ملاحم الوركزيز: الحلقة السادسة

 



يوم 6 مارس مساءا كانت قوة الزلاقة قد ابيدت تماما. اول مرة في التاريخ تتم إبادة قوة من 7000 جندي في ظرف ستة أيام. بدأت الغربان والنسور تحوم حول وادي تيغزرت، وفي الليل كانت أصوات الوحوش تُسمع بكثرة وهي تهبط إلى السفح. كانت جثث القتلى المغاربة منتشرة في السهب وباعداد كبيرة. الدخان يتعالى من الآليات المحروقة وبعض الجرحى كان لازال مرميا في العراء بعد أن هرب عنه رفاقه. 

 المعركة تتواصل من جديد

 يوم9 مارس في المساء تجمعت القوة الثانية " أحد"F2 وما تبقى من قوة الزلاقة والفيالق التي تدعمها في امات الخال، وجاء الدليمي ليقود المعركة. كان معه حمو ارزاز، محمد عبروق، محمد الحرشي، عبد الحق القادري. بعد اجتماعهم ووصول النجدة من أم لحسن ومن اسا وكل النواحي قرروا شن هجوم ساحق على فتحة " نقاب الوركزيز". تم تشكيل القوة من جديد بعد مجيء النجدة التي قدمت إلى المكان. من جديد تم أمر الطوبجي أن يفتح بما تبقى من حداته فتحة " نقاب الوركزيز"، لكنه لم يستطيع. هرب الجنود تحت النار واختفى هو. على مدى ثلاثة أيام كانت تلك القوة تتقدم حتى تصل إلى الفتحة ثم تنزل عليها النيران من السماء والأرض فتتراجع. تأتي في اليوم الثاني فيتكرر نفس السيناريو: يتم الهجوم عليها فتعود أدراجها في فوضى على جثث القتلى والجرحى والعتاد المشتعل. 

في اليوم الأخير، يوم 11 مارس، تقدمت القوة كلها، فجرا، انطلاقا من امات الخال نحو فتحة " نقاب الوركزيز" كي تقتحمها. لكن في الموعد المحدد، ما أن حاولت الدخول من الفتحة حتى حاصرتها النيران خاصة بصواريخ " أورغ ستالين" وتم الهجوم عليها من جميع النواحي فتفرقت وهرب الدليمي. أما الطوبجي فقد جمع خسائره وسار بهم نحو الطنطان، وبعد تلك العملية أصيب بتشوش عقلي لم يشف منه إلا في سنة 2002م.

اصطياد السيارات ذات الأسلاك 

تعلم المقاتلون الصحراويون من التجربة أن السيارات المعادية المميزة التي تخرٌج منها الأسلاك طويلة نحو السماء هي سيارات مقر القيادة الميداني المتحرك، وهي سيارات الاتصال، وبكل تأكيد تحمل القادة والضباط. كانت تلك السيارات ذات الاسلاك تعكس الأبهة والعظمة التي يريد أولئك الضباط الظهور بها أمام الجنود المغاربة المساكين. كان المقاتلون الصحراويون العاديون يعرفون ذلك فيلجؤون، خلال المعركة، حتى بدون أوامر، إلى البحث عن تلك السيارات المميزة لاصطيادها. في العادة يقوم الضباط المغاربة بوضع حراسة خاصة لهم من الجنود حول سياراتهم، لكن ذلك لا ينفع حين تصب عليهم الرشاشات نيرانها فيتم قتل الحامي والمحمي. في تيغزرت كانت عملية اصطياد سيارات قادة المعركة المغاربة مسلية. تم اصطياد سيارات النقيب مرزوق واصطياد سيارات الضابط محمد الصغير فماتا، كما تم اصطياد سيارات محمد اليوسي فألقي عليه القبض. فحين تظهر سيارة من ذلك النوع في مكان ما من المعركة يحاول المقاتلون التوجه إليها للسيطرة عليها سالمة دون إصابتها، لكن حين تفر يتم إطلاق النار عليها. من القواعد البسيطة في المعركة أنه إذا تم اصطياد سيارة من ذات الاسلاك الطويلة يتوجه إليها مقاتلون صحراويون بسرعة تحت النار فيستولون عليها. تدمير سيارة من ذلك النوع أو الاستلاء عليها يعني الكثير. يمكن أن تكون فيها وثائق ويمكن أن يتم قتل القائد ويمكن أن يتم أسره. فأسر القائد أو قتله وغنم الوثائق هو أمر مهم جدا في أي معركة ضد جيش كلاسيكي. إما يُقتل القائد أو يقع في الاسر فتفشل المهمة أو يتم الاستلاء على الوثائق التي هي غنيمة كبيرة. خلال الكثير من المعارك نجح المقاتلون الصحراويون في اصطياد الكثير من السيارات ذات الاسلاك. ففي معركة أم الدكن سنة 1988م تم اصطياد سيارة العقيد لعبيدي عبد السلام ذات الاسلاك، وتمت محاولة اصطياد سيارة الغجدامي في معركة أخرى فقتل سائقه ونجا هو.

محاولة اصطياد سيارات حمو أرزاز محجوب الطوبجي 

في ملاحم الوركزيز تكررت محاولات اصطياد السيارات ذات الاسلاك. كانت تلك السيارات كثيرة أيام تلك المعركة، وكانت الشمس التي تعكسها تلك الجبال تنعكس على الاسلاك الامعة التي تقف فوق تلك السيارات متحدية كل شيء. في إحدى لحظات المعركة المحتدمة وجه بعض الشبان رشاشاتهم نحو سيارة ذات أسلاك كانت تسير وسط القوة. لم تكن تلك السيارة غير سيارة قائد قطاع الزاك وأحد قادة المعركة وهو حمو أرزاز صهر الدليمي-الاثنان متزوجان من أختين. قد يكون حمو أرزاز كان متواجدا في تلك السيارة وقد لا يكون، لكن في كلتا الحالتين لقد نجا من الموت. انطلقت إحدى السيارات الصحراوية نحو تلك السيارة ذات الاسلاك التي أصيبت لتسيطر عليها. كانت فعلا سيارة قيادة وتمت غنمها بكل سهولة. كانت السيارة المصطادة هي إدارة المعركة فعلا، وقال لهم بعض الجنود الاسرى أنها سيارة حمو أرزاز قائد القطاع. بحث المقاتلون الصحراويون عنه، لكن لم يعثروا عليه. في السيارة تم غنم كل وثائق إدارة المعركة. 

ولم تكن سيارة حمو أرزاز هي الوحيدة التي تمت محاولة اصطيادها، لكن تم اصطياد سيارات كل من محمد صغير والمرزوقي وتم قتلهما. قبل يوم من نهاية المعركة يوم 8 مارس شاهدت سيارات كتائب جيش التحرير الشعبي الصحراوي سيارة أخرى ذات أسلاك طويلة. تمت محاولة السيطرة عليها، لكنها فرت فتم إطلاق النار عليها، لكن من حسن حظ قائدها أن طلقات الرشاش الصحراوي أصابت فقط الرجل المسكين الذي كان بجانب القائد. كانت تلك السيارة هي سيارة محجوب الطوبجي الذي يقود فيلقا مُهما في تلك المعركة وهو فيلق المجندين بالقوة من مناطق أسا. هذا الضابط الكبير سيتمرد على المملكة حين يتقاعد ويكتب كتابا ينتقد فيه الضباط المغاربة والملك. الرجل الذي كان جالسا بجانب محجوب الطوبجي في السيارة وأصابه رصاص الرشاش الصحراوي اسمه بويباك ومات في الحال.( )

الوثائق المغنومة في سيارة حمو ارزاز

السيطرة على سيارة حمو أرزاز كان غنيمة كبيرة. في السيارة تم العثور على كنز من الوثائق يتعلق بالقوة المشاركة في المعركة ومخطط الدليمي لسير عملية "إيمان". تم نقل تلك الوثائق بسرعة ووضعها بين يدي القيادة الميدانية الصحراوية. في وثيقة موقعة من طرق الدليمي تحمل تخطيط العملية نجد ما يلي:" إن الانشطة المعادية التي تم القيام بها في الاشهر الأخيرة في المناطق المجاورة وفي وادي تغزرت(..) تشكل بؤرة تهديد دائمة لمناطق الزاك وبوزكارن والطانطان(..) إن العدو يستطيع، انطلاقا من قواعده في تيغزرت، القيام بهجومات ذات حجم هائل على مراكز المنطقة مثل الزاك، بوزكارن والطانطان. (..) إن عدم تحريك الجزء الأكبر من قواتنا للدفاع عن المناطق المأهولة والنقاط الحساسة تكتيكيا يترك للعدو حرية السيطرة على تيغزرت. لهذا جاءت عمليات "إيمان"، لتحقيق الأهداف التالية: -تمشيط وادي تيغزرت للسماح بتموين الزاك وطرد العدو، وعليه يجب تنفيذ المراحل التالية: 

المرحلة الأولى: بعد السيطرة على المرتفعات جنوب-شرق لمسيد، والقيام بمجهود على محور لمسيد-تاسمينط تصل القوات إلى الرق الأبيض. المرحلة الثانية: مواصلة التمشيط في اتجاه الرق الأبيض وادي الاثل وامطي.

المرحلة الثالث: تمشيط وادي تيغزرت إلى غاية مرتفعات السميرة حتى تكون القوة في مستوى يسمح لها بتموين الزاك.

تم عرض تلك الوثائق على الصحافة التي جاءت خصيصا لتقف على اثار الواقعة التاريخية. ( ) 

هذا يعني أن معركة " إيمان" بدأت فاشلة من اللحظة الأولى: لم تصل القوات إلى لبيرات-مكان اللقاء-ولم يستطيع الفيلق الثالث الخروج من الزاك للالتحاق بها، وتم الإيقاع بقوة الزلاقة كاملة. حين شاهدت قوة "أحد" F1 أن قوة الزلاقة F2 تم فصلها، وأصبحت تحت رحمة المقاتلين الصحراويين تقهقرت نحو جهة الوادي الاخرى لتتفادى الضربة الأولى. تم طلب من قوة الطوبجي المدعومة بكتائب مجندة من أسا أن تتدخل. 

تكتب جريدة الباييس الإسبانية بتاريخ 9 مارس 1980م ما يلي عن ملحمة الوركزيز، تحت عنوان: " أكبر معارك الصحراء في الواركزيز". تقول: في الأيام الأولى في ام طي تم القضاء على1375 من الجنود وتم أسر 29 جنديا، وتم تدمير 27 عربة قتالية. () معركة ام طي هي أهم معركة في تاريخ الحرب، ويسمونها معركة المواقع، وتميزت أنها ربما هي الأولى التي حدثت فيها مواجهة بين جيشين وجها لوجه." وتقول الجريدة المذكورة أن قوة الزلاقة تتكون من 7000 جندي." هؤلاء لم يعود منهم أي أحد، والقليل فقط استطاع الفرار وصعود الجبال. المهم، يوم سادس ماري كانت قوة الزلاقة قد تم القضاء عليها برجالها وعتادها. تقول جريدة الباييس الإسبانية في نفس العدد ، انه حين كانت قوات البوليساريو تدمر قوة الزلاقة في الوركزيز، كان الحسن الثاني في زيارة لمدينة الداخلة، كأنما كانت البوليساريو متعمدة أن تُظهر له قوتها العسكرية لتدميره نفسيا".

هربت القيادة المغربية وتركت جنودها تحت رحمة الموت. تكتب جريدة الباييس الإسبانية يوم 10 سبتمبر 2006م، على لسان محجوب الطوبجي، أحد القادة المغاربة الفارين، من معركة الواركزيز: " على الجانب الآخر من سلسلة جبال وركزيز ، كان ينتظرنا مشهد يستحق التوقف عند بشاعته "رجال محطمون القلب ، وآليات مدمرة ولا أثر للقيادة." ويصل المشهد في الوركزيز إلى قمة تراجيديته حين يقول الطوبجي عن ذلك المشهد:" كان الجنود يموتون عطشا في ذلك المكان بينما كان قادتهم يستحمون بالماء المعدني".

يتبع

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء