ملحمة قلتة زمور: الحلقة الثانية

 



بعد كل حلقة يتم رصد بعض الملاحظات، لكن أهمها كلها هو تكرار ملاحظة أنه كان النص والفائدة سيكونان أعظم لو كنا حاولنا الكتابة، قبل قلتة زمور والوركزير، عن لبيرات، مجزرة الدبابات، أو عن المحبس أو عن الطنطان. هؤلاء الذين ابدوا هذه الملاحظات هم محقون تماما في ذلك، لكن مع ذلك هناك، في الحقيقة، صعوبة في محاولة كتابة كل ما سطَّر جيش التحرير الشعبي الصحراوي، أولا لكثرته ولعظمته، وثانيا لعدم وجود معلومات أو شيء مكتوب. المأساة الآن إننا نعتمد فقط على ذاكرات المقاتلين، لكن هذه الذاكرات بدأت تنسى وبدأت الأحداث تحضر في شكل ذكريات مختلطة مع بعضها البعض. أحيانا تسأل أحد المقاتلين عن عملية رأس الخنفرة فيقول لك: آية معركة تقصد؟ الأولى ام الثانية ام الثالثة. لقد خضنا هناك أكثر من ملحمة. بسبب هذه الصعوبات، نعترف هنا أن ما نقوم به هو مساهمة متواضعة فقط.

****

الوضع السياسي المحيط بعملية القلتة الثانية: خطأ الحسن الثاني الذي كلفه خمس طائرات و2000 بين قتيل وجريح واسير 

قبل أن ندخل في تفاصيل ملحمة القلتة العسكرية الثانية العظيمة التي بدأت يوم 13 اكتوبر 1981م، لا بد أن نمتلك مفاتيح الوضع السياسي العام للقضية الصحراوية الذي كان محيطا بها حتى لا نتركها خارج قراءة الأحداث السياسية. منذ بداية سنة 1981م، بعد اعتراف عدد من الدول الإفريقية، حصلت الجمهورية الصحراوية على النصاب القانوني الذي يسمح لها أن تصبح عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية. حتى لا يتم قبول الجمهورية الصحراوية في المنظمة قام الحسن الثاني بلعبة بوكر فاشلة: ذهب إلى مؤتمر رؤساء الوحدة الإفريقية في نيروبي، عاصمة كينيا، والقى خطابا يوم 18 جوان 1981م، قال فيه أنه يقبل باستفتاء تشرف عليه منظمة الوحدة الإفريقية. في الواقع، تم خِداع الرؤساء الأفارقة فظنوا أن ذلك ليونة من طرف المغرب، فأعادوا العمل بلجنة الحكماء لمتابعة الاستفتاء المقترح وبدأوا يقترحون وقفا لإطلاق النار. لكن الطرف الصحراوي، بفعل معرفته العميقة للنظام المغربي، كان يعرف أن الأمر مجرد مناورة لا أكثر. لا يُعقل أن دولة احتلال تُقوي جيشها كل يوم وتبني دفاعات الاحزمة الرملية وتقتني الاسلحة والطيران هي جادة في تطبيق الاستفتاء أو تبحث عن السلم. تفسير الطرف الصحراوي للجوء الحسن الثاني إلى الاستفتاء هو أنه نوع من المناورة من أجل عدم قبول عضوية الجمهورية الصحراوية في منظمة الوحدة الإفريقية فقط. بعد أقل من شهر سيرتكب الحسن الثاني حماقة فادحة ستقود إلى التسريع بملحمة القلتة. صرَّح ندوة صحفية يوم 3 جويلية 1981م أن الاستفتاء الذي يعنيه هو من تأكيدي وليس لتقرير المصير. ( ). في نفس اليوم بعث رسالة إلى رئيس كينيا يقول له فيها أن الاستفتاء هو تأكيدي. هذا التصريح سيجعل جبهة البوليساريو تعود إلى قوتها الذاتية: جيش التحرير الشعبي الصحراوي الساحق. 

أغاظ التصريح والكذب والمناورة القادة الصحراويين فقرروا أن يجعلوا الحسن الثاني يدفع الثمن. لن يكون ثمن تلك الكذبة سهلا، وسيكتب التاريخ أن كذبة/ مناورة من ثلاث كلمات كلفت المغرب تحطيم خمس طائرات وقتل حوالي 2000 جندي وغنم كل ما كان في القلتة من أسلحة.

الوضع الميداني المحيط بملحمة القلتة الثانية

عسكريا، منذ ملحمة الوركزيز في مارس 1980م لم يقم المقاتلون الصحراويون بأي هجوم كبير، وكانت هناك مشاورات في القارة الإفريقية تدعو إلى السلم والتهدئة، وبدأ المغرب يروّج أن بناء أولى الاحزمة الرملية الدفاعية منع عمليات جيش التحرير الصحراوي في الجنوب المغربي. بعد هزيمة الجيش المغربي الشنيعة بالوركزيز سنة 1980م، بدأ هذا الجيش يبني أحزمة دفاعية لحماية وحداته وحماية المناطق المهمة ولقطع الطريق على وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي حتى لا يواصل زحفه وتوغله في الجنوب المغربي الذي أصبح تحت رحمة العمليات يوميا. 

على الأرض، كان ما يقوم به الجيش المغربي، ميدانيا، من تصعيد يوحي أن لا ضوء في نهاية النفق. لا توجد دلائل أن هناك نية لدى المغرب لمحاولة إيجاد حل سياسي. ورغم أنه منذ جوان 1981م، بعد إعلان الحسن الثاني قبوله للاستفتاء في نيروبي، بدأت بعض الأصوات، ومنها بعض الدول الإفريقية ومنظمة الأمم المتحدة تدعو إلى التهدئة وتهيئة الظروف للعملية السلمية، إلا أن ما يقوم به الجيش المغربي يسير في الاتجاه العكسي تماما. كان الجيش المغربي يبني الأحزمة ويحصل على العتاد خاصة الطيران والمدرعات، وهذه إشارات لا تتماشى مع توفير مناخ الاستفتاء. في ذهنية القادة العسكريين الصحراويين أن الاستفتاء هو مناورة فقط، ويجب الضغط في الميدان بعملية استعراضية كبيرة تبقى مكتوبة في التاريخ.   

ولم يكن الجيش المغربي يبني الأحزمة الدفاعية فقط، لكن كان يتقوى. فمثلا، منذ معركة الوركزيز 1980م التي أُبيدت فيها وحدات كاملة، تلقى المغرب دعما سخيا من الطائرات من طرف الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا. أصبحت تلك الطائرات تصول وتجول وتطارد المقاتلين الصحراويين في أي مكان يمكن أن يصلوا إليه. على مستوى تحركات الجيش المغربي، كانت الأخبار تصل أن وحداته تتجه نحو الجنوب وتتمركز في قلتة زمور. التمركز العسكري المكثف في قلتة زمور تم تفسيره أنه من أجل حشد قوة كبيرة لبناء حزام دفاعي في تلك المنطقة. 

هذا دليل آخر أنه لا توجد بارقة أمل في الأفق تعطي انطباعا أن المغرب يسير في طريق السلام. الحل يكمن في أن تتم مقابلة التصعيد العسكري الصامت بالتصعيد العسكري والمواجهة. في هذه الظروف تم التخطيط لاقتحام قلتة زمور، وغنم كل العتاد الذي الموجود فيها، وقتل وأسر كل من يحرسها. يتبع


blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء