ملاحم الوركزيز: الحلقة السابعة





كانت هناك بعض الملاحظات على بعض الحلقات الماضية، منها مثلا انه في الحلقة الخامسة يفهم القاريء أن قوة الجيش المغربي كانت متوجهة إلى سلسلة جبال الوركزيز، بينما الأكثر دقة هو أن نقول انها كانت تحاذي سلسلة الوركزيز، وأن الجبال التي كنا نعني أن المقاتلين كانوا يدفعون القوة نحوها هي فعلا جزء من الوركزيز، لكن ليس السلسلة الجبلية. ورد أيضا في الحلقة السادسة اسم " امات الخال" بينما الاسم الصحيح هو: امات لكحل.

المعركة على المستوى السياسي

تدمير قوة الزلاقة في ضواحي الوركزيز كان له تأثير معنوي سلبي كبير على الطرف المغربي. كانت هزيمة ثقيلة تؤذن أن نهاية الحرب قد تكون عسكرية. في القصر الملكي بالرباط، كان الحسن الثاني يقضي يومه واضعا سماعة الهاتف على أذنه ينتظر ان يرد عليه الامريكان والفرنسيين والسعوديين. كان يطلب النجدة بالطائرات والدبابات والصواريخ. في الوركزيز كان الأمر مختلفا، وكانت الصحافة تتفقد مكان مجزرة قوة الزلاقة في تيغزرت بثقة تامة. كان الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، الذي شارك في قيادة العملية، يعقد ندوة صحفية في مكان المعركة ويصرح:" اليوم أنا موجود في منطقة امطي، لكن إذا استمر الملك المغربي في سياسة المغامرة والعدوان علينا، في المرة القادمة ستجدونني في الشمال. وجودنا هنا لا يجب أن يتم تفسيره من طرفكم أنه إرادة في احتلال أرض الغير. هو فقط للدفاع عن الذات."( )

وصلت الأخبار إلى البيت الأبيض وإلى الإليزيه وتم تحضير عمل دعم استعجالي. كان الحسن الثاني يريد الدبابات والطائرات لفك الحصار عن الزاك بأي ثمن. يوم 15 مارس كان الملك المغربي المهزوم يلقي كلمة في مراكش يرد فيها على تصريحات الرئيس الراحل محمد عبد العزيز. قال الملك في كلمته:" إن تعلقكم بالصحراء يحتم عليكم، مدنيين وعسكريين، أن تضحوا بأجسادكم وانفسكم للدفاع عن الوطن. ( )  

تطورات المعركة في الميدان

بعد هزيمة يوم 11 مارس المذلة انسحبت تلك القوات إلى الشمال وتمركزت قرب اسا لتنظم صفوفها. لم تنسحب انسحابا نهائيا. بقيت متواجدة هناك، وكانت كل مرة تحاول التقدم نحو فتحة نقاب وركزيز فيتم صدها. كان لا بد من خوض معركة طويلة الأمد، لكن كل طرف كان يريد تحقيق من ورائها أهدافه التي خطط لها. بالنسبة للجيش المغربي كانت خطته هي فتح نقاب وركزيز بأي ثمن. في واقع الحال كان الجيش المغربي على حق. الرجوع قبل فتح الزاك والوركزيز يعني الهزيمة النهائية، وسيسيطر جيش التحرير الشعبي الصحراوي على كل الوركزيز بصفة نهائية وسيتحرك متى شاء نحو الجنوب المغربي وسيدمر كل شيء. لا ننسى، أيضا، أنه في حالة انسحاب الجيش المغربي سيتم القبض على 2000 جندي مغربي متمركزين في الزاك دون إطلاق طلقة واحدة.

  بالنسبة للجيش الصحراوي كان ينسحب قليلا إلى الخلف في محاولة لاستدراج القوات المغربية لجعلها تعتقد أنه انسحب وتتخطي نقاب الوركزيز لتتم محاصرتها والقضاء عليها. بدأت القوات المغربية تناور هي الأخرى فتتقدم وتتراجع، لكن كانت تتراجع دائما مخلفة قتلى وجرحى ودمار. لعبت راجمات " أورج ستالين" دورا بارزا في تلك العملية. كانت تصل بدقة إلى فتحة لنقاب كلما تقدم الجيش المغربي فيرجع على اعقابه تحت نيرانها. كانت تتخطى، أيضا، جبال الوركزيز وتسقط وراءها فتصيب تلك القوات المتمركزة هناك التي تحاول، من حين لآخر، التقدم لفتح الثغرة. 

لم ينسحب الجيش المغربي، وبقي مرابطا وراء الجبال يتحين الفرصة. في الداخل المغربي كانت الدعاية المغربية تقدم ذلك التواجد على أساس أنه عملية محاصرة للجيش الصحراوي. فأحينا التلفزيون المغربي يقدم في نشراته خبرا ( ) يقول إن الجيش المغربي يحاصر جيش البوليساريو في الوركزيز، وانه سيقوم في القريب العاجل باقتحامه والقبض عليهم أسري."

كانت حرب كر وفر. إذا تقدم الجيش المغربي تتقدم القوات الصحراوية فتقفل فتحة "نقاب الوركزيز" بالقذائف والصواريخ فيتراجع الجيش المغربي، لكن في تراجعه ذلك كان يترك وراءه الخسائر.                                                   

الجيش المغربي ينتظر الدبابات الامريكية

مثلما قلنا تم أمر الجيش المغربي بالبقاء في تلك الوضعية: يهاجم من حين لآخر فتحة " نقاب الوركزيز"، وحين لا يستطيع أن يدخل منها يتراجع ويختفي خلف الجبال. تواجدُ الجيش المغربي منذ بداية شهر مارس 1980م خلف الوركزيز كانت له عدة أهداف:

 1-الدفاع عن الجنوب المغربي. لأنه إذا انسحب، ستتم السيطرة على الوركزيز، وسيتقدم الجيش الصحراوي عن طريق الثغرة المذكورة وسيهاجم من جديد الجنوب المغربي بأكثر أريحية.

2-يعرف الجيش المغربي ان الجيش الصحراوي سوف لن يبقى طويلا في الوركزيز دون القيام بعمل عسكري، وبالتالي سيتعب وينسحب من الوركزيز.

3-النقطة الثالثة مهمة. نعرف أن القوة الدفاعية المدرعة المغربية التي كانت تقوم بمهمة الدفاع عن الجنوب المغربي قد تم تدميرها في عمليتي لبيرات والمحبس، وبالتالي لم يعد لدى المغرب دبابات كافية. من خلال تجربة القتال عند ثغرة " نقاب الوركزيز" أقتنع الجيش المغربي أن فتحها لم يتم إلا بالطيران والدبابات. منذ بداية مارس وتدمير قوتي "الزلاقة" و"أحد"، أتصل الملك المغربي بالأمريكان والفرنسيين يطلب الدعم بالدبابات والطيران. حين كانت قوات الزلاقة يوم 2 مارس 1981م محاصرة ب "امطي" بالوركزيز، وتتعرض لقذائف المقاتلين الصحراويين، كان الحسن الثاني يتحدث مع الامريكيين، هاتفيا، يطلب الدعم بالدبابات. طلب الملك 108 دبابة أمريكية بطريقة استعجالية، وتمت الموافقة على بيعها له في نفس اليوم ( ) لكن بشرط ألا يتسلمها إلا بعد سنة. هذا، في الحقيقة-تسلمها بعد سنة-، إجراء بروتوكولي فقط لا أكثر ولا أقل ولا يعني شيئا. الواقع أنه سيبدأ شحن تلك الدبابات في نفس الأيام متوجهة إلى المغرب. 

بقي الجيش المغربي مرابطا في الزاك ينتظر تلك الدبابات التي وعدته بها الولايات المتحدة. لم تصل تلك الدبابات إلى المغرب إلا بعد حوالي شهر ونصف. حين وصلت تم شحن نصفها، مباشرة، نحو الوركزيز، أما النصف الثاني فسيتم شحنه نحو قلتة زمور. توصل المغرب أيضا بطائرات فرنسية وامريكية فقرر أن يقوم بفتح ثغرة الوركزيز. بعد شهرين من المعارك في فتحة " نقاب الوركزيز" وصلت الدبابات الامريكية بأعداد هائلة إلى الموقع. 

خسائر المعركة: جبال الوركزيز ليست هي جبل " أحد"، والجيش المغربي ليس هو جيش المرابطين 

يقول صحفي أسباني زار وادي تيغزرت بعد نهاية المعركة:" من وادي تيغزرت تفوح رائحة الموت(..) عشرات بل مئات الجثث   لجنود مغاربة متناثرة على طول الوادي الذي يبدو أنه تحول إلى مقبرة جماعية للجنود المغاربة. ( )

كانت ملاحم الوركزيز هي أكبر معركة، تقريبا، في تاريخ منطقة شمال غرب إفريقيا برمته. من حيث الوقت وحجم الخسائر كانت معركة كبيرة. استمرت على مدى أكثر من شهرين-من 1 مارس إلى 12 مايو-وفيها تم تدمير قوة "الزلاقة" بكاملها، وتدمير نصف قوة " أحد"، وتدمير فيالق الدعم مثل فيلق محجوب الطوبجي وفيلق الحرشي. تم، أيضا، إفشال العملية التي حملت اسم" إيمان". أظهرت تلك الملاحم أن جبل الوركزيز ليست هي جبل "أحد" في الحجاز، وان القوات المغربية ليست هي قوات المسلمين في معركة " أحد" وليست هي قوات المسلمين المرابطين في سهل الزلاقة بالأندلس. لم يكن، أيضا، الدليمي هو يوسف بن تاشفين، كما لم تكن كتائب المقاتلين الصحراويين هي قوات قريش أو قوات النصارى في الاندلس. انقلبت المعادلة: انهزمت قوات الغزو المغربي التي كانت تصف نفسها أنها قوات اسلامية، وفشلت عملية " إيمان" بسبب قلة إيمان منفذيها.

لا أحد يستطيع تحديد عدد خسائر الجيش المغربي وهي باختصار: قتل وجرح وأسر كل الذين شاركوا فيها وعددهم حوالي 7000 جندي، أما الاسرى فهم العدد الوحيد المؤكد منه: 137 جنديا. بالنسبة للعتاد المدمر لا يعرف أحد عنه شئيا، وهو باختصار كل العتاد الذي كان بحوزة تلك القوات. تم غنم 39 دبابة، 15 مصفحة فاب، 47 شاحنة جيمسي، 69 سيارة لاندروفير. بالنسبة للسلاح الخفيف والمتوسط المغنوم لا يمكن عده. 

كانت ملحمة مذلة بالنسبة للجيش المغربي. لقد ترك قتلاه وجرحاه منتشرين في وادي تيغزرت. في الليل كانت الحيوانات المفترسة التي تسكن جبال الوركزيز تهبط إلى الوادي لتأكل جثث أولئك الجنود الذين تخلى عنهم قادتهم. كان بعضهم مجروحا فقط فقضت عليه الذئاب بسبب ضعف مقاومته. في الليل يتحول الوادي إلى حفلة عواء ونباح للذئاب والضباع تنهش أجساد الجنود المغاربة الذين ماتوا في المعركة، وبقوا في العراء. بذل مقاتلو البوليساريو جهدا كبيرا لدفن الكثير منهم، لكن مع ذلك كانت الحيوانات المفترسة تنبشهم. الكثير من الجنود المغاربة فر إلى الجبال لكنه تاه فيها فمات عطشا وجوعا أو سقط من الصخور. إلى حد الآن، عشرات السنوات بعد ذلك، لازال وادي تيغزرت حين يفيض ويسيل يجرف مع عظام أولئك الجنود الذين ماتوا في تلك المعركة وتركهم جيشهم في العراء.

موقع ملاحم الوركزيز في التاريخ

تعتبر ملاحم الوركزيز التي استمرت من بداية مارس 1980م إلى 12 مايو من تلك السنة أكبر موقعة عرفها شمال غرب إفريقيا في تاريخه. تم فيها تدمير وحدات تتكون من حوالي 12 الفا من الجنود بعتادهم. تلك المعارك، ومعارك أخرى قبلها وبعدها، أعطت لجيش التحرير الشعبي الصحراوي سمعة جعلته يصبح أشجع وأعظم جيش في العالم. فإذا قارنا القوات المغربية التي شاركت في تلك العملية وقوات الجيش الصحراوي سنجد الفرق شاسعا: الجيش الصحراوي المشارك فيها لا يتعدى 2000 مقاتل، بينما الجيش المغربي كان يصل إلى حوالي 13 الفا. يعني أن الجيش المغربي كان ضعف الجيش الصحراوي بأكثر من ثلاث مرات. بالنسبة للعتاد كان الجيش المغربي متفوقا عتادا ويمتلك الطائرات الحربية والدبابات الكثيرة والصواريخ، بينما الجيش الصحراوي لا يمتلك سوى رشاشات 23 ملم ورشاشات 12,7 ملم، وصواريخ " أورغ ستالين".

هكذا سجل التاريخ اعظم ملحمة في تاريخ افريقيا، وكان أبطالها جيش التحرير الشعبي الصحراوي. دخلت ملاحم الوركزيز الفن والغناء والشعر الصحراوي. شاعت أغنية " الا جبال الوركزيز عادو مقبرة للغزاة". تغنى بها الصحراويون في كل مكان، والى اليوم مازالت تُبث في الإذاعة والتلفزيون الصحراوي. في نهاية سنة 1981م، أعاد الشاعر براهيم ولد اللود الحديث عن تلك الملحمة الأسطورية في قصيدة رائعة: 

هجمة ملاحم وركزيز

بكات جففكم غيز غيز 

على وذنيكم ويز ويز

مدفع يخبط كيف اردين 

ما خلا منكم بوبزيز 

امنين جبيتو غازيين 

ابلد لخبيط ابكى ارزيز 

لحككم ذا متغديين 

اخلك لهبيز مع الطعيز 

باليد وكمتو فارين 

 ابتداء من الحلقة القادمة ملحمة القلتة التاريخية  

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه        





يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء