برحيل موسى لبصير انطفأت شعلة من الثورة



قبل أن يحل المغيب بقليل انطفأت شعلة من الثورة والحماس اسمها موسى لبصير. هو واحد من تلامذة الثورة التي رمز إليها ومثّلها وجسّدها محمد سيدي براهيم بصيري صاحب الفكر الثوري الهاديء الذي كان يتوق إلى المستقبل البعيد. ورغم أن موسى جسد دور المناضل المنضبط المنسجم مع أفكار الحركة وأفكار رئيسه بصيري إلا أنه في العمق كان متعجلا الصدام المباشر مع الاستعمار الإسباني. كان رجل صدام ممتلئا حماسة وغيرة، وكان يريد فقط الكفاح المسلح في اسرع وقت. إذا كان كتب له التاريخ والقدر أنه كان من المؤسسين والفاعلين في الحركة الطليعية سنة 1969م، فإنه كتب له، أيضا، أن يكون من مؤسسي الجبهة الشعبية التي انخرط فيها بحماس منقطع النظير. تشرد موسى وعانى وظُلم، لكنه بقى وفيا لشعبه مخلصا له رغم كل ما كابد في صمت. ورغم أنه رأى حلمه بالثورة المسلحة والكفاح إلا انه عانى غصة كبيرة عاشت معه حتى رحيله. في تلك الحافلة التي كانت تنقلنا مع وفد صحراوي الى الجزائر في فبراير 2002م، كنت أجلس معه في نفس الكرسي وهو يحكي بصوت مؤدب: هل تصدق إنني لا أنام كثيرا بسبب عدم معرفة مصير بصيري. من غير المعقول أن لا نعرف بعد 32 سنة مصير بصيري أو نستعيد جثمانه؟ يقولها ويتنهد بعمق كأنه سينفجر. وحين يهدأ من غضبه يعاود الحديث بصوته الخافت: فُرص كثيرة ضيعناها لمعرفة مصير بصيري، لكن كل الأبواب مغلقة." ورغم أن الشعب الصحراوي كله صُدم لعدم معرفة مصير القائد بصيري إلا أن موسى عاش تلك الصدمة أكثر من غيره، وظل محتفظا بها في اعماقه متألما بها، يحس بوخزها وجرحها وجمرها كل دقيقة حتى رحل. كان بصيري مَثَله الأعلى ومعلمه ونشأت بينهما علاقة لعب فيها موسى دور الثائر المتسرع الذي يؤمن بالكفاح والصدام الفورى، بينما لعب بصيري دور المُنظر الذي ينظر بعيدا بتروي، لكن، في نفس الوقت، لا يستطيع أحد أن يقول له لا. يقول موسى:" رغم أنني كنت متعجلا الصدام إلا أن القائد كانت له كرزماتية تجعلنا جميعا نطيعه." 

لاذ موسى بصمته يتجرع آلام فقدان بصيري وربما فقدان فكر الحركة الطليعية، وحين كانت غصته تكبر ابتعد عن المشهد أو أُبعد عنه بسبب صراعات تلك الأجنحة المتطاحنة على السلطة والدقيق، وبسبب الذين كانوا يريدون وضع نقطة نهاية لبطل اسمه بصيري ولحركة طليعية وطنية صحراوية ظل موسى يدافع عنها وعن فكرها ومؤسسها حتى النهاية. ورغم آلامه وحسرته بقى وفيا لوحدة شعبه فلم يستغل قضية بصيري لخلق مشاكل أو عراقيل قد تُحدث شرخا في تلك الوحدة المقدسة. بقي في المخيم يعاني نفسيا في صمت حتى رحل في صمت أيضا. انطفأت تلك الشعلة النادرة في بحر من الصمت. نطلب له الرحمة من الله، وأن يلحقه ببصيري والشهداء في الجنة. 

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء