ملحمة قلتة زمور: الحلقة العاشرة

 




حضور الصحافة إلى قلتة زمور

يوم 16 تم جمع الغنائم والأسرى في أماكن متفرقة. كانت الغنائم كثيرة ولا يمكن جمعها، بل أن السيارات وشاحنات إينوموك المغنومة كانت أكثر من المقاتلين الذين تكلفوا بجمعها. كل ما في تلك القاعدة تم الاستيلاء عليه، وكانت أكثريته صالحة للاستعمال وما لم يتم الاستيلاء عليه تم تدميره وحرقه. بعد السيطرة على القلتة وتحقيق الانتصار تم الاتصال بالبعثة في الجزائر أن تستدعي الصحفيين إلى قلتة زمور ليكونوا شهودا في الميدان. تم تجميعهم بسرعة وانطلقوا في طائرات إلى تندوف. يوم 24 خرجوا صباحا من المخيمات متوجهين إلى القلتة. كانت المسافة طويلة وتصل إلى حوالي 650 كلم غير معبدة. ركبوا سيارات لاندروفير قوية راحت تنهب بهم الأرض نهبا. كانوا يتوقفون حتى يستريحون ثم ينطلقون حتى وصلوا إلى مكان المعركة. وصلوا يوم 25 اكتوبر صباحا، وتوجهوا إلى مكان العتاد والأسرى. هالهم العدد الكبير من الأسرى الجالسين على الأرض، والعدد الهائل من السيارات والشاحنات المغنومة. كان وزير الدفاع، براهيم غالي، في انتظارهم شخصيا رفقة بعض قادة المعركة. ورغم تحليق الطيران في الجو، ورغم أن المعركة كانت لازالت متواصلة في منطقة ام غريد، إلا أن الميدان كان تحت السيطرة. كان المقاتلون يتحركون بثقة كبيرة في النفس، وكانوا يتعاملون مع الوضع بهدوء كأنما ما حدث هو عمل عادي. في لقائه بالصحافة يوم 25 اكتوبر صرح وزير الدفاع قائلا أن:" الشرط الوحيد لوقف القتال هو أن يبدأ المغرب المفاوضات المباشرة مع البوليساريو. (..) في هذه المعركة التي بدأت يوم 13 حطمنا خمس طائرات."

كان السؤال المطروح هو حول السلاح الجديد الذي أدخلته البوليساريو إلى المعركة خاصة الصواريخ المتطورة التي اسقطت الطائرات. كان جواب وزير الدفاع أن الطائرات المغربية تسقط منذ سنة 1976م، وأن السلاح يتطور والقدرات تتطور، والحديث عن سلاح جديد هو متجاوز. السلاح الوحيد الذي نمتلكه هو هذا السلاح القادر على إسقاط طائرات الميراج وطائرات ف5."( ) 

كان المقاتلون الذين حرروا القلتة يتجولون في ميدان المعركة مزهوين بالنصر الذي حققوه، وبقدرتهم على استعمال سلاح جديد خاصة الصواريخ والمدرعات. كانت معركة كبيرة مثل ملاحم الوركزيز، والفرق الوحيد بينهما هو أن الوركزيز استمرت طويلا بينما القلتة لم تستمر إلا عدة أيام.

محاولة توريط موريتانيا

أصيبت القيادة المغربية بالشلل بداية من الحسن الثاني وصولا إلى الدليمي والعقداء المرابطين في القلتة الذين انهزموا بين قتيل وجريح وأسير. كثف الطيران المغربي طلعاته، بحذر شديد، فوق المنطقة ووصل إلى التراب الموريتاني. لكن لماذا ذهب الطيران المغربي ليقصف أهدافا لا وجود لها في موريتانيا. مثلما فعل الغجدامي، حين جاء كفيلق نجدة ثم ناور بالقيام بمعركة وهمية، ثم انسحب، فعل الدليمي نفس الشيء. على الدليمي أن يقرر للحسن الثاني أنه قام بعمل ما في الميدان. بعد إسقاط خمس طائرات جديدة في معركة واحدة، لم يعد بمقدور الدليمي المجازفة أكثر بالطائرات في مطاردة قوة البوليساريو. ذهب بالطائرات بعيدا كي تقصف في أرض موريتانيا على اعتبار أنها " تطارد" قوة البوليساريو المنسحبة، واتهام موريتانيا أنها سمحت لتلك القوة باللجوء إلى أراضيها.  

كانت أصوات قذائف المعارك لازالت تُسمع بوضوح، لكن خارج قلتة زمور التي تمت السيطرة عليها بالمطلق. تحولت قلتة زمور إلى مسرح كبير لعد القتلى والجرحى والغنائم. 

أيام 19 و20 اكتوبر حلقت طائرات مغربية فوق الحدود الموريتانية وقصفت في بلدة العاديات التي لا يوجد بها أحد.

في بلدة بئر ام كرين الموريتانية، على بعد 90 كلم من القلتة، حلقت طائرات مغربية في واضحة النهار. لكن المعارك كانت مستمرة فقط في الجبال المحيطة بقلتة زمور بعيدا عن الحدود الموريتانية. حين سمع عبد الرحمان ولد بوبكر قائد الوحدة العسكرية الموريتانية المتمركزة ببئر ام كرين كثافة المعارك في قلتة زمور، خرج في دورية نحو الحدود يستطلع الأمر. لم يجد أثرا لتوغل المدرعات الصحراوية على حدود بلاده. صرح للصحافة أن المعارك بعيدة عن حدود موريتانيا، وأنها تجري في زمور لكحل(  )، وأن المقاتلين الصحراويين لم يلجؤوا إلى حدود بلاده. حين تمت مساءلته عن وجود الصحراويين في العايديات في أرض موريتانيا، قول ولد بوبكر:" هناك خلط بين الأماكن. البوليساريو توجد في جبال العايديات، لكن هذه الجبال من زمور لكحل هي في تراب الصحراء الغربية." وحتى يقنع الصحفيين أكثر بسط أمامهم خريطة للمنطقة ليوضح لهم أن الجزء المسمى العايديات في الحدود الموريتانية هي خالي ولا يوجد به أحد. هناك فقط بئر تأتيه المياه وقت الفيضان من جبال العايديات في زمور في الصحراء الغربية. في جولة الصحافة على الحدود الموريتانية لم تعثر على أي ثر لتوغل القوات الصحراوية في الحدود الموريتانية، كما لم يجدوا جرحى في طب بئر ام كرين مثلما ذهب إلى ذلك الدليمي.

 نتائج المعركة المادية

في الحقيقة حين تسأل المقاتلين الصحراويين عن نتائج معركة قلتة زمور يوم 13-26 اكتوبر يقولون لك: الجنود بين جريح أو أسير وفار، اما العتاد فبين مغنوم ومحطم. غنائم كبيرة تتلخص فيما يلي: 

- تدمير خمس طائرات وإصابة سادسة استطاعت أن تهرب بجناح واحد.

- إبادة الفوج الرابع وثلاثة أفواج مشاة ميكانيكية.

- إصابة القيادة الميدانية بجروح مثل كل العقداء المشهورين مثل بلبل عبد القادر، الزقاي، أمليش، الدروقيو وبن عيسى ابروق. نهاية الجنرال عبد الخالق عليقة عسكريا. تم التحقق من مقتل كل من القائم قائد وحدة الفيلق الثالث، ومحمد براهيم والمرشح سعد الله لحسن قائد وحدات الفيلق الثاني، وبن هزام محمد قائدة الوحدة الثالثة. 

- بالنسبة للقتلى الجنود فقد بلغ الذين تم العثور عليهم موتى حوالي 2100، بينما هناك الكثيرون ماتوا بالسقوط في الجبال.

- عدد الأسرى هو 230 بين ضابط وجندي

- اسر ثلاثة طيارين (اليازمي إدريس، بوجدي بوجمعة، لحسن بوغاني) ومقتل ثلاثة طيارين (بلحاج، أمين محمد واحمد الكيلي).

- العتاد المغنوم والمدمر لا يستطيع احد عده، وهو باختصار كل عتاد الحامية. 

- 48 سيارة لاند روفر ورافعتين.

-16 شاحنة "ج م س" واحدة منهم تحمل معدات للمواصلات.

- 40 شاحنة "انيمونكّ".

-7 شاحنات صهاريج.

"- سيارة جيب" قائد الفوج الرابع.

1 سيارة "فوليرا"، سيارة فرنسية الصنع للاستطلاع و الدعم.

2 بنادق 105 مم.

13 بنادق 106 مم.

10 مدافع هاون 81 مم.

2 مدافع هاون 120 مم.

6 بطاريات رشاشة 23 مم.

17 رشاشة 12.7 مم.

1 رادار.

15 بندقية "ماكّ".

23 مدفع قاذف صواريخ الهاوتزر. "آر بي جي 07".

تم أسر 204 جندي و6 ضباط.

وهناك كمية كبيرة من الذخيرة والملابس والخدمات اللوجستية وقطع الغيار(  )

ملحمة القلتة تحرك العالم وتبهره

يوم الثلاثاء 13 اكتوبر، حين وصلت هزيمة الجيش المغربي في القلتة إلى الملك الحسن الثاني أصيب بالجنون. وصلت إليه أخبار سقوط الطائرتين المقاتلتين، وأسر طيارين وقتل إثنين، وأخبار استعمال البوليساريو ل " سام6" ولدبابات T 55، ففقد أعصابه. عمد في المساء إلى إلقاء كلمة موجهة للشعب المغربي يقول فيها:" إن البوليساريو تشن هجوما، معززا بالمدرعات، وهو الأول من نوعه منذ جوان، على قلتة زمور التي توجد في المنتصف بين الداخلة والعيون وغير بعيدة من الحدود الموريتانية. (..) إن هذا الهجوم هو خرق سافر لقرارات منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة بالصحراء الغربية، وسيبرر أن المغرب ستكون له الحرية في التصرف. إن الهجوم يقوض جهود السلام التي يقوم بها المغرب. (..) شاركت في الهجوم صواريخ سوفياتية، تُسيرها عناصر غير إفريقية، وتسببت في إسقاط طائرتين للجيش المغربي. (  ) في نفس اليوم بعث الحسن الثاني رسالة لكل من فرانسوا ميتران ولرونالد ريغان ولرئيس منظمة الوحدة الإفريقية، ولرؤساء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ولرؤساء الدول الإفريقية السبع الأعضاء في لجنة الحكماء المشكلة لتطبيق الاستفتاء. في الرسالة قال الملك:" لقد قبلت عفويا وقْف إطلاق النار المنصوص عليه ضمن الشروط التي تقدمت بها الندوة الثانية – لجنة الحكماء-، ورغم ذلك فإنه يوم 13 اكتوبر تم الاعتداء على بلدنا ومهاجمة جيشنا من طرف عصابات مسلحة جيدا، ومجهزة بأسلحة حديثة جدا. المهاجمون لا يمكن أن يأتوا إلا من بلدان مجاورة. إن هذا التجاهل يقوض قرارات منظمة الوحدة الإفريقية وقرارات لجنة حكمائها، ويعطينا الحرية في التصرف، ويهدد جهود السلام التي كنا من المحرضين عليها. (  ) 

بعث، أيضا، رسائلا ومبعوثين إلى كل من الرئيس الجزائري والعقيد القذافي والرئيس التونسي يشرح لهم ا فيها " تدهور الأوضاع في المنقطة بعد هزيمته في كلتة زمور. " 

يوم 14 اكتوبر تم استدعاء البرلمان المغربي لجلسة طارئة لإشعار أعضائه بما حدث في القلتة. أمام البرلمان قال رئيسه بوعبيد:" إن المغرب يستعيد كامل حريته في الرد بعد هذا الهجوم الذي يعرض المجهودات السلمية للخطر." بعد كلمته قرأ بوعبيد على البرلمانيين رسالة الحسن الثاني إلى مجلس الأمن ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وملك السعودية ورؤساء فرنسا وتونس. في الرسالة يقول الملك المغربي:" إن هذه هي المرة الأولى التي يستعمل فيها البوليساريو المدرعات والصواريخ". وذكر الملك في رسالته الطائرات التي سقطت والعتاد الذي دمر(..) إن الخبراء المغاربة يعتقدون أن هذه الآليات يتم تسيرها من طرف أشخاص من غير البوليساريو، ومن غير الافارقة، وأنهم أجانب.(..) إن الحكومة المغربية لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذا العمل رغم أنها طلبت من رئيس الوحدة الإفريقية أن يتحرك حتى يتم احترام كل القرارات التي تم أتخاذها.(..) أن موريتانيا متهمة رغم أنها سبق وتعهدت في اجتماعات نيروبي أن لا يتم استعمال أراضيها للهجوم على المغرب، وهذا أيضا ما أكده الرئيس الموريتاني في اجتماعات الطائف.(..) أما بالنسبة للجزائر فقد تعهد رئيسها أن بلده لن يقوم بأي شيء يعرقل السلم.(  )  

يوم 21 اكتوبر بعث الحسن الثاني برسالة إلى الرئيس الموريتاني محمد خونا ولد هيدالة، يقول له فيها: "لدينا معلومات أن القوات التي هجمت على قلتة زمور جاءت من الحدود الموريتانية وعادت منها؟" رد عليه ولد هيدالة رافضا كل تلك التهم ومحذرا، في الوقت نفسه، أن موريتانيا لن تخيفها التهديدات." 

في نفس اليوم-21-وصل إلى العاصمة الموريتانية شتسر كروكر المكلف بإفريقيا في الخارجية الأمريكية ليحث القادة الموريتانيين على عدم دعم البوليساريو وعدم فتح الحدود له، وانه مهم بالنسبة للولايات المتحدة أمن المغرب. من جهته   

يوم الأربعاء 22 اكتوبر 1981م صرح وزير الخارجية المغربي، محمد بوستة، تصريحا يوجه فيه اتهامات خطيرة لموريتانيا قائلا: شارك جنود موريتانيون في المعركة إلى جانب البوليساريو والآن هناك عشرات الجرحى منهم يتداوون في مستشفيات نواكشوط. ( ) ثم أن الكولونيل مولاي ولد بوخريص القائد المساعد للأركان العامة للجيش الموريتاني، وسيدي احمد ولد بنجارة، الوزير المستشار لدى الرئاسة تنقلا إلى يوم 14 اكتوبر إلى المنطقة لقيادة العلميات." على أثر هذه التصريحات الخرقاء رد محمد خونا ولد هيدالة ردا قاسيا على وزير خارجية المغرب.

على ما يبدو كانت البوليساريو تعد للسيطرة النهائية على القلتة والتموقع فيها. لم يعد هناك ما يمنعها من ذلك. كانت نقطة الضعف الوحيدة التي تمنعها من احتلال المواقع والتمركز فيها هي الطيران، أما وقد وجدت الحل-سام 6-ودبابات T-55، فلم يعد هناك أي عائق أمام أن تتمركز في المواقع. ذلك التخوف هو الذي دفع الحسن الثاني يوم 29 اكتوبر إلى مراسلة منظمة الوحدة الإفريقية ليقول لها أنه " لازال وفيا للطريق الذي رسمته منظمة الوحدة الإفريقية في نيروبي، والذي هو طريق الاستفتاء المراقب." طبقا لرسالة الملك المغربي إلى مجلس الأمن ومنظمة الوحدة الإفريقية، اتصلت البوليساريو بالأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية، أدم كوجو، تخبره أنها تقبل بوقف إطلاق النار إذا كان المغرب سيستأنف المفاوضات."( )

من نتائج العلمية، أيضا، أن استدعى الحسن الثاني رئيس منظمة الوحدة لإفريقية أدم كوجو يوم 27 اكتوبر وتحادث معه على انفراد ساعتين. بعد خروجه من الاجتماع صرح أدم كوجو قائلا:" الاجتماع من أجل تحديد السبل التي يمكن أن نخفض بها التوتر في المنطقة للوصول إلى طريقة يمكن أن نطبق بها مقررات مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة بالصحراء الغربية في نيروبي." حسب مصادر أخرى فإن دعوة الحسن الثاني لآدم كوجو هي من أجل محاولة جعله وسيطا لدى كل من موريتانيا والجزائر كي يتفاوضوا معه حول الوصول إلى حل لإن جيشه يوجد في وضعية صعبة. ( ) 

يوم 29 اكتوبر استدعى الحسن القائم بالأعمال السوفياتي ليحتج على استعمال البوليساريو لصواريخ سوفيتية. يتبع.

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء