ملحمة قلتة زمور: الحلقة الأولى



 

كانت ملحمة قلتة زمور محطة  عسكرية فاصلة في تاريخ الحرب في الصحراء الغربية. بعدها تم توجيه أقمار الدول الكبيرة إلى الصحراء الغربية لدراسة عمليات جيش التحرير الشعبي الصحراوي، وأصبحت المنطقة مغطاة بوسائل التصوير والمراقبة خاصة التابعة منها للاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية. كان هدف السوفيات من تصوير تحركات الجيش الصحراوي وعملياته هو الإستفادة منها ودراستها، بينما كان هدف الأمريكيين والفرنسيين والإسرائيليين هو إعطاء معلومات للجيش المغربي حتى لا تتم إبادته.

القلتة، عاصمة زمور

كانت قلتة زمور كمكان، منذ القديم، معتزة بنفسها. أَطلق عليها هذا الاسم-قلتة زمور-شعب صنهاجة الشهم الذي كان يستوطن المنطقة الممتدة من وادي درعة مرورا بالساقية الحمراء ووادي الذهب وصولا إلى السينغال منذ القرن الثاني بعد الميلاد. من الاسم، أيضا، نعرف ان الماء كان فيها غزيرا منذ ذلك الزمن. فكلمة " قلتة" تعني أن الماء كثير ويفيض منها. " يتكلت" الماء في لغة صنهاجة يعني أنه يتحرك مثل الأمواج ويطغى ويفيض. معنى كلمة "زمور أو أزمور" في لغة شعب صنهاجة هي الزيتون، وبهذا يصبح المعنى هو: بِرْكة الزيتون. بعد صنهاجة، يحكي الناس أن شاعر الصحراء قديما، عمار ولد مريزيق، الذي عاش في القرن الخامس عشر كان يسكنها. 

حديثا، بقيت قلتة زمور صامدة وحاضرة في التاريخ والجغرافيا، وعالقة بالذاكرة وبالأذهان. بسبب ما راكمت هذه البقعة الجغرافية من التاريخ والاحداث العظام أصبحت هي عاصمة منطقة زمور كلها. من حيث الجغرافيا والتضاريس، هي موقع صالح للدفاع، وكانت دائما حاضرة في تفكير العسكريين، حيث تمركزت فيها القوات العسكرية الإسبانية والصحراوية والمغربية، أما من ناحية الموقع فهي استراتيجية: تقع تقريبا في الوسط بين تيرس وزمور وبين موريتانيا والجزائر، كما يوجد بها-وهذا مهم-الماء الذي لا ينضب طول السنة. المرة الوحيدة التي يتذكر الناس أن الماء نضب فيها كان سنة 1957م، وبما أنه حدث استثنائي فقد تمت تسمية ذلك العام باسم: عام عطش القلتة.  

منذ بداية حرب التحرير الصحراوية، كانت قلتة زمور هي الأولى دائما في أي عمل كبير يتم الإقدام عليه في المنطقة. فحين اندلع الكفاح المسلح ضد اسبانيا تم الاستيلاء عليها من طرف المقاتلين الصحراويين في جوان 1975م، وفيها تم حل جماعة الشيوخ وتأسيس المجلس الوطني، وتم تحريرها هي الأولى أيضا من إسبانيا. حين نزح الصحراويون بعد الغزو لجأت أكثريتهم إلى جبالها ومائها وموقعها الاستراتيجي الممتاز. كانت حاضرة، أيضا، في تفكير الغزاة حينما هاجم طيرانهم سكانها العزل في فبراير 1976م، وحينما احتلوها فيما بعد. شكلت قلتة زمور هاجسا بالنسبة للغزاة: كانوا يريدون الاستيلاء عليها بأي ثمن ويتمركزون فيها كخط دفاع أول. كانت، أيضا، أكثر حضورا في أذهان مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي ولم ينسوها، بل كانوا يقتحمونها كلما حانت الفرصة. اقتحموها في مارس 1981م، ثم أعادوا عليها الكَرة في اكتوبر من نفس السنة ليكتبوا فيها واحدة من أعظم الملاحم في التاريخ. اقتحموها كذلك في سنة 1989م فسجلوا فيها ملحمة أخرى خالدة.

اقتحام القلتة سنة 1975م

يوم السبت على الساعة الحادية عشر والنصف ليلا، من يوم 14 جوان 1975م، تسللت مجموعة من المقاتلين الصحراويين الأوائل إلى المركز الإسباني بالقلتة وسيطرت عليه. حسب الصحافة الإسبانية وقتها(  ) فإن أربعة من الذين اقتحموا مركز القلتة هم من المجموعة التابعة ل Tropas Nomadas الذين التحقوا، جماعيا، يوم 21 مايو 1975م بالبوليساريو انطلاقا من عين بنتيلي. اقتحام القلتة كان بالاتفاق مع الصحراويين ال 21 الذين كانوا يتواجدون في المركز تلك الليلة، والذين ينتمون لجهاز الشرطة الإسبانية. فالسلطات الإسبانية، بعد عمليتي 12 مايو 1975م التي تم فيها اختطاف دوريتين إسبانيتين، قامت بإخلاء المراكز البعيدة من الجنود الإسبان، وتركت تلك المراكز بيد جنود صحراويين فقط. تمت السيطرة على المركز بدون عنف ولا رصاص، وتم الاستيلاء على صهريج للمياه وعلى سيارة اسعاف وعلى كل المستلزمات بالمركز العسكري. من بين عناصر الشرطة ال 21 الذين كانوا بالمركز قرر تسعة منهم الالتحاق بالبوليساريو وحملوا معهم اسلحتهم، آخرون البقاء في المركز، وفر واحد في سيارة ليخبر الشرطة في العيون.

معركة القلتة الأولى (24-25 مارس 1981م) 

كما قلنا، شكلت قلتة زمور، كمكان، هاجسا للغزاة المغاربة بالتمركز الدائم فيها لموقعها الاستراتيجي ولوجود الماء فيها ولقربها من الحدود مع موريتانيا. هاجس تواجد الجيش المغربي في القلتة قابلته إرادة لدى جيش التحرير الشعبي الصحراوي لاصطيادهم فيها وطردهم والقضاء عليهم. يعني، أنه كان هناك صراع إرادات عسكرية على الميدان من أجل القلتة كنقطة استراتيجية. منذ تواجد فيها الجيش المغربي لم تنم القلتة ليلة واحدة هادئة، إذ كانت عرضة دائما للقصف والغارات والهجومات الخاطفة السريعة حتى أصبح الجنود المغاربة يتمنون الرحيل عنها. في الواقع، لا يستطيع أحد عد ولا تذكّر المرات التي تمت فيها مهاجمة قلتة زمور خلال الحرب مع الجيش المغربي، وفقط يمكن الحديث عن المرات الثلاث التي تم فيها تحريرها بالكامل، وتكبيد القوات المغربية خسائر لا تُنسى. المعركة التي نعتبرها معركة القلتة الأولى هي التي تم تحريرها فيها يوم 25 مارس 1981م. في هذه المعركة تقرر تنظيم هجوم كاسح مباغت عليها تكلل بتحريرها لمدة يومين. حدث الهجوم الكاسح المذكور يومي 24 و25 مارس 1981م، وهو هجوم خاطف صاعق من جميع الجهات. تمت محاصرة القلتة صباحا من جميع الجهات يوم 24 مارس بثلاثة ألاف مقاتل صحراوي من الناحية الأولى والثانية والثالثة مدعومات بوحدات أخرى. كان شعار تلك المعركة هو لا رجوع حتى تحرير القتلة مهما كان الثمن. بعد معارك ضارية على مدى يومين، تدخّل فيها الطيران المغربي، تم تحريرها كاملة وغنم كل ما كان فيها من عتاد. فر الجنود المغاربة من الطريق الغربي نحو بوكراع تاركين خلفهم كل عتادهم ومستلزماتهم وقتلاهم وجرحاهم. باتوا ليلتين في العراء يتجمعون ويتفرقون خوفا من صواريخ " أورغ ستالين". 

الطريق إلى ملحمة القلتة الثانية (13-29 اكتوبر 1981م) 

الطريق إلى تخطيط ملحمة تحرير قلتة زمور في اكتوبر 1981م لم يكن سهلا ولا بسيطا. كان يُراد لها أن تكون ملحمة يتم ذِكرها في تاريخ الحروب على مر العصور، خاصة أن تكون أكبر من جميع معارك شمال غرب إفريقيا، وحتى توضع، جنبا إلى جنب، مع معارك الحرب العالمية الثانية. كان لا بد من تحضير مفاجآت جديدة مثل الصواريخ والعربات المدرعة كي تكون الضربة قاصمة حتى العظم، ويتم تحويل قلتة زمور إلى مقبرة حقيقية لجيش الغزاة المغاربة. كل الاسلحة والصواريخ والعربات المجنزرة التي سيستعملها جيش التحرير الشعبي الصحراوي، فيما بعد في معاركه خاصة ضد الحزام الرملي، سيتم تجريبها في قلتة زمور.

مضادات الطيران قبل ملحمة القلتة الثانية:

ستريلا أو سام 7

أمتلك جيش التحرير الشعبي الصحراوي، في البداية، مضادات دفاع جوي بسيطة، لكن، بسبب شجاعة المقاتلين الذين كانوا يستعملونها، استطاعت تلك المضادات البسيطة أن تصبح عظيمة وأن تُسقط الكثير من الطائرات وتُحدث الرعب في سلاح الجو المغربي. فمثلا كانوا يستعملون الرشاشات البسيطة مثل 23 ملم ورشاشات شيلكا، وحتى كانوا يحاولون رفع رشاش 14,5 ملم لتكون فوهته في الأعلى ويتصدون به للطيران. كانوا، في الواقع، في أشد الحاجة إلى سلاح قوي مضاد للطائرات كي يكون هناك تعادل بين شجاعتهم على الأرض وشجاعتهم في التصدي للطيران. في بعض مقاطع فيلم مصور يظهر مقاتل صحراوي يطلق الرصاص، واقفا غاضبا، من بندقيته كلاشنكوف على طائرة مغربية معادية. تلك الصورة ترمز أن الحاجة لسلاح جوي قوي كانت تجعل المقاتل، بسبب الغضب، يمكن أن يستعمل الحجارة ضد الطائرات. من الاسلحة المضادة للطائرات التي اشتهرت عند المقالتين الصحراويين نجد " ستريلا-Strela" وهي صاروخ أرض-جو صغير من نوع سام 7. ذلك الصاروخ كان فعالا في البداية، وهو خفيف ويمكن حمله وإطلاقه من فوق الكتف، ويرجع له الفضل في إسقاط الكثير من الطائرات في البداية. كان ذلك " الصويريخ" الصغير-ستريلا سام 7-نظرا لخفة وزنه وسهولة استعماله، هو المناسب في الحرب السريعة المفاجئة المتحركة التي كان يخوض المقاتلون، لكن الطيران المغربي تكيّف معه، وأصبح يحول اتجاهه. أصبحت بعض الطائرات المغربية مجهزة بأجهزة تشوش عليه حتى يذهب في اتجاه آخر ساعة إطلاقه. 

صاروخ سام 9، " الحمار"

هو صاروخ من عائلة سام ويحمل رقم 9 في السلسة، وهو أكثر تطورا وفعالية من سام 7 أو ستريلا، لكنه أيضا أكثر تعقيدا. هو صاروخ محمول على عربة خاصة به، وعادة تتم حمايته بستريلا أو رشاش مضاد للطيران. أمتلكه جيش التحرير الشعبي ابتداء من سنة 1979م، وكان حاسما، أيضا، في إسقاط الكثير من الطائرات المغربية. أطلق عليه المقاتلون الصحراويون اسم " الحمار" لإن عربته تشبه الحمار، خاصة أن الصاروخين المحمولين عليها، في حالة توازي، يشبهان أذني الحمار.       يتبع

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه



  


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء