ملحمة قلتة زمور: الحلقة الحادية عشر

 


معركة القلتة الثالثة: اختراق الحزام المغربي 

يوم 9 نوفمبر 1981م خرجت القوات المغربية من قلتة زمور وبئر انزران بعد التأكد أنه سيتم استهدافها مرة أخرى. في سنة 1987م، عادت القوات المغربية وشيدت الحزام الرملي السابع حول قلتة زمور، وأمتد ذلك الحزام إلى ضواحي لكويرة. في سنة 1988م، رغم توقيع اتفاق السلام ورغم لقاء جرى في مراكش بين الملك المغربي ووفد من جبهة البوليساريو بداية سنة 1989م، إلا أن الشكوك كانت تحوم، كالعادة، حول جدية المملكة المغربية في الذهاب إلى سلام حقيقي. من جديد أصبحت قلتة زمور في الشاشة لتتم مهاجمتها. هي منطقة لا يمكن ترك الغزاة يستريحون فيها ولو ليوم واحد. ورغم أنها أصبحت محاطة بالجدار الرملي، إلا انها كانت دائما تعيش حالة من الخوف الغريزي بسبب ما حدث فيها سنة 1981م. مساء يوم 4 اكتوبر، انطلقت وحدات الاستطلاع التابعة للناحية الثانية في مهمة بضواحي قلتة زمور. كان فيلق المدرعات، الفيلق الرابع العظيم، متواجدا آنذاك بمرتفعات لقطيطيرة، وهو الفيلق الذي أصبح اسمه في ذهنية الجنود المغاربة مرتبطا بالموت والدمار وبعربات BMP1، التي أصبحت مهمتها هي اختراق الحزام الرملي. نعم، تم استطلاع قلتة زمور بدقة، ومرة أخرى سيتم استهدافها لكتابة ملحمة جديدة في نفس المكان المزهو بالنصر. يوم 5 اكتوبر بدأ الزحف، وكانت الناقلات المخيفة تزأر متجهة نحو منطقة تيملوزة، الموقع المحدد لتمركز القوة التي ستشارك في اقتحام قلتة زمور من جديد. المعركة هذه المرة سيقوم بها الفيلق ال 17 من الناحية الثانية والفوج 12، والفيلق الرابع الساحق من نفس الناحية، وستشارك الناحية الأولى والثالثة. خلال تخطيط المعركة كان الفيلق الرابع بناقلاته العنيفة سيدخل من المركز مخترقا التحصينات القوية، بينما ستقوم الناحية الثالثة بمهمة احتلال وتأمين الممرات بين الجبال، أما الناحية الأولى فستقوم بحماية الثغرة الرئيسة خلال الانسحاب. مهم جدا هنا أن نشير إلى أنه، بعد عملية القلتة التاريخية سنة 1981م، أصبحت القيادة العسكرية تولى اهتماما كبير للمدرعات BMB1، فتؤمن دخولها وتؤمن انسحابها خلال المعارك حتى لا تخسر أي آلية. يوم 9 اكتوبر فجرا، كانت الوحدات تقترب من النقاط التي ستهاجم منها بحذر شديد. على الساعة الثانية فجرا وصلت كل الفصائل إلى مواقعها التي ستنطلق منها نحو الحزام الرملي. 

خطة علمية القلتة الأخيرة تعتمد على وصول رجال الهندسة إلى الربط، وفتح ثغرة فيه تستطيع أن تمر منها الآليات والسيارات، وتتم حماية تلك الثغرة إلى غاية الانسحاب. فتح الثغرة يتزامن مع وصول المشاة إلى الربط والالتصاق به في انتظار دخول الآليات. مع الفجر تم تفجير الحزام الرملي، وكان الانفجار هو بمثابة إعلان التوجه السريع نحو الثغرة. هدرت العربات BMP1 متجهة نحو الحزام فدب الذعر في قلوب الجنود المغاربة وهربوا. كانت القاعدة المتبعة عندهم هي أنه إذا سمعوا صوت " الشيران BMP1) عليهم أن يهربوا وإلا فلا نجاة لهم من الموت. كانت الصواريخ تتساقط على المركز الرئيسي الذي كان مكتظا بالسيارات والشاحنات والعتاد. اشتعلت فيه النيران وبدأت المطاردة في العمق. بدأت الناقلات تجول فجرا تطارد الجنود الفارين وتقتل وتدمر. يوم 7 اكتوبر فجرا كانت حامية قلتة زمور قد أصبحت تحت السيطرة، وبدأ المقاتلون يجمعون الغنائم والأسرى. تم تدمير مركز القيادة والدعم، وتم تدمير مواقع الحراسات والدشم وحرق كل ما لا يستطيع المقاتلون غنمه. تم إعطاء إشارة الانسحاب، وكما كان متوقعا سيركز العدو قصفه وقذائفه على ثغرة الخروج الوحيدة الكبيرة. أثناء الانسحاب حاول الجيش المغربي أن يتدخل بالطيران. لم يكن سام 6 هذه المرة موجودا، وهو ما جعل طائرتين تحاولان مهاجمة المنسحبين. تمت إصابة الطائرتين ()، ففرتا مشتعلتين ناحية الغرب، لكن لاحقا سقطتا. 

نتائج المعركة: 

احتلال الحزام الرملي ومركز القيادة بقلتة زمور.

- تحطيم طائرتين خارج ميدان المعركة.

- قتل أكثر من 200 جنديا

- اسر 12 جنديا

- تدمير 12 سيارة لاندروفير

- تدمير 22 طيويطا تحمل رشاشات.

- تدمير 26 شاحنة كبيرة للنقل والدعم.

- تدمير 4 صهاريج كبيرة.

- تدمير كل ما كان في المركز والقاعدة.

- تم غنم 10 سيارات طويوطا.

- سيارتين لاندروفير

- غنم كل الاسلحة والرشاشات التي كانت عند الثغور وهرب عنها أهلها.  مرة أخرى تكتب القلتة تاريخا جديدا في سجلها الخالد بالملاحم.   


تقييم ملحمة قلتة زمور الثانية: 13-29 اكتوبر 1981م

في الواقع كتب جيش التحرير الشعبي الصحراوي اسم ملحمة القلتة في السجل الذهبي لتاريخ المعارك في شمال غرب إفريقيا وفي العالم أجمع. لا يمكن مقارنتها، من حيث الحجم والدمار، إلا مع معارك العلميين في صحراء مصر وليبيا إبان الحرب العالمية الثانية. فالملحمة كانت معجزة عسكرية بكل المقاييس. كيف يتم نقل ذلك العتاد الكبير على مسافة حوالي 800 كلم دون أن يتم كشفه حتى يصل إلى قلتة زمور. فوق منطقة قلتة زمور وفي كل سماء الصحراء تحوم الطائرات يوميا، وفوقها شبكة من الأقمار الصناعية الفرنسية والامريكية التي كانت مهمتها التجسس على تحركات المقاتلين الصحراويين والإبلاغ عنها إلى الرباط. في تلك الملحمة تم تجريب العتاد المدرع الذي سيتم استعماله في كل المعارك الكبيرة فيما بعد. تم تجريب كل من كاسكافال وعربة BTR وناقلات BMP1، وتم تجريب سام 6. ابتداء من تلك المعركة تم الاحتفاظ بسام 6 وعربات BMP1، وتم الاستغناء كن كاسكفال وعربات BTR. بعد الملحمة أصبحت آليات BMP1 هي الرفيقة المفضلة للمقاتلين الصحراويين، وهي التي سترافقهم في معاركهم الكبيرة فيما بعد. أثناء الهجوم تحل محل لاندروفير فهي سريعة ومدرعة وقوية وتتناسب وطريقة المعركة السريعة الخاطفة التي كان يخوضها الجيش الصحراوي.

تأثير المعركة النفسي على الاحتلال المغربي كان كبيرا. تم تدمير وغنم القوة التي كانت ترابط في القلتة، وتم إسقاط خمس طائرات في معركة واحدة، وهذا لم يحدث لدولة من قبل خاصة في القارة الإفريقية.

على المستوى السياسي تصدرت ملحمة قلتة زمور الصحف ووسائل الإعلام على مدى أسبوعين، كما وصل صداها ورسائلها إلى مجلس الأمن ومنظمة الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز والجامعة العربية.    الموضوع القادم: ملحمة لمسايل

السيد حمدي يحظيه 


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء