في سنة 1999م، حين ظهر واضحا أن المغرب متعنت ويرفض الاستفتاء، تدخلت الإدارة الديمقراطية الامريكية، تحت رئاسة بيل كلينتون، مدعومة بتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ومبعوثه الشخصي جيمس بيكر. في كتاب امريكي عنوانه " conversation with ambassador Edward Gabriel"، وهو سفير امريكي سابق بالمغرب بين سنوات 1997م وسنة 2001م، وصدر عن Association for Diplomatic Studies & Training، نجد ما يلي:" اقترحت تلك الإدارة-إدارة كلينتون-على المغرب أن يقبل بحكم ذاتي موسع لسكان الصحراء الغربية تحت سيادته. هذا المقترح عملت عليه مادلين اولبريت، كاتبة الدولة للخارجية الامريكية، وحمله مستشارها مارتين انديك إلى المنطقة لمناقشته في مارس 1999م. حسب مارتين انديك، فإن الولايات المتحدة تعهدت ألاّ تقبل أية نتيجة لا تحترم السيادة المغربية على الصحراء الغربية، كما تعهدت إنها لا تضمن النتيجة، لكنها ستعمل على ضمان أن تعود السيادة للمغرب. حسب السفير المذكور، " لم يكن الحسن الثاني متحمسا لقبول فكرة الحكم الذاتي لإنه وجد صعوبة كبيرة في التخلي عن الاستفتاء الذي ظل ينادي به على مدى عشرين سنة. قال السفير للحسن الثاني، إنهم- الامريكان- لا يضمنون له أن يربح الاستفتاء، وبما أن الملك ذهب في هذا الاتجاه- الاستفتاء- كان صعبا الذهاب في طريق الحكم الذاتي. يواصل السفير الأمريكي المذكور أن النقاش مع الحسن الثاني قاده إلى القول له: جلالة الملك، نحن وانت ندخل إلى نفق مظلم في هذه القضية، وفي مرحلة ما يمكن أن يُدق اسفين بيننا. إن الفائز في الاستفتاء – الشعب الصحراوي-سيأخذ كل شيء وهذا ليس في مصلحتنا ولا في مصلحتك. لكن الملك، والكلام دائما للسفير، لم يبدي اهتماما لهذا المسعى. لكن الحسن الثاني، رغم رفضه للحكم الذاتي الذي كان سيدعمه فيه الامريكان، لم يكن يريد الاستفتاء أيضا". في حساباته إنه يستطيع أن يخدع الجميع بلعبة الاستفتاء طويلا وبعدها ينتقل إلى الحكم الذاتي. بعد توقف الحرب لم يعد هناك ما يهدد عرشه ولا اقتصاده، وبما إنه لا توجد لدى الأمم المتحدة آلية لفرض عليه أن يذهب إلى الاستفتاء، فإنه كان في وضع يسمح له أن يربح سنوات طويلة في لعبة استفتاء لا يوجد ما يفرض عليه الذهاب إليه. يقول السفير الأمريكي ادوارد غابرييل:" التقيت مع الحسن الثاني يوم 20 يوليو 1999م، ثلاثة أيام قبل وفاته، وهو آخر لقاء له مع شخصية رسمية. رفض مرة أخرى أن يقبل فكرة الحكم الذاتي التي تروج لها إدارة كلنتون.
في ذلك الاجتماع، في قصر الصخيرات مع السفير الأمريكي غابرييل، بحضور وزير الخارجية، بن عيسى، قال له الحسن الثاني، " إنه الآن يحس ان حلا لقضية الصحراء الغربية أصبح ممكنا، وسيكون حلا افريقيا ً بدلا حلا من ولاية تكساس(في إشارة إلى الحل الذي كان يريد بيكر)، وفي كل الحالات الاستفتاء يمكن ألاَّ يكون الطريقة المثلى لحل قضية الصحراء الغربية.
مات الحسن الثاني ثلاثة أيام بعد ذلك اللقاء مع السفير الأمريكي، ولا أحد يعرف ماذا كان يدور في خلده. بعد وصول محمد السادس إلى العرش ورفضه الاستفتاء، تأكد المتابعون للشأن الصحراوي أن وصية الحسن الثاني لأبنه هي ألاَّ يقبل الاستفتاء لإن الأمم المتحدة غير قادرة على تنظيمه في حال رَفَضَهٌ أحد الأطراف. لكن الديمقراطيين الامريكان كانوا شبه مستعجلين إلى التطرق إلى فكرة الحكم الذاتي التي رفضها الحسن الثاني، وفضّل عليها الاستفتاء لربح الوقت. كان أول لقاء رسمي لمحمد السادس بعد تنصيبه هو اللقاء الذي جمعه بمادلين اولبيرات، كاتبة الدولة الامريكية للخارجية، عرَّابة الحكم الذاتي. اللقاء حدث يوم 1 سبتمبر 1999م، وفي نهاية نفس الشهر توصل المغرب إلى تفاهم مع الإدارة الديمقراطية الامريكية حول "حل متفاوض بشأنه" يفضي إلى حكم ذاتي تحت السيادة المغربية. كل هذا كان يتم من وراء ظهر جيمس بيكر الذي كان يعمل جاهدا لتحديد الهوية، وكان يفرض على المغرب أن يذهب إلى المفاوضات. كانت خطوة الإدارة الديمقراطية الامريكية التالية هي الاتصال بجيمس بيكر كي يوافق على الخطة. بالنسبة للديمقراطيين الامريكان، كان بيكر دائما مؤيدا لحل متفاوض بشأنه، لكنه كان يتعرض دائما لرفض مقترحاته من جانب الطرفين. كان بيكر يريد أن يسمع قبول مقترح الحكم الذاتي ذلك من طرف المغرب نفسه، وكان ربما متحمسا للسير في هذا الاتجاه الذي كان موافقا عليه دائما. التقى بيكر مع محمد السادس في فبراير أو مارس سنة 2000م، وحين خرج من الاجتماع كان مقتنعا أن الملك المغربي كان جاهزا لقبول حل حكم ذاتي يضمن له السيادة بمعايير مقبولة دوليا. بدأ بيكر يتحرك في هذا الاتجاه. اقترح الاتفاق الإطار الذ هو حكم ذاتي تحت اسم آخر، لكن تم رفضه من طرف البوليساريو. حين تم رفض مقترح الاتفاق الإطار من طرف البوليساريو، طار بيكر إلى الرباط ليخبرهم بالمستجدات. أخبرهم أن الأطراف الأخرى لا تقبل الاتفاق الإطار، وأنه يقترح التقسيم. لم يكن الملك المغربي مستعدا كي يقتنع إن بيكر، بعد وصول حزبه الجمهوري إلى السلطة، سيستطيع الخروج عن خطة الحكم الذاتي في أقل من سنة. كان الملك يظن إنه خلال سنة واحدة، وبمساعدة الديمقراطيين الامريكان، سيستطيع حل القضية التي أرقت والده أكثر من عشرين سنة. يقول الامريكان إن الملك، محمد السادس، توصل إلى استنتاج مزعج بعد سحب البساط من تحت أقدامه، وبعد فقدانه للدعم الذي كان يتمتع به زمن حكم الديمقراطيين وإدارة كلينتون. خلال السنوات الأولى لحكم جورج بوش الابن، تمتع بيكر بالكثير من الصلاحيات، فأصبحت السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة، مارغريت توتويلر، تصرح وتقول إنها لن تتصرف في قضية الصحراء الغربية طبقا لقاعدة ثنائية، وأن كل شيء سيمر من خلال جيمس بيكر(يعني الأمم المتحدة). وليست مارغريت توتويلر هي الوحيدة التي كانت تصرح هذا التصريح، لكن حتى كولن بأول، كاتب الدولة للخارجية، كان يقول:" لن أهتم بهذه القضية-القضية الصحراوية-لإن بيكر يتعامل معها". احس محمد السادس بالخطر، فقام بزيارة إلى الولايات المتحدة في ابريل 2002م. في تلك الفترة- ربيع سنة 2002م- كان بيكر يتحدث عن أربعة حلول أو إجراءات: 1- لا يحدث حل، وتنسحب الأمم المتحدة؛2- المفاوضات حول الاتفاق الاطار الذي قبله المغرب ورفضته البوليساريو والجزائر؛ 3-تقسيم الأرض وهو الحل الذي لا أحد قبله أو وافق عليه؛ 4-استفتاء للاستقلال. تخبطُ بيكر قاده إلى اقتراح خطته التي تسمى مخطط بيكر الثاني(خمس سنوات حكم ذاتي يتبعه استفتاء)، والذي قبلته الجزائر والبوليساريو ورفضه المغرب.
في أغسطس من عام 2003م، بعد صدور قرار في الأمم المتحدة ضد المغرب إلى حد ما، وبعد مناقشة مباشرة بين المغرب مع بيكر، هدد هذا الأخير المغرب بقبول خطته رقم 2 أو مواجهة الفصل السابع للأمم المتحدة الخاص بالعقوبات. ومرة أخرى، تفاجأ الملك بهذا التكتيك القاسي الذي كانت وراءه الولايات المتحدة الامريكية. بدأ واضحا أن مناقشة ثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب حول الصحراء الغربية لم تكن موجودة أصلا، وأن الاتفاق الأصلي مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضية كان يتدهور. لكن حدث تغير سريع في سياسة الولايات المتحدة اتجاه قضية الصحراء الغربية واتجاه بيكر نفسه. في سبتمبر 2003م، حين كان جورج في اوج حربه في أفغانستان التقي مع الملك المغربي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. بعد اللقاء بقليل تمت إقالة السفيرة الامريكية في الأمم المتحدة مارغريت تويتولر، وتمت إقالة جيمس بيكر أو استقال من القضية. هذا ربما يرجع إلى أن المغرب قام بمساعدة الولايات المتحدة في حربها في افغانستان.
Blog-sahara.blogspot.com.es
ترجمة وتعليق: السيد حمدي يحظيه
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء