عملية نواقشوط الثانية التي حيرت العالم (الحلقة الثانية)

 


الهجوم  

تقدمت القوة في تشكيل قتالي منتشر، وحين أصبحت في اقرب نقطة من المدينة توزعت الكتائب الستة على النحو التالي: كتيبتان توجهتا الى المطار، والكتيبة الثالثة والرابعة قصفتا الإذاعة وهيئة الاركان، وكتيبتان قصفتا المُركب الرئاسي. كانت الساعة العاشرة ليلا، هي ساعة الصفر. تفاجأت نواقشوط، كلها، في لحظة واحدة، بالقذائف في كل مكان، وبزخات رصاص الرشاشات يملأ الجو. تحول ليل نواقشوط إلى نهار بفعل الرصاص الكثيف الذي كان يغطي المدينة. سقطت أول قذيفة كبيرة من مدفع ب10 على الجدار الشمالي الشرقي للقصر الرئاسي، غير بعيد عن السفارة الأمريكية. تبعتها رشقات كثيفة من رشاش 14,5، وبعدها بدأت الانفجارات في الكثير من الأماكن. على مدى 40 دقيقة ونواقشوط تحت رحمة القذائف والقصف والرصاص. 

حين بدأ الهجوم الخاطف في الظلمة وعلى عدة جبهات، تحركت قيادة الاركان بقيادة ولد بوسيف ومساعده سوماري. تم طلب من قوة التدخل أن تحاول السيطرة على الطريق المتجه نحو نواذيبو الذي يمر خلف المستشفى، اما كتيبة الحماية فتتوجه نحو حدود القصر الشمالية الشرقية لحمايتها، وتتوجه قوة الدرك وقوتان اضافيتان من الجيش نحو خزان الماء لحمايته والقصر الرئاسي(1). 

على الساعة الحادية عشر ليلا، أُعطى أمر الانسحاب؛ المرحلة الأخيرة من العملية التي يُعتمد عليها نجاح المعركة من فشلها؛ إذا نجح الانسحاب ونجت القوة التي نفذت الهجوم من الكمائن والمطاردات والطيران، فالعملية ناجحة تماما، وإذا تم اصطيادها في الطريق وتم الايقاع بها، فقد فشلت العملية. 

إذن، القوات التي بدأت تنتشر لحماية العاصمة والقصر الرئاسي، تم طلب منها أن تعود وتتجمع من جديد لتبدأ الملاحقة والمطارة. بنفس الطريقة البطيئة التي توزعت بها على الأماكن المخصصة لها في الدفاع، تجمعت بها لتنظيم المطاردة. بالإضافة الى تجميع القوات تم اعطاء أمر لكل الطائرات العسكرية بالملاحقة، وتم طلب من قوات القطاع الثالث والسادس والثاني أن تتجمع على مستوى مراكز شوم، وكجوجت والتميميشات لقطع الطريق أمام المقاتلين الصحراويين المنسحبين. أُعطي أمر للقطاع السابع أن يتواجد امام الدورية المنسحبة في المنطقة الموجودة بين بنشاب ونواقشوط، ووحدات القطاع الثاني المتمركزة في الزويرات أن تقطع الطريق ابتداء من الفجر على مستوى شوم، لغشيوات والتواجيل. بالنسبة للقطاع السادس سيتبع خطوات القوة المنسحبة(2).

إذن، انسحاب قوة الناحية الثالثة بعد الهجوم على نواقشوط، سيتوقف عليه نجاح المعركة من فشلها. ذلك الانسحاب أصبح هو أخطر مرحلة في العلمية برمتها. لن يكون مثل مراحل الوصول إلى نواقشوط رغم حساسيتها، ولن يكون مثل الهجوم في حد ذاته. الآن، خلال الانسحاب، القوة مكشوفة، وبدأت الطائرات تحلق منذ الرابعة صباحا في السماء لكشف وتحديد وجهة المنفذين. تم إعطاء أوامر للقوات الموريتانية في التميميشات، شوم، اينال الزويرات أن تعترض طريق القوة الصحراوية المنسحبة، وحدث اتصال بالقوات المغربية في قلتة زمور، وتم طلب تدخل طائرات ف5. لا يوجد منفذ تستطيع تلك القوة أن تسلكه، والذخيرة التي تحمل تم إفراغ ثلثين منها في الهجوم على نواقشوط. ثلث الذخيرة قد يكفي فقط لمعركة واحدة قصيرة، وفي حالة أن تعترض قوة ثانية تلك الدورية المنسحبة سيتم إلقاء القبض عليها. سيظهر لاحقا أن هذا الاحتمال كان واردا.

الانسحاب المُعقَّد 

كانت الخطة هي أن تقطع الدورية التي نفذت الهجوم أطول مسافة في نفس الليلة التي نفذت الهجوم في بدايتها، وأن تناور ما أمكن حتى تتفادى أن تكتشف الطائرات أثرها. أول مناورة قامت بها الدورية هي ألا تسير مع طريق نواقشوط-نواذيبو الذي جاءت معه، وأن تغير المسار اتجاه كجوجت. يقول محمد مولود محمد سيدي أحمد الملقب ب تشيروني:" طلب مني قائد الناحية- أيوب-  أنا وابوعمار أن نسير في مقدمة الدورية منفصلين عنها، وأن نوقف أية سيارة قادمة أو ذاهبة ونفرض عليها أن تسير معنا(3). 

قبل أن تصل الدورية الى كجوجت ناورت مرة أخرى وغيرت الاتجاه، واتجهت الى الشمال الغربي. في الساعات الأخيرة من تلك الليلة وصلت الدورية الى ازفال، وبدأت مرحلة قطع جبال الكثبان الرملية بنفس الصعوبة التي قطعتها بها في طريق الذهاب. مثلما رأينا، اجتازت القوة، في طريقها إلى نواقشوط، كثبان ازفال في الليل خوفا أن يتم كشفها. لو كانت اجتازتها في النهار يمكن أن يتم كشفها، وتكمّن القوات الموريتانية في طريقها. في مرحلة الانسحاب، اجتازت الدورية ازفال في النهار لانه سيشكل لها حماية. لا تستطيع أية قوة موريتانية أن تجازف وتدخل كثبان ازفال وتطارد الدورية المنسحبة ولا تستطيع أن تكمّن فيه. هذا يعني أن اجتياز كثبان ازفال في النهار كان الهدف منه-بالإضافة إلى تفادي التصادم- هو الوصول الى مرحلة الخطر المكشوفة في الليل.   

الصدام مع أول قوة موريتانية في الطريق

منذ شروق الشمس يوم خامس يوليو، بدأت الطائرة تحلق فوق القوة الصحراوية التي كانت تقطع السلسلة الرملية ازفال، وكلما ابتعدت الطائرة لتنقل المعلومات، تناور القوة المنسحبة وتغير اتجاه سيرها قليلا. على الساعة الخامسة مساء حاول القطاع الثاني اعتراض القوة الصحراوية عند الدوكج، لكنه تخوف لأن لا المكان ولا التوقيت- بعد العصر- كانا في صالحه.

نجحت خطة الخروج من ازفال في النهار. حلّ المغرب على الدورية غير بعيد عن المنطقة المكشوفة المسماة الدوكج. هناك، كانت قوة موريتانية يقودها ولد هيدالة قادمة من التميميشات وزوغ، تنظرهم. لكن القوة الموريتانية تعرف أن الصدام مع القوة الصحراوية في الليل هو في غير صالحها وهو انتحار. يواصل محمد مولود محمد سيدي أحمد(تشيروني) سرده:" شاهدنا اضواء سيارات القوة الموريتانية في طريقنا. لا يوجد مكان آخر يمكن أن نناور معه لنتجاوزها، فقررنا أن نقتحمها ونطلق عليها نيران رشاشاتنا. اقتحمناها تحت قوة رصاص رشاشاتنا، فهربت. جُرح ثلاثة مقاتلين جروحا غير خطيرة. أراد بعض الرفاق أن نطاردها، لكن قائد الناحية طلب عدم مطاردتها والاشتباك معها خوفا من نفاذ ما تبقى من الذخيرة وما تبقى من المحروقات لأن الطريق لازالت طويلة ويمكن أن تعترض طريقنا قوة اخرى(4). واصلت الدورية سيرها مبتعدة شرقا نحو اغزومال مستغلة الظلام وسهولة التنقل. في اليوم الثاني، ضُحىً، تصادفت معهم قوة موريتانية قادمة من الزويرات، وأخرى مغربية قادمة من قلتة زمور. قرر قائد الناحية أن يتم إطلاق النار عليها بالرشاشات لتخويفها. أخذ هو رشاش دوشكا ورافقه لخورف، رامي رشاش 14،5  واطلقا عليها جحيما من النيران فتقهقرت. لم تتحرك أو تهاجم أو تناور أو تتبعهم. واصلت الدورية طريقها نحو منطقة كرززة قرب اغزومال. من جديد حلقت الطائرات الموريتانية والمغربية فوق الدورية، فناورت من جديد وغيرت خط سيرها، ثم سلكت نفس الطريق الذي سارت عليه في رحلة ذهابها. اللجوء إلى تلك المناورة كان هدفه هو خداع طائرات الاستكشاف حتى لا تعرف هل القوة ذهبت شمالا أو جنوبا. في تلك المرحلة من الانسحاب" يمكن أن رجال الاتصالات التقطوا رسالة موريتانية مشفرة تقول أن قوة موريتانية ستخرج من بير ام كرين واخرى موريتانية ستخرج من قلتة زمور وتعترضان طريق الدورية. لإفشال هذه الخطة، والخروج من الكماشة، اعطى قائد الناحية الامر للدورية أن تسير بأقصى سرعة، ولو بدون نظام، ويكون الموعد هو تيملوزة. هكذا حققت تلك الدورية بفعل الكثير من المناورات المعقدة الذكية، ذهابا وايابا، أن تنفذ واحدة من انجح المعارك في التاريخ.(يتبع، الحلقة القادمة، ما كتبته السفارة الامريكية في نواقشوط عن عملية نواقشوط الثانية 

المراجع: 

-(2)، (1)مادو صال، مرجع سابق 

- (4)، (3)  محمد مولود سيدي احمد تشيروني، مرجع سابق

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء