كأنما كان ينتظر المغرب الرسمي والمخزن، وتلك الحاشية الكبيرة المنتفخة من السياسيين والمثقفين والإعلاميين، إعلان تطبيع المملكة مع إسرائيل، بفارغ الصبر. كانوا ينتظرونه كأنما ينتظرون المطر بعد الجفاف أو ينتظرون النصر المؤزر والفتح المبين أو ينتظرون الغِنى والرفاهية ويخرجون من الفقر، وتتوقف النساء المغربيات عن مهنة الحمير عند أبواب سبتة ومليلية. هؤلاء لا يعلمون أن ما تم هو خداع بصري وفرجة يمكن أن تخدع الأغبياء فقط، وأن ما ينتظرونه من إسرائيل لتحقيق حلم التقدم والرفاهية والازدهار هو وهْمٌ خطير قاتل وصامت. يالها من فرحة ونشوة تلقفها المغرب بحاشيته المنبهرة بأضواء إسرائيل وقوة إسرائيل وتفوق إسرائيل، وحتى بعمليات قتل وحرق إسرائيل لأطفال غزة. وفي غمرة الهزيمة المرة هذه، راحوا يصورون تلك الخدعة البصرية على أساس أنها نصر، وراحوا يفتخرون أن ملوكم كانوا أذكياء حين باعوا القدس سرا، وحين باعوا تسجيلات القمم العربية لإسرائيل وحين اقنعوا السادات بالاستلام، وأنهم كانوا الوسطاء في كل عمليات التطبيع. راحوا يفتخرون أن مصالحهم العلياء فوق كل اعتبار، وإنها تفرض عليهم مقايضة دم أطفال غزة والقدس، وتفرض عليهم بيع الكرامة والركوع امام الإسرائيلي المتعجرف، ويتفاخرون أنهم ربطوا التطبيع بربح السيادة على الصحراء الغربية . إنهم لا يعرفون أن كل هذا حدث بدون مقابل. لا شيء طبعا ما عدا حفنة كلمات في شكل خبر. إنهم يقولون انهم بتطبيعهم هذا انتصروا على الجزائر وعلى الشعب الصحراوي، وأنهم ربحوا قضية الصحراء الغربية، وسيستفيدون من إسرائيل وسيسيل العسل من تحت أسرتهم. في الواقع حين نشاهد هذه التراجيديا التطبيعية نتأسف لما حدث للمغرب ولشعبه الشقيق. الذين يعرفون إسرائيل يدركون، تماما، إن المغرب ليس بالبلد المهم بالنسبة لإسرائيل، وأن ما يهم الإسرائيليبن فيه هو فنادق مراكش واثاثها. إسرائيل تريد مال الإمارات وتريد مال البحرين وتريد مال السعودية وتريد مال قطر، أما الباقي، مثل المغرب، فهو نفايات بشرية لا أكثر ولا أقل. تنظر إسرائيل إلى المنبطحين من الدول العربية على أساس أنها آلات لصناعة النقود والأموال السهلة التي يوفرها البترول الحرام، وحين يكون البلد فقيرا مُعدما، مثل المغرب والسودان، فهو عالة فقط، ويتم النظر إليه أنه مجرد فندق لرمي النفايات. منذ نشأة إسرائيل-بمساعدة العرب طبعا- وهي تتمنى اليوم الذي تحصل فيه على ثروات دول الخليج، واليوم هاهي تجلس عليها كلها. فإسرائيل تعتقد أنها ذكية، وينقصها فقط المال، وظلت منذ نشأتها غير الشرعية تلف وتدور حول دول البترول لتحصل على المال العربي حتى حصلت عليه. الإسرائيلي مقتنع تماما أنه أذكى من البشر أو على الأقل أذكى بكثير من العرب، ويقدِّر انه اذا حصل على المال العربي ووحَّده مع الذكاء الإسرائيلي سيسيطر على العالم خاصة العربي منه. الآن وقد سيطر الإسرائيلي على المال العربي الخليجي كله، يعتقد أنه يستطيع تحويل الكرة الأرضية الى عجين يفعل فيه ما يشاء. بما أن إسرائيل تفكر هكذا، يبدو أن المغرب خارج هذه الحسابات لإنه فقير، وبالتالي هو ليس مُهماً لإسرائيل ولا ينفع، وأهميته تكمن فقط في فنادقه في مراكش. منذ اليوم الأول لتطبيع المغرب مع إسرائيل، بدأت الصحافة الإسرائيلية مشكورة تكشف المستور عن العلاقات السرية التي كانت تربط الصهاينة بالملوك المغاربة، وبدأت تقول إنه من الشروط المجحفة التي فرضت إسرائيل على المغرب هي أن يقوم بدسترة الإعتراف بالصهيونية، وأن يقوم بتدريس التاريخ الصهيوني وينزع من المقررات المغربية كلمة فلسطين العربية، كما سيقوم بالتعويض لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل. المشكلة أن نتيجة هذا التطبيع هي صفر لأن المقايضة باعتراف ترامب ب"سيادة المغرب على الصحراء الغربية" هي مجرد نفخ في الريح ولن تحل المشكلة التي ستظل قائمة الى غاية تقرير مصير الشعب الصحراوي. ماذا سيفعل المغرب غدا، إذا قالت الولايات المتحدة انها ستتراجع عن هذا الخطأ الذي قام ترامب؟
السيد حمدي يحظيه
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء