مآلات حرب الصحراء الغربية الثانية

 


دراماتيكية الحرب الأولى 

حين تبدأ الحرب في منطقة ما يمكن التكهن والتخمين بأي شيء ما عدا بمآلاتها ونتائجها الميدانية والسياسية. الآن بدأت الحرب الثانية في الصحراء الغربية، وإذا كان سيناريوهاتها ستكون مثل سيناريوهات الحرب الأولى التي بدأت سنة 1975م وتوقفت سنة 1991م، فالنتيجة ستكون كارثية بكل المقاييس على المنطقة. مثال بسيط على دراماتيكية الحرب الأولى، هو أن أكثر من 4000 جندي مغربي كانوا أسرى عند البوليساريو، بعضهم قضى حوالي 25 سنة في الأسر، من بينهم 200 شاخوا وهرموا، وحين أرادت البوليساريو ان تسلمهم للمغرب،  رفض الملك المغربي تسلمهم خوفا من اتهامه بالاعتراف بالبوليساريو. وحين نتحدث عن القتلى والجرحى بالأرقام والاعداد يصل المؤشر الى حدود الرقم 30 ألف جندي مغربي بين قتيل وجريح، منهم 7000 جندي قضوا في معركة واحدة هي معركة الوركزيز الشهيرة. الآن حين يسيل ويفيض وادي تيغزرت بجبال الوركزيز يجرف في سيلانه عظام الجنود القتلى في تلك المعركة الذين تركهم الجيش المغربي في العراء دون أن يدفنهم. في منطقة الحمادة الآن، يوجد قبر في العراء لا يظهر منه سوى حجارته يعود الأكبر جنرال مغربي وقع في الأسر، هو العابدي عبد السلام الذي أُلقي عليه القبض جريحا يوم 16 سبتمير 1988م في معركة ام الدكن، وحين توفى رفض المخزن تسلُّم جثمانه ورفض الإعتراف به، وتم دفنه في الحمادة تحت رحمة الرياح. الصحراويون من جهتهم، فقدوا حوالي 3000 شهيد، ووقع منهم في الأسر 66 مقاتلا أُفرج عنهم في سنة 1996م. هذه الأرقام تعكس حجم الدمار الذي خلفته الحرب الاولى في الصحراء الغربية، وهذا طبعا دون ذِكر الدمار النفسي والجسدي والمعنوي الذي خلفه تشريد الشعب الصحراوي بكامله. 

الحرب الثانية: كل شيء ممكن إلا تصوُّر مآلها

حرب الصحراء الغربية الثانية، للاسف، ما كان على العالم أن يتركها تندلع. هذه الحرب التي كانت شرارة انطلاقها من منطقة الكركرات يمكن أن لا تتوقف قريبا. معنى "الكركرات" في اللهجة الحسانية الصحراوية هو الأماكن التي تشتعل فيها النار. "كركر النار" (بكاف تُنطق نطق الجيم في اللهجة المصرية)معناه اشعل النار. فهذه المنطقة الصغيرة المنسية في أقصى الجنوب الغربي للصحراء الغربية التي تحمل اسم "اشتعال النار" ما كان أحد يسمع بها ولا هي كانت تحلم أن تشتعل منها النار وتدخل التاريخ كمنطقة اندلعت منها حرب الصحراء الغربية الثانية. منطقة الكركرات التي أراد المحتل المغربي أن يفتح فيها ثغرة غير قانونية الى القارة الأفريقية، بعد حصاره من جميع الجهات،  أصبحت شهيرة، وتناقلت كل سائل الإعلام الدولية اسمها وبجميع اللغات، لكن لم ينطق أحد اسمها صحيحا ما عدا جيرانها. 

المهم، الحرب الثانية في الصحراء الغربية اندلعت، والأرض التي تدور فيها هي محاذية لدولتين ومحاذية للصحراء الكبرى، وفي قانون الحرب أن شظية من قذيفة يمكن أن تنحرف عن مسارها فتسقط في بلد مسالم. لا أحد يعتقد الآن أنه يمكن تصور مآل هذه الحرب الثانية وكيف ستكون نهايتها. هناك أسباب كثيرة تجعل التنبؤ بنهاية هذه الحرب مستحيلا. بداية هذه الحرب الثانية هو بسيط: قام المغرب بفتح ثغرة غير قانونية في جدار الدفاع غير الشرعي، وقام ببناء جدار رملي نحو حدود موريتانيا. إلى حد الآن الأمر عادي جدا لأن الإحتلال المغربي معروف بعدوانيته اتجاه جيرانه،  لكن الذي فجَّر ونسف كل شيء هو أن بعثة الأمم المتحدة- المينورسو- التي تراقب وقف إطلاق النار منذ ثلاثين سنة، لم تحرك ساكنا ولم تمنع المغرب من ذلك ولم تدين الفعل ولم يجتمع مجلس الأمن الدولي لتدارس الوضع. 

هذا الخطأ الذي ارتكبته الأمم المتحدة بعدم ردع المغرب هو الذي يجعل التنبؤ بنهاية الحرب الثانية في الصحراء الغربية مستحيلا. نهاية الحرب، أية حرب، يكون عادة بمفاوضات، ولا بد من وجود وسيط، لكن في حالة الحرب الثانية في الصحراء الغربية الأمر مختلف ومعقد. الوسيط العالمي المعترف به، صاحب الشرعية والقوة والقرارات هو الأمم المتحدة، لكن هذه الهيئة الدولية هي التي أوقفت الحرب الأولى سنة 1991م بواسطة تحت غطاء تنظيم استفتاء نزيه يقرر من خلاله الشعب الصحراوي مصيره ، لكن على مدى 30 سنة لم يتم إحراز أية نتيجة: بقى المغرب يمارس الاحتلال، ينهب الثروات الصحراوية، ينتهك حقوق الإنسان، يرفض الذهاب إلى الإستفتاء. هذه الأسباب جعلت الطرف الصحراوي يحس بالغضب ويبادر الى التصدي، عسكريا، للعدوان المغربي. إذن، الوسيط الدولي، الأمم المتحدة، لن يستطيع الوساطة في الحرب الثانية لأنه فقد مصداقيته في الوساطة في الحرب الاولى، وبالتالي نحن أمام سيناريو من احتمالين: الأول، يقوم الوسيط - الأمم المتحدة- بالواسطة وتبقى الحرب مستمرة ولا تتوقف إلا بعد الوصول إلى النتائج؛ الثاني، يتم إيقاف الحرب لمدة شهر أو إثنين فقط لإعطاء فرصة للمفاوضات، وإذا لم يحصل تقدم في المفاوضات تعود الحرب. الخلاصة، إن توقف الحرب لإعطاء فرصة لمفاوضات بلا نهاية وبلا أجندة، مع وجود وسيط فاقد للمصداقية، لم يعد قابل للتطبيق.


السيد حمدي يحظيه، كاتب من الصحراء الغربية 

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء