء  ونكتب مكانها انتصارات. كاتبة التاريخ وتدوينه تقتضي النظر اليه بعيون متجردة من العقد على أساس أنه خليط من الانتصارا والانكسارات لأنه من المستحيل أن يكون تاريخ أمة كله انتصارات، وأنه خالي من الأخطاء. من هنا سيكون من السهل كتابة لكرونولوجيا وترك التقييم. الذين ساهموا في الحضور المباشر في حقب واحداث يثار حولها جدل واسع من تاريخنا ينظرون إلى ذلك، بدون شك، نظرة غير نظرتنا نحن الذين كنا نستمع إلى تلك الأحداث عن طريق الإذاعة الوطنية. هل سيدفعنا هذا الجدل الى التشبث بكتابة التاريخ الذي لا خلاف عليه وترك ذالك الذي يثار حوله الجدل، ام نكتب كل شيء.؟ في تصوري اننا سنكتب فقط ماهو ناصع ونترك ماهو غائم وغير متفق عليه. لهذا فكتابة التاريخ بطريقة جماعية لن تكون دقيقة، وستكون كتابة رسمية بلغة الذين يجادلون وحتى بلغة الاكاديميين، ويمكن أن يتم التصدي لها  ونقدها عن طريق الكتابات الفردية. كتابة التاريخ بطريقة رسمية ستكون غير مقنعة، وستقفز على الكثير من الأسرار التي ستبقى طابوهات لمدة طويلة أو يتم شطبها من الدفتر نهائيا. فمثلا حدث مثل حدث وقف إطلاق النار، يتفق الصحراويون في الشارع انه كان خطأ، في حين أن من وقعوا عليه يقولون انه وقع تحت الضغوطات التي لا يمكن تحملها ولا تجنبها. انسحاب موريتانيا من الجزء الذي كانت تحتل، والانسحاب من لمسيد، والانسحاب من أمام الجيش المغربي سنة 1991م كلها أحداث غامضة تحتمل الصح كما تحتمل الخطأ، وسيجد كاتب التاريخ نفسه أمام وضع صعب وأمام إحراج كبير أثناء التقييم. حدث آ خر يحدث حوله انقسام حاد هو أحداث 88التي لا يمكن تجنبها. هذه الأحداث ينظر إليها البعض أنها شغب وعصيان وخيانة ويرى البعض الآخر انها تصحيح داخلي وصراع حول السلطة. كخاتمة نحن أمام إشكالات تحتمل هذا وذاك، وفقط ستكون سعة الصدر والقبول بالرأي الآخر هو الفيصل، وهنا لابد ان نترك هامشا ولو ضيق للكتابات الفردية لتكون إسهاما مهما في بحثنا عن صيغة نكتب بها تاريخنا.
blog-sahara.blogspot.com.es
السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء