هكذا حاولت البوليساريو في البداية الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية (II)



في الجزء الأول من هذا المقال كنا تابعنا في وثائق كتابة الدولة الأمريكية كيف أن أعضاء من الدبلوماسية الصحراوية حاولوا التقرب من سفارات الولايات المتحدة في الجزائر واسبانيا، وأن كتابة الدولة الأمريكية أعطت أمرا لسفاراتها بعدم الاتصال بالبوليساريو، أو استلام رسائل من عندهم او استقبالهم. في هذا الجزء نواصل التطرق الى ما تبقى من تلك الوثائق. تقول وثيقة أخرى بتاريخ 16 جانفي 1979م، وتحمل الرقم 1979MADRID00631_e  صادرة من السفارة الأمريكية " ان السفارة استقبلت رجل اعمال وصحفي سابق اسمه جيرمان الفاريث بلانكو، وأنه مبعوث من طرف البوليساريو ويريد ترتيب لقاء بين السفير تودمان ومسؤول كبير من البوليساريو سيزور مدريد لهذه الغاية. خلال اللقاء شرح بلانكو للسفارة أن توجه البوليساريو هو معتدل، وانها يمكن ان تصبح حليفا للغرب، وأنها يمكن ان توقع عقودا اقتصادية في المستقبل مع الولايات المتحدة.
في وثيقة بتاريخ 22 جانفي 1979م، من سفارة امريكا بالجزائر، تحمل الرقم 1979ALGIER00184_e، يقول السفير: يبدو ان البوليساريو لن تندثر بسرعة، وان هناك الكثير من الدول أصبحت تقيم معها علاقات، والولايات المتحدة يجب أن لا تبقى استثناء. وعليه- يقول السفير في تقريره- يجب أن يكون هناك نوع من التواصل مع البوليساريو، ونقترح ما يلي: يجب على أعضاء الحكومة الامريكية عدم القيام بأي مجهود للتقرب من أعضاء البوليساريو، لكن على هؤلاء- ممثلو البوليساريو- القيام بذلك. يجب السماح لأعضاء السفارات الامريكية بالاستماع الى أي مقترح يتقدم به ممثلو البوليساريو، وعليهم الاكتفاء بالاستماع فقط وعدم التدخل، وفي نفس الوقت يجب تحذير أعضاء البوليساريو من أن إفشاء خبر الاتصالات سيجعلها تتوقف.
محاولات البوليساريو المتعددة الاتصال بالسفارات الاميركية اقلقت كتابة الدولة للخارجية في واشنطن، فاصدرت، حسب وثيقة مؤرخة بتاريخ 24 فبراير 1979م تحمل الرقم1979STATE046369_e ، تعليمة يجب تعميمها على السفارات تخص التعامل مع ممثلي البوليساريو، وتقول: أ) على الرسميين الأمريكيين عدم القيام باية مبادرة للاتصال بممثلي البوليساريو؛ ب) أي اتصال مع البوليساريو، ما عدا في حالة ان يكون صدفة وذو طابع اجتماعي، هو فقط من اختصاص الرسميين من كتابة الدولة؛ ج) على المسؤولين الأمريكيين ان لا يتراجعوا عن أي  دعوة لنشاط اجتماعي بسبب أن أعضاء البوليساريو سيكونون هناك، بل عليهم الإستماع اليهم وإشراكهم في المحادثة؛ د) يجب إشعار كتابة الدولة بسرعة باي طلب تتقدم به البوليساريو للقاء سري مع الحكومة الأمريكية ؛ه) القنصل في الجزائر مخول له الاستماع لما سيتقدم به ممثلو البوليساريو من مبادرات اذا جاؤوا يطلبون التأشيرات، لكن عليه أن لا يوعدهم بلقاءات او يفتح معهم حوارا؛ ه) اي رسالة منهم مبعوثة لرسميين امريكان يتم استلامها منهم وبعثها، مباشرة، الى كتابة الدولة الامريكية. هدف الولايات المتحدة الأمريكية من أي اتصال بالبوليساريو هو جمع معلومات عن تركيبة المنظمة، توجهها وأهدافها. يجب ان لا يتم ذِكر أي شيء عن علاقة دولة بدولة.
لكن رغم كل ذلك بقيت الدبلوماسية الصحراوية تحاول الإتصال، ويبدو انها اقنعت السفارة الأمريكية في الجزائر ان تتفهم ضرورة اللقاء الرسمي بممثلي البوليساريو. في وثيقة من السفارة الأمريكية بالجزائر بتاريخ 21 مارس 1979م، وتحمل الرقم1979ALGIER00809_e يقول السفير:" انه في ظل الوضع الراهن فإن السفارة تعتقد انه على كتابة الدولة ان تسمح لملحق من الدرجة المتوسطة في السفارة الأمريكية  في مدريد ان يلتقي بالبشير- مسؤول في البوليساريو- الذي سيكون في مدريد ولو للاستماع اليه.
كل هذه المحاولات من طرف البوليساريو للقاء الادارة الأمريكية كانت محل اهتمام كبير من طرف كِتابة الدولة التي لم تعرف كيف تتصرف لوقفها، واكتفت برفضها فقط. في وثيقة بتاريخ 21 مارس1979م، صادرة من كتابة الدولة تحت الرقم1979STATE069539_e نجد ما يلي: " على السفارة بمدريد ان تقول لبلانكو الفاريث -الذي سبق وحاول التوسط بين السفارة والبوليساريو- ان كتابة الدولة ليس في نيتها القيام بأي اتصال مع مسؤول البوليساريو الذي يزور مدريد، لكنها ستكون مهتمة بالمكان الذي سيتواجد فيه في مدريد ..
لكن، ودائما، حسب الوثائق اذا كان السفير الأمريكي في الجزائر كان يحث على لقاء ممثلي البوليساريو فإن السفير الامريكي في المغرب، بالعكس، كان يرى انه يجب ان لا يتم اللقاء معهم، ولا الإتصال بهم.  حسب برقية بعثها السفير المذكور من سفارة واشنطن في الرباط بتاريخ 22 مارس 1979 م، تحت الرقم1979RABAT01911_e نجد انه يقول: يجب ان نختلف مع ما تقترحه سفارتنا في الجزائر حول السماح بلقاء البشير - مسؤول من البوليساريو- في مدريد" لان السفارة متخوفة ان يعلم المغاربة بالأمر ويغضبون. الى حد الان لم نلاحظ اهتمام هنا حول موضوع لقاء سفاراتنا بالجزائر مع عبد الله مجيد من البوليساريو حين جاء يطلب تاشيرة " وتعتقد السفارة في الرباط، حسب الوثيقة، ان الولايات المتحدة ستقع بين يدي البوليساريو في حالة تقبل مقترح البشير باللقاء. سيكون كل شيء في صالح البوليساريو في حالة يعلم المغاربة باللقاء.  لم يتأخر الرد كثيرا، وكان متطابقا مع وجهة نظر السفير في الرباط. يوم 23 مارس 1979م، بعثت كتابة الدولة الرد في شكل رسالة مختصرة تحت الرقم1979STATE071921_e تقول فيها: " على السفارة في مدريد ان تخبر روبيريث- مسؤول في كتابة الدولة- أن كتابة الدولة رغم انها تثمن حسن نواياه في ضرورة لقاء البشير في مدريد، إلا انها الان لا تستطيع السماح بمثل هكذا لقاء." البرقية ممضاة من طرف كاتب الدولة فينس.
لكن على ما يبدو زاد الالحاح من طرف  ممثلي البوليساريو، الأمر الذي جعل السفارة الامريكية في الجزائر تقبل بمقابلة عمر منصور الذي طلب موعدا عبر التلفون يوم 1 ابريل 1979م، لكن كان الجواب ان السفير غير متواجد، وان ملحقا بالسفارة سيكون في استقباله. حسب وثيقة من السفارة في الجزائر بتاريخ 14 ابريل 1979م، تحت الرقم1979ALGIER01075_e فإن اللقاء حصل فعلا ودام ساعة كاملة، وان المسؤول الصحراوي ركز على عدة نقاط منها مبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي، وأن البوليساريو ليست شيوعية، وان الولايات المتحدة يجب ان تلتقي رسميا مع البوليساريو.

من خلال الوثائق التي استعرضنا عرفنا أن البوليساريو، ومنذ البداية، عرفت ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تفرض على المغرب أن يقبل بتطبيق الاستفتاء، وانها كانت بعيدة تماما عن المحور السوفياتي والشيوعي. النقطة الثانية المهمة التي كشفتها الوثائق الامريكية هي ان الولايات المتحدة كانت تتحاشى لقاء البوليساريو، ليس لأنها لا تقيم لها اعتبارا او انها تضعها في خانة الشيوعية، لكن لانها كانت تخشى على مصالحها مع المغرب.  
blog-sahara.blogspot.com.es
ترجمة وتعليق: السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء