قصة أسر قائد طيران المغرب في الصحراء الغربية سنة 1978م: علي نجاب، رفضه الحسن الثاني وتجاهله محمد السادس، وتنكَّر لجميل الصحراويين (الحلقة 1 من 2)

 


الكثير من الصحراويين أو غالبيتهم لا يعلمون أن جيشهم، خلال حرب التحرير الأولى، ضد المغرب وموريتانيا، القى القبض على قائد الطيران المغربي في الصحراء الغربية، واسقط طائرة قائد الطيران الموريتاني الذي انقذه الحظ فقط من الوقوع أسيرا(كتبنا عنها سابقا). هنا سنتطرق إلى القصتين بالتفاصيل. 

كانت ملحمة القبض على أشهر طيار مغربي، وقائد سرب الطائرات المغربية في الصحراء الغربية، المسؤول عن الطائرات التي كانت تقصف المدنيين في قلتة زمور وام دريكة والتفاريتي، ستبقى مهملة، ويحثو عليها النسيان رماله لولا أن ذلك الطيار-علي نجاب- خان الثقة، وتنكر لفضل الصحراويين عليه، وراح يشوههم، وركب موجة الأكاذيب وتحول الى بوق للمخزن الذي عامله ككلب بعد إطلاق سراحه سنة 2003م.

قصة أسر علي نجاب تشبه كثيرا محاولة قنص منسق الطيران الموريتاني، قادير، سنة 1977م، التي تحدثنا عنها سابقا. هو، أيضا، كان اسمه متداولا كونه هو من أمر بقصف المخيمات، وهو من كان ينسق عمليات الطيران المغربي في الصحراء الغربية.

لم يكن علي نجاب الطيار المغربي الوحيد الذي أُسقطت طائرته في حرب الصحراء الغربية الأولى، كما لم يكن، أيضا، هو الوحيد الذي وقع أسيرا بين أيدي مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي. ملحمة إسقاط الطائرات المغربية العديدة هي ملحمة تكاد تكون منفصلة عن حرب الصحراء الغربية بسبب عامل الاستعراض الشيق فيها. كان أسرُ الطيارين المغاربة الذين تسقط طائراتهم بصواريخ صحراوية يشبه لعبة مسلية وتراجيدية في نفس الوقت. إذا أصيبت طائرة بصاروخ واشتعلت النار فيها، تُسرع سيارة اندروفير صحراوية مكشوفة لتلتقط الطيار قبل أن يسقط على الأرض، وقبل أن يتخلص من مظلته، وكان سائقو السيارات يتبارون في تلك اللعبة. وحسب قواعد تلك اللعبة المسلية، فإن الإثارة تبلغ قمتها حين يستطيع السائق الصحراوي أن يجعل الطيار المغربي يسقط في حوض السيارة الخلفي قبل أن يصل إلى الأرض، وقبل أن يتخلص من مظلته. البعض من الطيارين المغاربة الذين أُسقطت طائراتهم وقفزوا بالمظلات يسقطون فوق شجرة من أشجار الطلح ويبقون هناك عالقين حتى يأتي المقاتلون ليخلصوهم، والبعض يسقط ويتخلص من المظلة ويسرع في أي اتجاه، لكن يتم القبض عليه. كل الذين أُسقطت طائراتهم لم ينجو منهم أحد؛ إما ماتوا أو ألقي عليهم القبض. لا أحد- هذا مؤكد- نجا من الموت أو الأسر. خلال تلك الحرب العنيفة،  تم إسقاط أكثر من ثلاثين طائرة عسكرية مغربية، وتم أسر سبعة عشر طيارا. 

صيف سنة 1982م.. مدرسة 12 أكتوبر.. " نجَّاب في السماء، نجاب في التراب"

في صيف سنة 1982م-شهر غشت تقريبا- ذهبنا إلى مدرسة 12 أكتوبر لتلقي بعض الدروس كتقوية في مادة اللغة الفرنسية، وفي ثاني يوم لنا في تلك المدرسة، ونحن في الصفوف، مرَّ أمامنا رجل أنيق المظهر، ملامحه تختلف عن ملامح الصحراويين، يحمل محفظة صغيرة تحت إبطه متوجها إلى أحد الفصول الدراسية. لم يكن ذلك الرجل سوى علي نجاب، أشهر طيار مغربي وقائد سرب الطيران في الصحراء الغربية الذي أُسقطت طائرته ووقع في الأسر سنة 1978م. نعم، كان أشهر طيار مغربي، وكان اسمه ملء السمع في المخيمات وفي المغرب وفي الإذاعات والجرائد. في تلك الغرفة الكبيرة الساخنة التي اجتمع فيها بعض المقاتلين يتناولون الشاي، حدثونا عن الطيار نجاب علي، وقالوا أنه يدرِّس الانجليزية والفيزياء لطلبة الكليات العسكرية المتواجدين معنا في مدرسة 12 أكتوبر تلك السنة، وأنه يتقن أربع لغات، ويعرف علوم الأرض والسماء، وأنه كسبَ ود المسؤولين الصحراويين بثقافته الواسعة وسعة معلوماته. لكن، فجأة، سيتدخل في النقاش رجل آخر ظل صامتا طوال الوقت يستمع. سيدخل بنوع من الانفعال، ويقول: "انتوما النهار كامل نجاب في السماء، نجاب في التراب(عبارة في اللهجة الحسانية تعني أن شخصا تحدث عنه الناس بطريقة غير منظمة طويلا)، ربما كانت عبارة " نجاب في السماء، نجاب في التراب" تأخذ بعدا آخر أكثر سريالية، وهو أن الطيار المعني كان يقاتل بتكبر ، دائما، من السماء مثل الصقر، وأخيرا لامس الأرض بعد أسره، وأنه كان متعاليا وأصبح متواضعا.  يواصل ذلك الرجل حديثه:" في اليوم الذي أُلقي عليه القبض فيه، ارتكب نجاب خطأ فادحا. قلل من قيمة الأسلحة المضادة للطائرات التي يمتلكها المقاتلون الصحراويون، وبالمقابل، وهذا خطأ في التقدير، ظن أن خبرته ومهاراته في المناورة والطيران ستنجيانه من الصواريخ التي يطلقها مقاتلون بدويون لم يتعلموا في نكساس. حين حلق في سماء منطقة الشويشية شمال مدينة السمارة بحوالي 60 كلم، مقتفيا أثر دورية صحراوية كانت تناور في تلك المنطقة، أطلق نحوه أحد المقاتلين صاروخا، وأصاب أحد محركي طائرته. المقاتلون الذين أصابوا طائرته التقطوا في جهاز التصنت صوت ربان طائرة ترافقه يقول له في جهاز الاتصال: "علِّي. علِّي. بمعنى ارتفع، ارتفع في الجو". قفز نجاب هذا الذي يدرسكم الانجليزية والرياضيات الفيزياء(أظن أنه كان يدرِّس الانجليزية فقط في تلك الفترة)، وتخلص من المظلة وهرب باتجاه وحدته التي تبعد عنه عشرة كلم. لكن الذين أصابوا طائرته تبعوه حين شاهدوه يقفز بالمظلة، وحين احاطوا به رفض أن يستسلم، واعطاهم، على عادة المخزن، أمرا متعاليا أن يتفرقوا، وقال لهم مهددا إنهم إذا القوا عليه القبض، سيهجم عليهم الحسن الثاني ويمحو مخيماتهم من الخريطة حتى يستعيده هو شخصيا، ولا أحد غيره. لكن ذلك التهديد لم ينفعه.  القوا عليه القبض والسلام، ووضعوه في حوض سيارة لاندروفير. قالوا إنهم وجدوه يسيل عرقا ويكاد يقتله العطش، وأن لون وجهه كان احمرا، وأنهم ظنوا أنه فرنسيا أو أمريكيا". 

لكن على نجاب الذي كنا نراه خلال شهر كامل- شهر غشت سنة 1982م- يوميا، تقريبا، يمر متجها إلى الفصل، كان قد تخلى عن شخصيته القديمة، واستبدلها بأخرى أكثر واقعية، وعاش الواقع ولم يبق محتفظا من سمات الشخصية القديمة ما عدا ما تصبغه عليه ثقافته. 

علي نجاب قصَف المدنيين، لكن حدث خطأ في التعامل معه   

كان قصف المخيمات الصحراوية في قلتة زمور وام دريكة التفاريتي في فبراير سنة 1976م عملا جبانا وجريمة بشعة لا يمكن السكوت عليها ولا نسيانها. بدأت دراسة القوة الجوية المكلفة بالقصف التي يمتلك المغرب في الصحراء الغربية لمحاولة تحديد الطيارين الذين ارتكبوا تلك الجريمة بأمر من الحسن الثاني الذي أعطى أوامره، حسب شهادات الطيارين المغاربة الذين أُسروا، بحرق كل شيء حي خلال حملات القصف الجبانة تلك. كانت القوة الجوية المغربية في الصحراء الغربية تتكون من 16 عشر طائرة أغلبها F5،  الأمريكية، وكانت، منذ تواجدها في مطار مدينة العيون منذ نهاية سنة 1975م، تحت قيادة علي نجاب نفسه. 

كان هو قائد سرب الطائرات التي كانت تنطلق من العيون لتقصف ام دريكة وقلتة زمور سنة 1976م، أو، وهذا احتمال كبير، كان يقود إحدى الطائرات التي كانت تقصف خاصة طائرة الشبح الأمريكية F5 . ورغم أنه هو، أثناء التحقيقات، أنكر أنه شارك في قصف المخيمات المذكورة إلا أن الأسرى المغاربة، خاصة الطيارين، أكدوا ذلك ودافعوا عن تأكيدهم لما قام به.  فانفصال علي نجاب عن بقية مجموعة الطيارين الأسرى خلال مدة الأسر وترفعه عنهم، وحصوله على امتيازات من طرف الصحراويين جعل رفاقه يفتحون ملفه من أول ورقة إلى نقطة النهاية. أصبح علي نجاب في نقطة تقاطع الرماية، وتمنى المقاتلون الصحراويون أن يقع بين أيديهم لأن جريمة قصف نساء ام دريكة وقلتة زمور لم تسقط بالتقادم من ذاكرتهم. 

(يتبع)

 

blog-sahara.blogspot.com.es 

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء