قصة أسر قائد طيران المغرب في الصحراء الغربية سنة 1978م: علي نجاب، رفضه الحسن الثاني وتجاهله محمد السادس، وتنكَّر لجميل الصحراويين (الحلقة 2 من3)

 


كانت ملحمة القبض على أكبر طيار مغربي، وقائد سرب الطائرات التي كانت تقصف المدنيين في قلتة زمور وام دريكة والتفاريتي، تشبه إلى حد كبير قصة محاولة قنص قائد الطيران الموريتاني، كادير، في الزويرات، والفرق الوحيد بين المحاولتين أن احدهما- كادير- نجا بضربة حظ، بينما الثاني- علي نجاب- وقع في الأسر. كانت قصة أسر نجاب  ستبقى مهملة، ويحثو عليها النسيان رماله لولا أنه-علي نجاب- خان الثقة، وتنكر لفضل الصحراويين عليه، وراح يشوههم، وركب موجة الأكاذيب وتحول بعد الى بوق للمخزن الذي عامله ككلب بعد إطلاق سراحه سنة 2003م.

وعده الحسن الثاني أن يعود بعد ستة أشهر، فعاد بعد خمسة وعشرين سنة 

كان سلاح الطيران الحربي المغربي وطياروه يتبعون للحسن الثاني، مباشرة وشخصيا، وكان إذا سقطت طائرة في المعركة يكاد يغمى عليه. يقول المغاربة أنفسهم أن جيشهم حين فقد خمس طائرات حربية في معركة قلتة زمور- 13أكتوبر 1981م- لبس الحسن الثاني ملابس القتال وأراد أن يتوجه إلى المعركة (1). دائما حسب شهادات الطيارين- لا يمكن ذكر أسماءهم هنا لأن بعضهم لازال حيا- كان الحسن الثاني إذا فقد طائرة لا ينام حتى يحصل على طائرة بدلا منها من فرنسا أو من أمريكا أو يحصل على ثمنها من السعودية. 

وقع علي نجاب في الأسر يوم 10 سبتمبر 1978م، وكان يقود طائرة northrop F5  الأمريكية الخطيرة، فانتهت بذلك مغامرته في الصحراء، وباشتعال النيران في محرك الطائرة اشتعلت، أيضا، في مستقبله هو ومجده الذي كان يحلم به. وقع في يد المقاتلين الذين كانوا يتحرقون على اسره وإسقاط طائرته عقابا له على قصف النساء والأطفال في المخيمات في ام دريكة وقلتة زمور. 

وقع في الأسر أسبوع فقط قبل نقله إلى مكناس ليتدرب على قيادة سرب من طائرات ميراج ف1، مكون من خمسة وعشرين طائرة حصل عليها المغرب من فرنسا في صيف سنة 1978م. كل المعلومات تتقاطع في أن علي نجاب، قبل أن يقع في الأسر، كان هو قائد سرب الطائرات المقاتلة في الصحراء الغربية، وكان مؤهلا أن يصبح هو قائد طيران الميراج الفتاكة، بل كان له طموح أن يصبح هو قائد القوات الجوية المغربية في يوم ما. لِما لا؟ كان طيارا مدللا، درس في مدارس الطيران في تكساس، وفي إيران الشاه، وهو على درجة كبيرة من الثقافة والفكر. 

حسب حكايات المقاتلين الذين القوا عليه القبض، قال لهم أن الحسن الثاني سيحرق مخيمهم إذا القوا عليه القبض ليخلصه من الأسر، لكن الحقيقة أن كل تلك الوعود كانت خداعا جميلا صدّقه علي نجاب "الذكي"، ونام طويلا ينتظره، وحين استفاق لم يجد سوى سراب الصحراء يحيط به من كل الاتجاهات، أما حين عاد إلى المغرب فلم يجد سوى الصدمة.  حسب جريدة الحوار المتمدن(2)، فإنه في يوم 12 أيلول (سبتمبر) 1978م- يومان بعد وقوعه في الأسر- لما كانت زوجة نجاب في المطبخ، طَرَقَ الباب رجلان في زيهما العسكري يطلبان لقاءها. توجهت إليهما، وكانت المفاجأة أن أحدهما كان قائد القاعدة الجوية بمكناس، والثاني ضابط طيار. طمأناها وقالا  لها أن نجاب حي يرزق، إلا أنه وقع أسيرا لدي العدو، وأن أسره لن يطول لأكثر من ستة أشهر علي أبعد تقدير. الفاهم يفهم. الرسالة التي يحمل قائد قاعدة مكناس الجوية هي رسالة كاذبة من الحسن الثاني المكلف شخصيا بالقوات الجوية والطيران الحربي. لن يصدق أحد أن بإمكان قائد القاعدة الجوية بمكناس أن يعطي مثل هذا الوعد الكاذب إذا لم يكن مبعوثا، شخصيا، من الحسن الذي لم تكن ذبابة أن تطير في المغرب بدون علمه.

رفض الحسن الثاني أن يعترف به

تعامل المخزن المغربي وملكه الحسن الثاني، ومن بعده ولد محمد السادس، مع المغاربة الذين ماتوا أو جُرحوا أو قُتلوا أو أسروا في حرب الصحراء، خاصة أصحاب الرتب منهم، مثلما يتم التعامل مع كلاب ماتت أو جُرحت أو ضاعت. تم ارتكاب جرائم دولة في حقهم، لكن كل تلك الجرائم تم دفنها في رمال الصحراء بعيدا عن أعين العالم. فحين كان الجنود المغاربة يبنون الحزام الرملي كانوا يموتون بالعشرات، وكانت الجرافات تدفن جثثهم تحت تراب سواتر الحزام الرملي حتى لا يعرف أحد عددهم ولا أين دُفنوا. مات الجنرال العابدي عبد السلام في الأسر، وحين طلبت البوليساريو من المغرب أن يتسلم جثته رفض الاعتراف به، وتم دفنه ككلب في صحراء لحمادة. مات الغجدامي وهو تحت الرقابة الجبرية ملاحقا بتهمة الجبن، وتهمة أنه فرّ من المعارك أمام البوليساريو. كل الذين عادوا من الأسر أو تقاعدوا أو جُرحوا أو هم أبناء ضحايا تلك الحرب الظالمة تمت معاملتهم مثل الكلاب. لا يوجد وصف آخر لما حدث لهم أكثر دقة وألما من هذا. تم طردهم إلى الشارع، وأصبحوا متشردين يشحذون أو يبيعون الكاوكاو في الشارع. الذين كانوا أسرى منهم، كانوا يخدعونهم فيقولون لهم أن مرتباتهم يتم تقسيمها إلى قسمين، قسم يسلمونه لعائلاتهم وقسم يبقى في البنك حتى يعودون، لكن حين عادوا لم يجدوا أي شيء في البنك. لم يكن الطيار علي نجاب أحسن حالا منهم رغم مسؤوليته التي كان يتقلد، ورغم ثقافته ورتبته. مثله مثل العابدي عبد السلام، رفض الحسن الثاني الاعتراف به، ورفض تسلمه من البوليساريو حينما كان سيتم إطلاق سراحه سنة 1989م مع مجموعة من الاسرى عددها 200 اسير.  يتبع

--

المراجع

1- - موقع أنا الخبر في 22 أبريل 2021م).

2- موقع الحوار المتمدن بتاريخ13اكتوبر 2006م blog-sahara.blogspot.com.es 

السيد حمدي يحظيه 


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء