سير عملية " إيمان" مثلما أراد لها الدليمي
حسب مخطط العملية الذي تم العثور عليه في سيارة احد القادة، حمو ارزاز، تخرج القوتان F1+F2 من لمسيد وتنفصل: تذهب قوة الزلاقة في المقدمة، ثم تتبعها قوة " أحد" لكن تسير موازية لها، وتلتقيان في منطقة " أمات لكحل"، ثم تتحدان وتواصلان السير في وادي تيغزرت، وتلتحق بهما قوة الفيلق الثالث --F3 من الزاك، وتسير القوات حتى تصل إلى مرتفعات الوركزيز ثم تفترق: تذهب قوة كتائب اسا إلى لنكاب وتذهب قوة " أحد" إلى الوادي لتؤمن لها الطريق بالقصف. لكن فشلت الخطة عندما بادر الجيش الصحراوي بفصل قوة الزلاقة عن قوة "أحد" في ام ازرة غير بعيد عن امطي قبل الوصول إلى امات لكحل، وتم فصلها عن الفيلق الثالث.
خطأ الدليمي التقديري الفادح
لم يكن الدليمي يعلم أن المقاتلين الصحراويين كانوا يحاصرون الزاك فقط من أجل أن تأتي النجدة الكبيرة فينقضون عليها ويقضون عليها. دائما حسب معلومات الأسرى المغاربة، فإن الدليمي في تحضيره لعملية التمشيط، وبعد أن جمع المعلومات الاستخباراتية ومعلومات الطيران، توصل إلى نتيجة وهي أن البوليساريو، المزهوة بانتصاراتها تلك السنة- 1979م-، ستقيم احتفالا كبيرا يوم 27 فبراير في المخيمات لتخليد ذكرى تأسيس الجمهورية الصحراوية، وستستعرض فيه حصيلة سنة 1979م الدسمة: تستعرض غائم لبيرات، بئر انزران، المحبس والطنطان. كان الدليمي يعرف أن قيادة عمليات الجيش الصحراوي ستكون في المخيمات لتحضر الاحتفالات، ويعرف أن القوات الصحراوية، حتى المرابطة منها في الوركزيز، ستذهب لتشارك في الاستعراض. كان يريد أن يستغل تلك الفرصة لأنها هي الوحيدة التي يظن أن معركته ستنجح فيها. كان تقديره في محله: الاحتفالات ستكون كبيرة، الجيش سيذهب إلى المخيمات للاستعراض، وغنائم البوليساريو في تلك السنة-1979م-هي أكثر من قوتها البشرية، وقد لا تجد من يقود السيارات المغنومة التي ستشارك في الاحتفالات إذا بقي مقاتلوها في الوركزيز.
حسب الوثائق التي تم غنمُها ( ) قامت طائرة استطلاع مغربية يوم 24 فبراير 1980م، بجولة فوق الوركزيز فاكتشفت أنه خالي من تحركات البوليساريو. تم تفسير ذلك أن قوات البوليساريو ذهبت إلى المخيمات لتشارك في ذكرى إعلان الجمهورية الصحراوية. في واقع الأمر، لم تكتشف تلك الطائرة ان الناحية الأولى قد أقامت حراسة متنقلة تراقب لمسيد ونواحيه انطلاقا من نقطة في " لقطيفة" في وادي يصب في وادي تيغزرت. حسب وثائق الدليمي ( ) تم تحديد أن تبدأ معركة " إيمان" يوم 27 فبراير 1980م؛ أي يوم إعلان الجمهورية الصحراوية حين يكون قادة البوليساريو ومقاتليهم يشاركون في الاحتفالات في المخيمات يستعرضون غنائم سنة 1979م أمام الصحافة العالمية والوفود الكثيرة التي تم استدعاؤها لرؤية الغنائم. حسب المخطط تستمر المعركة إلى يوم 1 مارس 1980م.
إلى غاية دقائق قبل الانطلاق لم تكن تلك القوات تعلم إلى أين ستذهب. دائما حسب الجنود الاسرى، ( ) تم إشعار القادة فقط أن تتحرك القوات نحو لبيرات لتلتقي مع الفيلق الثالث الذي سيخرج من الزاك المُحاصر. كان الدليمي يظن أنه لن يتصادم مع أي أحد في الطريق. حين تحركت القوات من لمسيد يوم 26 فبراير، وقطعت حوالي 10كليمترات، اكتشفتها حراسة الناحية الأولى التي تسيطر على المنطقة الممتدة من منطقة "لقطيفة" إلى "لمسيد". وصل الاشعار إلى القيادة الصحراوية المشاركة في الاحتفال فجرا فتم اتخاذ القرار التالي: القيادات الميدانية تنطلق مباشرة قبل الحفل وتلتحق بميدان المعركة، أما المقاتلين فيذهبون مباشرة بعد نهاية الاستعراض. بعد الحفل صعد المقاتلون إلى شاحناتهم بسلاح وملابس الاستعراض. كان الأمر عظيما وكبيرا حقا. فالجيش المغربي الذي كان يتفادى الصدام خرج أخيرا، ونجح تكتيك عزل الزاك الذي كان يروم استدراج الجيش المغربي للوصول إلى "نقاب وركزيز".
خداع قوة الزلاقة من طرف الدليمي
كانت وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي، حين تتعامل مع قوة مغربية متحركة، تتبع تكتيك البدوي حين يقتل الأفعى. يعتقد البدو أن قتل الأفعى الكامل لن يتم إلا بضربها على الرأس، المنتصف والذنب، وأنك احيانا تضربها على الرأس فتظن أنك قتلتها لكنها تحيا من جديد. فالبدوي الصحراوي حين يجد أفعى في مكان ما يقتلها بطريقة خاصة. حتى يتفادى أي خطأ، يقوم بضربها بالعصا ثلاث ضربات: واحدة على الرأس وواحدة في المنتصف وواحدة على الذنب. الضربات الثلاث يجب أن تكون متتابعة، حاسمة، سريعة وقاتلة. هذا التكتيك تم اتباعه من طرف المقاتلين الصحراويين حين يُقيمون كمينا لفيالق وقوافل الجيش المغربي المتحرك. ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يقيمون الكمين في طريق القوة المغربية، وحين تصل إلى مواقعهم يتركون مقدمتها/ رأسها يتخطى ثم ينقضون عليها من الخلف ومن الوسط حتى لا تهرب أو تتراجع. حين يتم إطلاق النار عليها من الخلف يتم إطلاق النار عليها، أيضا، من المقدمة فتبقى محصورة بين النيران في حالة ارتباك وفوضى حتى يتم القضاء عليها.
كما قلنا، تم تشكيل قوة الزلاقة-F2-على عجل من الشبان والمساجين لتقوم بعملية تمشيط في الوركزيز. خلال الشهر الذي قضته قوة الزلاقة في طنطان تم تجنيد كتائب أخرى، بالقوة والتهديد، في مدينة أسا تحت غطاء أنهم أبناء المنطقة، ويعرفون تضاريسها ويستطيعون تحمل مشاق الصحاري وتحمُّل الجو الحار والرياح، وبالتالي هم مهمون خاصة في معرفة المسالك، ويتكلمون لغة الصحراويين ويستطيعون التصنت عليهم. تلك الكتائب ستكون قوة دعم لقوة الزلاقة وستصبح تحت إشراف محجوب الطوبجي.
تشكلت القوة المغربية على محورين:
-المحور الأول: الزلاقة في المقدمة يقودها الكولونيل بن عثمان، وهي قوة مشاة تحملها مدرعات فرنسية ولديها لاندروفيرات وسيارات جيب وطيوطا. هذه القوة ستتمركز في شرق بلدة لمسيد مع قوة أحمد الحرشي المدرعة وقوة حسين محاتين للمدفعية والآليات.
-المحور الثاني وهو قوة دعم يقودها محجوب الطوبجي، وهي قوة دعم لفوج حسين محاتين ويجب أن تتمركز غير بعيد عن اسا على أن تتوجه إلى أمات لكحل.
أول شيء حدث هو أنه تم خداع فرقة الزلاقة بكاملها. في مخطط الدليمي الذي عُثر عليه في سيارة حمو ارزاز المغنومة، تقوم قوة "أحد" -F1-و"الزلاقة"-F2-، بمساعدة الفيلق الثالث في الوركزيز-F3-، بالعملية في وقت واحد، لكن الدليمي، الذي كان على أتصال مباشر بالحسن الثاني، قرر خداع فرقة الزلاقة التي كانت مرابطة قرب أسا، والمكونة أساسا من شبان جدد لا تجربة لهم ومن المجرمين والكثير من المساجين. أعطى الدليمي أمرا لتلك القوة بالتوجه إلى " نقاب وركزيز" لتفتتحه فظن قادتها، خاصة محجوب الطوبجي المكلف بالنجدة، أن الجميع جاءه الأمر الموحد في نفس الوقت ليتوجه إلى المنطقة المحددة. حسب الأسرى المغاربة في عملية الوركزيز( )، جاء الأمر لفرقة الزلاقة كي تنطلق على الساعة الرابعة صباحا من يوم 26فبراير 1980م متوجهة إلى المكان المحدد وهو "امات الكحل"، فانطلقت فعلا. بالنسبة لمجموعة "أُحد" – F1-التابعة أصلا للدليمي والمجموعة الملحقة بها التي يقودها كل من أحمد الحرشي وحسين محاتين، وعبد الحق القادري، تم إعطائها الأمر أن تنطلق متأخرة. هذا يعني شيئا واحدا: يريدون تلك الفرقة – الزلاقة-أن تصل هي الأولى لفتحة " نكاب الوركزيز"، وبكل تأكيد ستشتبك معها قوات البوليساريو. إذن، نحن أمام عملية خداع كبيرة وهي أن تشتبك قوة " الزلاقة" مع البوليساريو لمدة يوم أو إثنين، ثم تنطلق قوة " أحد"-F1-ليقال إنها هي التي حققت النصر. ضمن الخطة المخادعة، أيضا، ان تقوم بنجدتها فرقة محجوب الطوبجي، وهو عقيد كان متمردا على الجيش المغربي. كان هدف تنصيبه عليها هو التخلص منه. يقول محجوب الطوبجي في كتابه " ضباط صاحب الجلالة": في الحقيقة، رغم أنني كنت أظن أنني فار من الجيش، لكن تم استقبالي من طرف محمد عبروق بإعجاب. طلب مني عبروق أن أساعده في قيادة مجموعة اسمها الزلاقة التي أوكلت القيادة مسؤوليتها له. كان في حاجة إلي." يواصل الطوبجي قائلا إن عبروق قام برشوته ب 20000 درهم وسيارة رونو.
بسبب ثقل قوة الزلاقة وصعوبة تحركها وعدم نظامها، وبسبب وعورة الأرض والتضاريس، كانت تزحف ببطء وتقطع عشرين كلم ثم تتوقف.
حين خرجت قوة الزلاقة-F2 المدعومة من فرقة محجوب الطوبجي من لمسيد متجهة نحو لبيرات، مرورا بوادي تيغزت، تم التصدي لها وفصلها عن القوات التي كانت تتبعها. لما تأكدت قوة أحد F1 والقوات المساعدة أن قوة الزلاقة تم فصلها تقاعست. حين وصلت قوة الزلاقة إلى منطقة أمطي يوم 1 مارس 1980م كانت قد أصبحت في متناول وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي. كانت الناحية الأولى، حسب المخطط، هي من سيقوم بالتصدي لها على طريقة قتل الافعى. الناحية الأولى من الجيش الصحراوي هي ناحية سريعة، خفيفة معروفة بتدخلها السريع والحاسم، ويتم اللجوء إليها في حالات الالتفاف والمباغتة. مرت مقدمة القوة، ومر منتصفها وحين وصلت مؤخرتها إلى أمطي أحاطت بها الناحية الأولى، وفصلتها عن القوات التي تتبعها، وعن لمسيد وعن النجدة وعن طريق الهروب، وبدأت تصطادها بسهولة. بدأت تدفعها تحت ضربات الهاون والرشاشات 23ملم والقصف نحو النواحي الأخرى التي كانت تنتظر المقدمة في جيوب الوركزيز. يتبع
blog-sahara.blogspot.com.es
السيد حمدي يحظيه
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء