حبيب ولد لحويمد: بطل من مجموعة 66




ملاحظة: في المقال الماضي عن المناضلة الراحلة اغيلة لحويمد، قلت ان السنة ربما كانت سنة 1983م، لكن الحقيقة هي انها كانت سنة 1984م. المناضلة الراحلة هي أخت مناضلين آخرين ومقاتلين أوفياء منهم حبيب الذي كان ضمن مجموعة ال66. عائلة مناضلة من ضمن آلاف العائلات التي ضحت؛ بعض هذه العائلات دفعت ستة شهداء من أسرة واحدة، وبعضها استشهد الأب وأبنائه. 

مجموعة 66، هي ابطال جيش التحرير الشعبي الصحراوي الذين كانوا أسرى عند الاحتلال المغربي، وكان يقابلهم اربعة آلاف أسير مغربي ألقى عليهم جيش التحرير الشعبي الصحراوي القبض خلال حرب التحرير الأولى. بقسمة بسيطة نجد أن كل مقاتل صحراوي أسير كان يعادل 67 أسيرا مغربيا. كان حبيب ول لحويمد واحد منهم، والتقيته عدة مرات، لكن لم يتسن، الى الآن، نشر ما كُتب عن تلك المجموعة البطلة.

حبيب ولد لحويمد، ابن الصحراء  

في وادي اليداسية، منطقة التفاريتي وَلَدَ حبيب المحجوب لحويمد سنة 1947م، من عائلة جذورها مثل جذور أشجار الطلح في زمور...... زمور، الأرض، المنطقة التاريخية والجغرافية كانت هي مدرسته التي تعلم منها وفيها عِلم معرفة الصحراء. عِلمُ معرفة الصحراء هو، في المخيال الصحراوي، عِلمُ قائم بذاته، له أركانه وقواعده، وكان الصحراويون يعلمون أول ما يعلمونه لأولادهم هو عِلم الطبيعة التي توجد حولهم. هذا العِلم نبغ فيه حبيب، فهو من القلة الذين بقوا يدورون مأسورين بسحر ذلك المكان (زمور)، ورفضوا أن يبدلوه بأي مكان في الصحراء ولا في مكان آخر من العالم. 

والده، المحجوب، مدفون في الساقية الحمراء عند نخلات لحصية، وجده مدفون في بوكراع. قبل أن يوافي الأجل المحتوم الجد الوقور، طلبوا من أن يختار المكان الذي سيدفنونه فيه، لإن ذلك المكان- منطقة بوكراع- كانت آنذاك قاحلة ولا يوجد بها بشر ولا مقابر. طلب منهم أن يدفنوه في بوكراع، وحين قالوا له ندفنك في مكان آخر في مقبرة محترمة، قال لهم أدفنوني هنا وسيأتي من يؤنسني. لم تمض مدة حتى نزلت عائلة صحراوية من أهل لبصير في المنطقة، فحدث طوفان كبير ومات بعضهم فدُفنوا بالقرب منه.

الانضمام للنضال، ثم للجيش 

مثله مثل كل الصحراويين تقريبا، انضم حبيب للثورة في مدينة العيون مبكرا، ولازال يتذكر أول مهمة قام بها . يوم 13 أكتوبر 1975م، تم تكليفه من طرف التنظيم بقيادة زمرة من أربعة رجال لإقامة كمين للجِمال والذهاب بها إلى الثوار في جبهات القتال. ذهب حبيب وزمرته على متن سيارة شخصية لمحمد ولد السالك لازال حبيب يتذكر رقمها: 3636. تم تسليحهم بمسدسات وقنابل يدوية وسكاكين فقط. بعد قضاء يومين في أم الشـﯕاﯕ لم تأت الجِمال. حين ذهبوا في اتجاه السمارة التقوا مع السيموناكي( )، وأخبرهم أن الجمال تم بيعها في السمارة ولن تذهب على العيون. 

المشاركة في أسر أول نقيب مغربي

حين عاد حبيب إلى العيون وجد لائحة من 81 شخصا مطلوب منهم البقاء في العيون لمواصلة النضال. لكنه هو كان يريد أن يقاتل.

يوم 17 اكتوبر 1975م، أنطلق لينضم للجيش. ذهب إلى مركز معروف في تلك الفترة في الأرجمية ومنها إلى بنزكة. حين كان، هو ومجموعة معه، ذاهبين إلى تفودرات وبالضبط يوم 17 نوفمبر 1975م، التقوا مع مجموعة أخرى للاستراحة. أثناء تلك الاستراحة سيحدث حدث تاريخي. سيكتشف اولئك المقاتلون سيارة جيب مغربية تدخل بينهم بالصدفة. سدد الذين كانوا منهم مسلحين – هم قلة- بنادقهم نحو السيارة فتوقفت، ورفع الرجل الذي كان بداخلها يديه. كان رجلا سمينا بشرته بيضاء وفي هيئة جيدة. عرفوا إنه مغربي، اسمه طاهيري الطاهر، وانه نقيب وكان يقود قوة مغربية منطلقة من وادي الساقية الحمراء متجهة نحو السمارة لمحاصرتها واحتلالها فخدعته الصحراء التي تكرهه. النقيب الطاهيري الطاهر هو أول أسير مغربي وقع في يد المقاتلين، وسيفتح لائحة طويلة من الأسرى المغاربة الذين بلغوا الآلاف. في أقل من يومين تناقلت وكالات الأنباء والجرائد والإذاعات، خاصة إذاعة ال BBC خبر أسر الطاهري الطاهر. أصبحت صورته معروفة في كل الجرائد، وأصبح رمزا للجندي المغربي الأسير. ينسب اليه المقاتلون الذين القوا عليه القبض مقولة " جيت نحارب على خبزتي". رد عليه أحد المقاتلين:" لهي توكلها بعد مرمدة:". فعلا، أكل المسكين الطاهري خبزته " مرمدة" وقضى سنوات طويلة في الأسر.

الانضمام الى الكتيبة الخامسة الحاسمة

في بداية جانفي 1976م، كان حبيب ومجموعته متعبين من المشي والجوع والعطش، وكانت أرجلهم تسيل من الدم. وجدوا الشهيد الولي ينتظرهم. أقام لهم محاضرة وقال لهم:" من أمـﯕالا إلى الرابوني لا يوجد هناك أي رجل ما عدا أنا( الولي) والنساء. الرجال كلهم في الأمام يقاتلون حتى لو كانوا بدون سلاح". كان الولي يحس بنوع من الغضب العظيم. بالنسبة له، هذه المجموعة هي من أشجع وأفضل رجال الصحراء، لكن خانها نقص السلاح والعتاد. وحتى يبرهن أن هؤلاء الرجال الذين لا سلاح لهم، والذين ألقى بعضهم، وهو بدون سلاح، القبض على قائد أكبر قوة مغربية، هم شجعان، قرر تشكيل كتيبة خاصة منهم. أعطى الولي أمرا للشهيد الرﯕيبي الناجم بتشكيل كتيبة منهم تضم 100 مقاتلا؛ كتيبة خاصة لا يقف في وجهها أي حاجز ولا يهاب أصحابها الموت. أحتار الشهيد الرﯕيبي في كيفية الاختيار. كانت مهمة صعبة أن يختار أشجع الرجال من بين مجموعة هي كلها شجاعة ومستعدة للتضحية. في الأخير قرر الرﯕيبي أن يختار كتيبة من المجموعة. تم اختيار الكتيبة، وكان في مقدمتها رجل تاريخي آخر سيكون له فيما بعد موعد مع التاريخ، هو محمد ددش. تم اختيار أيضا حبيب ولد لحويمد ومجموعة أخرى من الأبطال ضمن تلك الكتيبة.

غنْم أول رشاش 12,7مغربي

في عملية امكالا، حين كان حبيب وكتيبته الصاعقة يطاردون الجنود المغاربة الفارين من المعركة، اكتشفوا أن سلاحا رشاشا كبيرا كان يطلق عليهم النار بكثافة. بدؤوا يطلقون عليه النار حتى قتلوا راميه. حين وقفوا عليه وجدوه رشاشا كبيرا حقا لا يعرفونه. كان ذلك الرشاش من نوع 12,7، وسيكون أول رشاش من ذلك النوع تغنمه الوحدات الصحراوية.

حبيب رجل استطلاع

خبرته وفراسته ومعرفته بالصحراء، جعلت من حبيب رجل استطلاع متمكن. أصبح قائد استطلاع الناحية الثانية، أكبر نواحي جيش التحرير الشعبي الصحراوي.

كَتب له التاريخ أنه شارك في استطلاع كل العلميات الكبرى مثل لمسايل، القلتة، السمارة، لبيرات وكل المعارك الأخرى التي خاضها جيش التحرير الشعبي الصحراوي. خبرته ودراسته الدقيقة للعدو، جعلته يصبح محل إعجاب كل المقاتلين، وأصبح قادة حتى النواحي الأخرى يلجئون إليه للاستفادة من خبرته حين يريدون تنفيذ معارك كبيرة في مناطق محددة.

الأسر، أو حين خدعت الصحراء ابنها حبيباً 

ربما كان حبيب، ابن الصحراء، قائد استطلاع الناحية الثانية العظيمة يتصور أن يحدث له أي شيء مما يحدث لمقاتل في جيش التحرير يخوض المعارك يوميا، ما عدا الأسر. قد يكون كان يتصور إن يستشهد أو يُجرح أو ينفجر به لغم، لكن أن يقع في الأسر، فهذا ما لم يتصوره. فمهمته- الاستطلاع- تجعله يشارك يوميا في مراقبة تحركات العدو، ومعرفته لأرض والطبيعة وفراسته وحنكته تجعل من المستحيل وقوعه في الأسر. لم يكن يخطر على باله أبداً أن الصحراء التي علمته كل شيء ستقف يوما أمامه لتقول له أن لديها الكثير من الأسرار التي لا يعرفها أمهر ابنائها. ربما أنه أراد أن يتحداها فتحدته. كانت له ثقة كبيرة في نفسه بأنه يعرف الأرض والطبيعة ويسخر من بالعدو، لكن الصحراء سخرت منه ذلك اليوم. يقال أن البحر من الممكن إن يخدع أمر السباحين ويجعله يغرق. نفس الشيء الصحراء، يمكن أن تخدع أمهر العارفين بها وبخباياها.

 

يوم ثامن مايو 1984م، أمر الرئيس محمد عبد العزيز جماعة استطلاع الناحية الثانية، بقيادة حبيب، أن تعود لناحيتها قرب منطقة لوتاد. عندما وصلوا إلى الناحية، أخبرتهم قيادتها أن الجيش المغربي لا أحد يعرف عنه أي شيء منذ يوم بسبب الرياح التي كانت تهب تلك الأيام. كان يوما عاصفا لم تتوقف فيه العواصف منذ الصباح. أخذوا معهم سيارة أخرى وساروا في اتجاه تواجد الجيش المغربي. في الطريق التقوا باستطلاع الناحية الثالثة وسألوهم عن الجيش المغربي، لكنهم أخبروهم أنهم، هم أيضا، لا يعرفون عنه أي شيء. حذَّرهم استطلاع الناحية الثالثة من أن المغاربة يمكن أن يكونوا قريبين في مكان ما. كانت مهمة صعبة ذلك اليوم. الناحية تنتظر الاستطلاع أن يخبرهم أين هي قوات العدو، ومن أين يمكن أن تأتي، والاستطلاع لا يرى أي شيء بسبب الريح الهوجاء. توجهوا في الاتجاه الذي ظنوا أن المغاربة يتمركزون فيه. كانوا كلما خفّت حدة الريح يسيرون نحو الأمام بسرعة ثم يتوقفون. كان حبيب يظن أن الجيش المغربي لن يتحرك في ذلك اليوم الذي كانت تسيطر فيه الريح على تلك الصحراء. كان وقت الريح من الأوقات المهمة التي يستغلها الجيش الصحراوي ليهجم على المغاربة. الريح كانت مصدر إزعاج كبير للجيش المغربي، وكان المغاربة يعرفون أن الريح إذا هبت فهذا يعني إن الصحراويين سيهجمون عليهم. في ذلك اليوم المغبر المترب، استعد الجيش المغربي لهجوم صحراوي مباغت لا مفر منه. قام بتشكيل قواته وجنوده، وبدأ في حالة استنفار قصوى وتخوف. كان يزحف إلى الأمام ببطء في حالة دفاع. بسبب الريح لم يسمع حبيب ورفاقه أي صوت لتلك الآليات التي كانت تدمر الأرض متجهة نحوهم. كانوا يستبعدون أن يتحرك المغاربة في الريح. اشتدت الريح أكثر، وأصبح رفاق حبيب لا يرون بعضهم بعضا. فجأة اكتشفوا أنهم يقفون وسط القوة المغربية، وأن الدبابات والآليات تحيط بهم من كل الجهات. حين أبصروهم ركبوا سياراتهم، وحاولوا النجاة. بدأت الصواريخ تنهال عليهم. أصاب صاروخ عجلة سيارتهم من أقرب نقطة لهم. مالت السيارة وبدأت تتجرجر، لكن حاول سائقها مواصلة المسير. أخذ المقاتلون الذين فيها وضعية القتال، وبدأوا يردون على القوة المغربية. كانوا أربعة مقاتلين فقط ومعهم 2000 طلقة. معركة غير متكافئة بين أربعة مقاتلين وقوة جرارة مدعومة بالآليات والرشاشات. السيارة الثانية التي كانت مع سيارة حبيب نجت بأعجوبة. أصيبت هي الأخرى بصاروخ، لكن أنقذها استطلاع الناحية الثالثة. قاوم رفاق حبيب مقاومة بطولية نَدُرَ مثلها في التاريخ. كان شعارهم إما الاستشهاد أو الجرح أو المقاومة حتى أخر طلقة. أثناء المعركة جُرح إثنان من رفاق حبيب. جُرح سيد احمد حنيني وبوزيد محمد لمين بارا. انتهت الذخيرة، ولم تبق منها سوى طلقة واحدة كان حبيب يريدها لعمل ما. حاول مربيه الدوة وحبيب الابتعاد بالجرحين قدر الممكن، لكن القوة كانت قد أصبحت محيطة بهم من كل الجوانب. من سوء الحظ أن الريح توقفت تقريبا حين أصبحوا هُم في أمس الحاجة لاستمرارها. كان الواحد منهم يطلق النار حتى لم يبق يخرج من بندقيته سوى الدخان. انتهت أخر الرصاصات. مات الكثير من الجنود المغاربة في تبادل إطلاق النار ذاك. الرصاصة الوحيدة التي كانت بحوزة حبيب كان قد أخذها من عند مربيه الدوة. كان يريد أن يطلقها على نفسه إذا تأكد أن المغاربة سيقبضون عليه حياً. لم يكن حبيب يريد إن يقتل نفسه بسبب الخوف من السجن، لكن لإنه كان يمتلك الكثير من الأسرار. هو قائد كتيبة استطلاع واحدة من أكبر النواحي العسكرية ولديه الكثير من الأسرار يخشى عليها. في الأخير تغلب على تلك المخاوف وقرر إن يواجه الموقف بشجاعة. قرر في داخله أن يقاوم حتى النهاية. أحس أنه اعظم من الاحتلال المغربي كله، وأن لا أحد في العالم، مهما كانت قوته، يستطيع أن يرغمه على أي شيء. الصحراء التي خدعته ذلك اليوم كافأته بأن شحنته بشجاعة وقوة تحدي لا يمتلكها إلا أبناء الصحراء.

ألقي عليهم القبض، لكن بدون ذخيرة وسيارتهم متعطلة وإثنان منهما جرحى.

كان حبيب طول الليل يفكر إن الصحراء التي كانت تخشاه ويعرفها جيدا خدعته. الصحراء دائما حبلى بالمفاجأة. كيف يتم القبض على حبيب، وكيف يتحرك المغاربة في الرياح العاتية، وكيف لم يشم حبيب رائحة القوة أو يسمع صوت محركاتها هو الذي رضع اليقظة من من الصحراء. إنه القدر ولا مفر منه.

الصمود في سجن لقنيطرة  

حين وصلت أخبار وقوع حبيب في الأسر تحرك المغرب كله من أكبر سلطة فيه الى صغر سلطة. استقبلوه في مطار العيون، اعتدوا عليه وضربوه بكرسي على رأسه انتقاما منه. استنطقه البناني، قادة الجيش، الجنرالات، الأمن. عرضوا عليه الدنيا وما فيها، لكنه كان يحمل عهدا لرفاقه وللشهداء الكثيرين الذين كانوا اصدقاء له، ولشعبه. في السجن صمد أكثر من عشر سنوات، ورغم العذاب، ظروف السجن القاسية إلا ان حبيب سخر من كل ذلك. استطاع هو

ورفاقه ال66 الصمود وبقوا على العهد حتى إطلاق سراحهم. 


blog-sahara.blogspot.com.es  

           

السيد حمدي يحظيه 


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء